سبعة شعراءٍ يضيئون قصر الثقافة بوهج القصيدة

ثقافة 2024/01/11
...

 الشارقة: زهير بن جمعه الغزال 

 شهد قصر الثقافة بالشارقة مساء أمس الأول الثلاثاء، انطلاق فعاليات الأمسية الشعريَّة الثانية لمهرجان «الشارقة للشعر العربي» بحضور عبدالله العويس رئيس دائرة الثقافة بالشارقة، ومحمد القصير مدير إدارة الشؤون الثقافيَّة، والشاعر محمد البريكي مدير بيت الشعر، وجمعٍ غفير من الشعراء والنقاد والمثقفين ومحبي الشعر العربي الذين امتلأت بهم جنبات وفضاءات قاعة قصر الثقافة، وقدم الأمسية الإعلامي السوداني عبداللطيف محجوب، الذي رحب بالضيوف، وثمن عالياً جهود ومبادرات الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة لدعمه اللامحدود للثقافة والشعر العربي، والتي أثمرت بوادر  ثقافيَّة كبيرة عربيَّة في سائر أرجاء الوطن العربي.

شارك في إحياء فعاليات الأمسية سبعة من الشعراء، حلقت قصائدهم في فضاءات الدهشة، ولامست كلماتهم وجدان الحضور ومشاعرهم وحنينهم وعشقهم للجمال.

افتتح القراءات الشاعر عبداللطيف بن يوسف من المملكة العربية السعوديَّة وبدأ ضبط إيقاع البداية بقراءة قصيدة «أما قبل» التي فاضت بغزارة المعنى ودهشة الصور المتشبثة بالأصالة والتناص الذكي قائلاً:

وأما بعدُ هذا الليلُ مُعدي

ويكفُرُ ثمّ يستُرُ ثم يُبدي

دماً يمتدُّ في صحراءِ روحي

أرى فيهِ ابنَ كلثومَ ابنَ هندِ

دماً كالجرح وهو يمجُّ معنىً

يُسمّيني الخسارةَ لا التحدّي 

يُسابقني بنجمٍ تِلْوَ نجمٍ

إلى أن أختلي بالكونِ وحدي

أرى قلبي كصعلوكٍ.. كعَدْوٍ

بلا ساقٍ .. كبرقٍ دونَ رعدِ

كأعناقِ الرجالِ تُساقُ طوعاً

إلى حَتْفٍ وتُقطَعُ دونَ قصدِ


ثم قرأ نصاّ حمّلَه رؤية شاعرٍ متأملٍ، وأسبغ عليه الحكمة التي جعلته ينساب بخفة الجدول وهو يلامس شغاف الروح، ومما قال:


وقفةٌ لكن لها حكمتُها

إنّما العاجزُ من لا يقِفُ

نصفيَ القوّةُ.. نصفي وهنٌ

نصفيَ المملوءُ لكن كلما

فاضَ عني من دمي يُختطفُ

وقرأ بعده الشاعر الإماراتي عبدالرحمن الحميري الذي استهل بقصيدة قدم لها مقدم الأمسية، فكانت وهجاً مشرقاً بالبلاغة وجمال الحرف وعذوبة القصيدة، وشموخ المآذن وهي ترفع نداء الروح عالياً، ومما سمعه عشاق القصيدة من «المآذن»:


إن الندامة دومًا خيـرُ مُلهمـةٍ

لذا تراني عشيقًا يُتقن الهجرا 

أجيءُ كالمدّ يغشـى قلب مُغرمـةٍ

في سكرةٍ من هواها.. أنجلي جزرا

بالأمسِ كانت على صدري منعّمةً

واليوم تصحو وقد أسكنتُها شطرا

فلا تغرنّكم في الريح أشرعتـي

هذي مناديلُ من يَبكينني قهرا

ولا يغرنّكـم قلــبٌ بقسـوتـهِ،

إن الحنينَ رويدًا ينحتُ الصخرا

ومال بشعره مخاطباً الشعراء الذين يتأرجحون بين عشق سكن الحياة، وبين جنون الانطلاقة في فضاءات القصيدة، وأهدى نصه إلى الشعراء المتزوجين الذين ينقطعون عن وصل القصيدة، فقال في «إنّي أراك»:

الشعرُ جرحُكَ..حين يبلغُ رشدهُ

والشعرُ يعني.. أن تغيبَ لكي تحِنْ


هو ذلكَ الحزنُ النبيلُ المشتهى

إذ تنحني الأزهارُ للرجلِ المُسِنْ

اكتب.. كأنك تحت عرش الله تصـــ

دحُ بالقصيدةِ حيثُ لا إنسٌ وجِنْ

الشعرُ جنّتُكَ الأخيرةُ..فاسترح

ما بين أنهارٍ..وخلخالٍ يرِنْ

 وبقليلٍ من التنازل عن أنفة الحضور الذي أتقنته، صعدت الشاعرة العمانية شميسة النعماني المنصة، وهي تزلزل النص في داخلها، لكنه خرج هادئاً لا ينم عن الصخب الذي تحمله، ومن بقايا الزلزال قالت:

زُلزَلتَ حتى ظنّ قومُكَ

أن موتَكَ لا محالةَ في القريبِ العاجلِ

زُلزَلتَ حتى قيلَ أن سيكونُ إسمُكَ مع ذويكَ

من الزمانِ الآفلِ

يا وحدَكَ المنسيُّ إلا من شرابِ الموتِ..

يا عطشاً أحبَّ إليكَ من هذا السحابِ الهاطلِ

هم أعدموكَ على الملا..

ونعوشُ أحلامِ البلادِ المقدسيةِ شيَّعتـْكَ إلى الترابِ الهائلِ


الشاعر الكويتي سالم الرميضي، قرأ نصوصاً وزع فيها الحقوق بين حق التحية للبلد المضيف، وبين حق الرثاء لرجلٍ أعطى للثقافة والشعر الكثير «عبدالعزيز الباطين» وبين حق النفس، وقرأ من «رسائل إلى أنا»:

توقف قليلا

تعبت من السير 

للـ لا مدى

إلى أين تمضي؟

وتلك الطريق إلى أين تفضي؟

أتملك علماً يقيناً بدربك

ضللَّ أم كان درب الهدى؟

تمهل قليلا

وقف واترك النفس بين يديك!

تعرَّف عليك، وسائل جنابك

ماذا لديك؟

أتحسن كل الذي تدعيه

وتظفر في جل ما تبتغيه

وإن تتكلم يقل لك إيه

وصعد الشاعر الموريتاني أماعلي حاجب منصة الشعر ليعلن عن فخره وزهوه وانطلاقته التي لا تعترف بالحواجز أو التقييد، فأطلق للغته ما شاء خياله، وجنح بها إلى لغة تنم عن مقدرة على صنع الجمال والالتفات إلى ضوء حضوره الخاطف، ومن قصيدة «المُؤَوَّلُ» يقول:

كَأَنَّهُ...  وَتَداعَتْ ألفُ مَلْحَمَةٍ

 مِنَ الْحُرُوفِ.. وَرَفَّتْ غَيْمَةٌ وَيَدُ

وَشَمَّرَ الوَقْتُ عَنْ سَاقٍ ..وَمَا انٔهَمَرَتْ

 إِلاَّ لَهُ الْبَاسِقَاتُ.. الرُّوحُ وَالْجَسَدُ

كَــأَنَّهُ هُوَ ذَاتٌ فِي تَأَمُّلِهَا

 مِنْ شَهْوَةِ الْغَيْبِ.. تَدْنُو ثُمَّ تَبْتَعِدُ

غُبَارُهُ الْمُتَفَشِّي في تَزَاحُمِهِ

 صَحْوٌ عَلَى وَرَقٍ دُنْياهُ تَنْعَقِدُ

تَفَكَّكَ الْحَاضِرُ الْمَاضِي مُحَاضَرَةً

 مَجَازُهَا فِي دَمِ اللَّا شَيْءِ.. يَحْتَشِدُ


وبعد هذا التطواف الشعري في سماوات التجلي، صعدت بهدوء الشاعرة الإماراتية أسماء الحمادي، التي قرأت نصوصاً كشفت عن شاعرة تشق طريقها نحو التميز، باحثة عن مدينة لا تشبه غيرها، تشيد فيها منازل مزخرفة بالأصالة، معجونة بإرث لا ينضب، ومن قصيدة «رؤى الياسمين:


رَبِّتْ على كتفِ السُّؤالِ .. وقُلْ لهُ:

«قد أوشكتْ تأتي إجاباتٌ أمينَهْ»

وامسحْ على رأسِ التَّوجُّسِ .. بُحْ لهُ

سرَّ الرُّؤى المُتَضَوِّعاتِ كياسَمينَهْ

واقصُصْ على ذاكَ المُحالِ حكايةً

من نورِ قلبِكَ.. رغمَ أشباحِ المدينَهْ

لو كانَ يقْصُصُ من جناحِكَ سارِقاً

ريشاً .. وأضلُعَكَ الطَّرِيَّاتِ الحزينَهْ

قد باتَ أوشكَ من شروقٍ لاحِقٍ 

وعدُ العبورِ إلى الضِّفافِ المُسْتَبينَهْ

أغمِضْ وراقِصْ ما ابتغيتَ من الضِّيا

راقِصْ إجاباتٍ كما المعنى .. ثمينَهْ

وكان الختام مع الشاعر السعودي الدكتور عادل الزهراني الذي يمتلك الكثير من الدهشة، لكنه  حرص على قراءة أبيات من قصائده الشعرية المتنوعة ومن قصيدة «اختناق»:


وهل للطينِ -سيدتي قرارُ؟

  كأنْ يبقى.. إذا احتدمَ الفرارُ؟ 

كأن يختالَ في زمنٍ شقيٍّ

تنــاهَـــشُـــهُ مزاميرٌ وزارُ

كأنْ يبتلَّ من مطرِ الأماني

عويلُ الغيم بارودٌ ونارُ

كأنْ يُمحى كنقشٍ سومريٍ 

وفي رئتيهِ صيحاتٌ وثارُ

لكرّاسِ البقاءِ يتوقُ سطرٌ

فيشطبه الفناءُ.. ويستثارُ

فكيفَ وقد غدا المجهول كنزاً

يُـخبّئهُ.. إذا انقضَّ الجدارُ