غفران حداد
في عام 1972 ابتكر الموسيقي اللبناني الراحل سيمون الأسمر وهو غنيّ عن التعريف برنامج (ستوديو الفن) وكانت من أسباب نجاح البرنامج وتقليده في معظم الدول العربية، ليس فقط لأنه قدم نجوم الفن الموجودين اليوم في عالمنا العربي، أمثال (راغب علامة، ماجدة الرومي، وائل كفوري، رامي عيّاش، اليسا، وائل جسار، نوال الزغبي) وغيرهم.
لجنة التحكيم كانت تتألف نخبة من أهل الثقافة والفن والأدب والأكاديميين، لجنة التحكيم التي اختارت وقيّمت هذه المواهب وغيرها بمهنية عالية نابعة من خلفية ثقافية بأصول الغناء نالت رضا الإعلام والجمهور على حد سواء.. كيف لا ومن أعضائها استاذة غناء في الكونسرفاتوار واستاذة بعلم النطق ومخارج الحروف ودار الاوبرا وشعراء وملحنون كبار.
أما في هذه الأيام وما نشاهده من استهلاك واضح في طريقة تقديم برامج اكتشاف النجوم مثل (يوز تالينت) الذي يعرض عبر قناة (ام بي سي العراق) لجنة التحكيم التي أضع أمام اسمائها ألف علامة استفهام وتعجب في طريقة اختيارها المكونة من حسام الرسام، الشاعر رائد ابو فتيان، الممثلة الشابة هند نزار، والأخيرة ممثلة مبدعة وما زالت في بداية مشوارها الفني.
لا أعلم بحسب أية معايير تم اختيارها لكي تقيم أصواتا غنائية، فهي
ربما تهتم بأناقتها أكثر من ثقافتها الفنية.. هي تستمع إلى الصوت وتصفق له وتنهض لمرات عدة من على طاولة لجنة التحكيم مباركةً للمشارك بأنه سيكون (نجم العراق) وتردد في كل حلقة عبارات (ابهرتني، لا ما ابهرتني) من دون الاستناد إلى اختصاص علمي بمجال الغناء والأصوات ومخارج الحروف.. وكيف يمكن لها أن تكتشف اخطاء مخارج الحروف لدى بعض المتسابقين، وهي لم تحل مشكلتها مع ثقل لسانها في بعض الحروف، تهنئ وتصفق وتستمع وكأنها تجلس في لقاء مع الاصدقاء والصديقات في كافيه أو مطعم.
مع كل الأسف يبدو أن معايير اختيار نزار على حسب عدد "اللايكات" والمتابعين لها على حساباتها عبر "السوشيال ميديا"، أما حسام الرسام صاحب أغنية (يمه لدغتني العكربة).. صحيح هو لديه جمهور وأغنيات ناجحة، ولكنه ليس مرناً مع المشاركين الشباب، فهو الذي يوبخ لأجل أحدهم وضع يده في جيبه، بتملق واضح للقناة..
أتمنى لو كان قد تابع الملحن الراحل الكبير محسن فرحان، وهو يقيّم أصوات المشاركين الهواة وكيف يشجعهم من دون المساس بكرامة ومشاعر أحدهم.
لحسام الرسام أذن موسيقية في اختيار بعض الأصوات، بالرغم من أسلوبه الفج الذي لا يليق بهيبة اسم (عضو لجنة التحكيم)، أما اداء الشاعر رائد أبو فتيان فقد كانت دهشتي كبيرة تجاه أن يكون عضو لجنة التحكيم..
واتساءل: أين الشعراء المخضرمون في تاريخ الأغنية العراقية؟ إنني اتذكر الشاعر الكبير الراحل عريان السيد خلف عندما كان أحد أعضاء في لجنة تحكيم برامج الهواة مع زملائه، وكيف يقيّمون المواهب.. وأتذكر أيضا البرنامج التلفزيوني الذي انتجته شبكة الإعلام العراقي (شاعر العراقية) وكيف أن الشبكة اختارت لجنة تحكيم للبرنامج من أصحاب الاختصاصات أمثال الشاعر محمد المحاويلي، الشاعر ضياء الميالي، والأديبة عالية طالب، والفنان كاظم القريشي.
مع كل الأسف، إن أسماء اعضاء لجنة برنامج (يوز تالنت) لا تصلح لأن تكون في التحكيم، ولا تملك الخبرة الكافية للجلوس على كرسي التحكيم، خصوصا الممثلة المبتدئة.
أنا كصحافية وواحدة من الجمهور، لم أجد فيها شيئا يؤهلها لتتصدى لهكذا مسؤولية.. ليس كلامي هذا بهجوم على قناة (ام بي سي العراق) فلديها برامج ومسلسلات منوعة وجميلة، لكن هو تساؤلات عن السبب وراء اقحام الممثلين كأعضاء في لجان تحكيم، لو كانوا كمقدمين للبرامج أمثال آلاء حسين لتقديمها في برنامج "النهر الثالث"، جواد الشكرجي في برنامج "عائلتي تربح"، احسان دعدوش في برنامج "ويه دعدوش".. وهم نجوم على صعيد التمثيل ولدى كل واحد منهم أعمالٌ ما زالت في ذاكرة الجمهور المحلي والعربي، ولكن لن يتمكن كل واحد منهم من أن يقنعنا في أنه مقدم برنامج محترف، فهم يؤدون أدوارا أو يمثلون علينا دور مقدم/ة البرنامج، واتساءل أيضا ربما كان اختيارهم من قبل إدارة القناة نتيجة لشعبية هؤلاء النجوم، لكي يلتفت المشاهدون لبرامجهم، مثلما اختارت بعض اعضاء لجنة التحكيم.
وهنا السؤال الكبير، هل وسطنا الإعلامي يخلو من مقدمي البرامج المحترفين لكي نختار ممثل/ة.. هل تاريخ العراق الفني يخلو من نجوم كبار في الأداء ومخارج الحروف أمثال الدكتورة عواطف نعيم، لتقيّم أصواتا فنية بدلاً من هند نزار أو اختيار المطرب محمود أنور، كاظم الساهر، بدلا من حسام الرسام أو حتى الشاعرين إياد البلداوي وفلاح هاشم بدلا من الموهبة الشابة للشاعر ابو فتيان.. باختصار أن العلاقات والصداقات في الوسط الإعلامي والفني هما أساس اختيار هذه الأسماء أو تلك؟ هذه هي الحقيقة المؤلمة التي لن تثمر أي شيء.