وثائق {جيفري ابستين}.. انفجار فضائح اللذة

منصة 2024/01/11
...

  كمال انمار


أثارت الأسماء التي كشفتها الوثائق المتعلقة بقضية الملياردير الأميركي جيفري ابستين التعجب لدى الكثيرين، خصوصا وأنها كشفت وجهًا مظلماً لنظام الشهرة والمال والنفوذ في الغرب الذي يصنع الدِعاية ويرسم ملامح العالم ويوجهه كما يوجّه الكبار أطفالهم.

وكانت من ضمن هذه الأسماء زمر تختلف في توجهاتها المهنية والعملية، فمنهم المليارديرات، والعلماء، والنخب،  ومنهم أيضا الممثلون والمغنيون وأرباب الاستثمارات والمشاهير، إلا أنّ لدى هؤلاء أمرا مشتركا إلا وهو ميولهم الجنسية الخارجة عن كل حد وقيد، والتي تتضمن (ممارسة الجنس مع الأطفال من كلا الجنسَين) بل وممارسة كل أنواع التوحش المكبوت أثناء العلاقة التي ربما يموت فيها الطرف الآخر من دون أن يكون هناك أي رادع أو مانع. وبهذا نكتشف أننا أمام عصابة متوحشة منافقة، لا تبالي بمشاعر الآخر، إذ إن كل ما يهمها أن تصل إلى درجة اللذة التي تعتقد فيها أنها تصل درجة النشوة المطلقة، وهذه العصابة لا تدري بأنها تتصرف كوحش هائج يفترس كل من حوله لإرضاء شهواته المرضية المكبوتة.

ولو شئنا الحديث عن "جيفري ابستين" هذا، لقلنا أنه ملياردير يهودي فاجر، كان يتاجر بالقصّر ويَعْرِضُهم على من لديه ميول جنسية غير سوية، ويكونون "في الهوى سوا" كما يقال، ويتفقون مع بعضهم في جزيرته في البحر الكاريبي التي تسمى جزيرة بايدو أو "جزيرة الآثام ضمن ولاية فيرجن الأميركية". وهذه الجزيرة تمثّل رمز اللذة الغربية المقيتة، التي أثبتت لمن ينبض ضميره أن درب الهلاك والمحن يبدأ منها ولا ينتهي البتة.

ويبدو أن "ابستين" كان من هذا النوع المريض، المختل جنسيا، إذ تعرض مجموعة صور مُسربة هنا وهناك نظره لفتاة قاصر، وهي بعمر صغير لا يتجاوز الـ 4 أعوام، وفي صورة أخرى كان يحتضن فتاة ربما لا تتجاوز الـ 12 عاماً في طائرته الخاصة، وفي الخلف توجد مجموعة من الفتيات أيضا. هذه الصور التي تم تسريبها للإعلام، لم تكن لجيفري وحسب، ولكن طالت الرئيس الأمريكي الديموقراطي "بيل كلينتون" وقد ظهر وهو برفقة إحدى عميلات جيفري! 

والآن تم رفع السرية عن مجموعة اسماء ووثائق -ربما سبب الرفع يكون أيضا لأهداف سياسية واقتصادية غير معروفة- تثبت أن من ضمن المتورطين دونالد ترامب، والأمير اندرو الذي سبق وتمت مقاضاته بملايين الدولارات حتى أدى ذلك لتنازله عن واجباته الملكية . 

كما تضمنت الوثائق مجموعة كبيرة من الممثلين منهم: توم هانكس، وأوبرا وينفري، ودي كابريو، وعالم الفيزياء الشهير ستيفن هوكينغ، وغيرهم الكثير.. وقد بلغت قائمة الأسماء مئة وخمسين اسمًا ممن ذكرهم جيفري في التحقيق، ولا ندري العدد الحقيقي أصلا. إذ إن المتهم قد قتل في عام 2019 على يد الأشخاص أنفسهم الذين تعامل معهم خشية أن يدلي بأسرارهم الكبرى أمام أحد، خصوصا وأن هناك أسماء سياسية كبرى كانت تزور جيفري في ممتلكاته، ومنهم مدير الاستخبارات المركزية الأمريكي وليم بيرنز، ومستشارة البيت الأبيض كاثرين روملر، التي كانت لديها عشرات اللقاءات معه حتى وصل الأمر لسفرهما معا إلى منطقة البحر الكاريبي -أي- حيث توجد جزيرته سالفة الذّكر ! 

ولم يكن جيفري وحده من قُتَل! إذ إن وكيله عارض الأزياء الفرنسي جان لوك برونيل وُجد مشنوقاً في زنزانته عام 2022 بعد أن ألقي القبض عليه عام 2019، ويبدو أنّ كل شخص متورط في الفضيحة يحاول أن يفشي بعض الأسرار سيكون مصيره الهلاك لا محالة، لأن الكثير من المتورطين هم من أصحاب النفوذ والسلطة كما أوضحنا.

وجيفري ابستين هذا بأفعاله كان يمثل أيقونة غربية ليست الأولى، ولن تكون، فقبله كان هناك الكثير من الأمثلة، ولو أخذنا مثالا واحدا لقلنا إنه الكاتب الفرنسي الماركيز دو ساد، وصاحب كتاب مدرسة الفجور و 120 يوم في سدوم الذي يروي فيه فظائعه الجنسية وتخيلاته المريعة التي لم يترك عمرا أو جنسا يعتب عليه، ومثل هذه القصص التي ذكر المؤلف فيها أحيانا تجارب شخصية هي تمثيلات للخلاعة والفجور وإسقاط كل المبادئ كلها بلا تحسّبٍ أو رؤية، ليكون ذلك كله مقدمة منظمة لمبدأ اللذة في الأدب، و لا ننسى ذكر ڤون مازوخ الذي اعترف في روايته "عرس الدم في كييف " حبه للنساء اللاتي يعذبن الآخرين، وكذلك روايته "ڤينوس في الفراء" التي يصور فيها عالما شهوانيا يكاد يخلو من شيءٍ إلا اللذة. 

وعالم اللذة هذا له جذور وأصول ضاربة في القدم، ولكن الحضارة الغربية بمجرياتها وتطوراتها جعلت منه وسيلة تجارية بحتة، ولسهولة الحصول على بضائعه تناولها الآخرون ووقعوا فريسة لها، حتى إذا أرادوا التخلص من اثارها فشلوا وطلبوا المزيد، لأن لا شيءَ يوقف اللذة إذا استفحلت وأدمنت.