ألعاب الضوضاء تستقطب الأطفال

ريبورتاج 2024/01/11
...

  فجر محمد

مع حلول ساعات الظهيرة وخروجه من المدرسة يقوم الصغير حسين كرار، برفقة زملائه بالتجول في الشارع، وهم يحملون لعبة صغيرة تتكون من كرتين متصلتين ببعضهما، يقوم بتحريكهما بقوة لتصدرا أصواتا مزعجة جدا تخترق الاسماع يطلقون عليها اسم بندول (طكطاكة)، ومن الجدير بالذكر أن هذه اللعبة قد شاعت في الآونة الأخيرة بشكل واضحٍ وانتشرت بين أوساط الاطفال خصوصا المدارس الابتدائية.

 فعلى سبيل المثال يدفع عبدالله جبار كل يوم ضريبة جيرته لمدرسة ابتدائية، اذ يخرج الاطفال منها وهم يحملون تلك اللعبة وفق كلام عبدالله، متسابقين في ما بينهم على من يسبب أعلى صوتا وضجيجا، ويتابع بتذمر واضح: "منذ ان انتشرت هذه اللعبة المزعجة، واصوات الضوضاء العالية مستمرة وتؤثر علينا بشكل كبير، اذ يخرج الاطفال بشكل مجموعات، ويحملون هذه اللعبة ويستمرون بتحريكها دون مراعاة لامكانية تسببهم بالازعاج لمن حولهم.

ووفق دراسة بريطانية حديثة تبيَّن أن الألعاب التي تسبب الضوضاء، والضجيج العالي قادرة على احداث تلف واصابة في السمع لدى الصغار، ومن الممكن ان يفقدوا الحاسة بشكل تام.

وبحسب الدراسة التي اجريت في معهد الأذن بجامعة كلية لندن، فإن استخدام الألعاب التي تصدر اصواتا عالية وبشكل مستمر، قادرة على احداث تلف تام في الاذن.

تفسر الباحثة والمختصة بمسرح الطفل الدكتورة فاتن الجراح، لجوء الاطفال الى هكذا أنواع من الالعاب التي تصدر الضوضاء والضجيج تحديدا، الى الكبت الذي قد يكون تعرض له الطفل داخل الأسرة، أو حالات الزجر والمنع اللذين يتعرض لهما بشكل مستمر، ولهذا نجده يبتعد كثيرا عن الموسيقى أو الفنون أو الرياضة التي من المفترض انها الاقرب اليه، ويتشبث بالألعاب التي قد تسبب التوتر والازعاج لذويه 

وجيرانه.

وبحسب الجراح فإن المشكلات الأسرية التي قد يواجهها الطفل، من اهمال وتعنيف مستمرين ربما يكون هو الآخر خلف اهتمامه وولعه بهذه الالعاب، وتذكر الجراح أن هناك جهات مسؤولة تقع على عاتقها الموافقة على الالعاب بموجب تخويل من وزارة التجارة، ولكن احيانا ما يتم ادخال العاب معينة عبر المنافذ الحدودية بطريقة غير قانونية، ودون الرجوع الى تلك الجهات.


ثقافة مجتمع

لم تعد عبير وليد قادرة على تحمل الضجيج الذي يسببه صغيرها (اياد)، إذ أصبحت لعبة المسدس لا تفارق يديه ويتشبث بها، وإن حاولت اخذها منه يتسبب بثورة هائلة في المنزل وصراخ وعويل لا ينقطعان، لذلك اضطرت عبير الى الاستعانة بباحثة بالشأن النفسي، كي تتعلم كيفية التعامل مع صغيرها وتثقيفه باتجاه الرسم والرياضة.

وتشير إحدى الدراسات إلى أن استخدام المسدسات بالنسبة للاطفال، يسبب الطنين في الاذن لفترة زمنية معينة، وتوصي الدراسة الأسر بضرورة إبعاد أولادهم عن هذه الألعاب لما تسببه من اذى صحي وأيضا تشيع العنف بينهم وبين اقرانهم. وتجدر الاشارة إلى أن في مواسم الاعياد، تنتشر ألعاب المسدس بين الاطفال بشكل كبير وتسبب حوادث متعددة، منها إصابة العين والرأس. 

الباحث بالشؤون الاجتماعية ولي الخفاجي يرى أن طبيعة ألعاب الاطفال تتناسب مع ثقافة المجتمع، فعلى سبيل المثال اذا أردنا معرفة طبيعة المجتمع يجب أن ننظر إلى سلوكيات وثقافات أبنائه، ولهذا نرى أن ألعاب الصغار تتسم بالغلبة والتحدي والعنف. لافتا إلى أن دخول الانترنت شجع الاطفال على الألعاب التي تتسم بالاصوات العالية والصراخ  ومنها اللعبة الالكترونية (البوبجي) وغيرها.

 والان اقتحمت الاسواق المحلية لعبة البندول التي هي عبارة عن كرات مترابطة مع بعضها، يلعب بها الطفل ويحركها بقوة فتصدر ضوضاء وضجيجا، وهي ايضا تتصل بالعنف لما تسببه من تلوث سمعي وازعاج كبير للمحيط العام، خصوصا اذا ما لعبت بشكل جماعي.


تضافر الجهود

المختصة والباحثة الدكتورة فاتن الجراح توضح أمرًا مهما، وهو ضرورة أن تضع الأسرة والمدرسة والمؤسسات التربوية والصحية على عاتقها التثقيف والتوعية بخطورة ألعاب العنف والضوضاء، وتعدُّ لعبنة البندول من ضمن الألعاب، التي تسبب الازعاج والتوتر لمن يسمعها، ولكن لرخص ثمنها وانتشارها بشكل واسع، اصبحت تلاقي رواجا كبيرا بين الاطفال، ولا تحذر الجراح من هذه اللعبة وحسب، بل ايضا من الملابس والازياء والالعاب التي تشيع ثقافة العنف في المجتمع.

ومن وجهة نظرها أن ما يعيشه الفرد في محيطه العام وتحديدا الطفل، وما يراه من انتشار للعنف ومختلف المظاهر البعيدة عن الحضارة، قد ينمّي بداخله هذا الشعور والرغبة باقتناء كل ما له علاقة بالتحدي وازعاج الآخر وعدم مراعاة المجتمع المحيط به، والمسؤولية الأكبر تقع على عاتق ذويه وأسرته، كي ينمو بداخله مواهب ونشاطات اخرى تنمي ثقافته وذائقته العامة، ومنها الرياضة والفن والرسم، وان يعملوا على إبعاده عن كل ما له شأن بالتعنيف من ألعاب ودراما وما شابه ذلك.


صورٌ عنيفة

اما الباحث بالشؤون الاجتماعية ولي الخفاجي فإه يربط تعلق الطفل بالعنف، لما يشاهده من تصرفات وأفعال تتنشر بالمجتمع وتعكس صورة عنيفة وغير مدنية، فمثلا نشاهد وبشكل واضح انتشار الاحتفاء والتأبين بإطلاق الرصاص والابتعاد عن مظاهر السلام والتمدن، كما أن لغة السلاح اصبحت هي الدارجة في المجتمع، فضلا عن المشاجرات المستمرة بين الأفراد التي تصل في كثير من الاحيان إلى استخدام السلاح ولغة الدم، كما يحمل الخفاجي وسائل الاعلام والبرامج التي تتسابق على نقل الاخبار المرعبة والمزعجة للأسر، مسؤولية نشر العنف وعدم التسامح بين أفراد المجتمع، ولأن الطفل جزء مهم في هذا النسيج، لذلك لا بد من أنه سيتأثر بما حوله، ويسعى الى التشبه بالمحيط العام، فيقتني ألعابا مثيرة للإزعاج والتوتر لما يحمله بداخله من غضب ومزاج عصبي مستمر.