للمشاة فقط

منصة 2024/01/15
...

 طهران: دريد زهير


جسر یراه المهندسون تحفة معماريَّة حديثة مصنوعة من الصلب، يتربع شمال العاصمة الإيرانيَّة طهران ليربط ضفتين يانعتين بالخضرة والسواد في ما بينهما. "جسر الطبيعة" هو معبر للمشاة صنع من الفولاذ ويعلو بأربعين متراً أحد الطرق السريعة في طهران .

يعدُّ "جسر الطبيعة" إحدى التحف المعماريَّة التي طالما كانت مقصداً للسائحين كواحد من أبرز معالم العاصمة الإيرانيَّة في السنوات الأخيرة.

هذا الجسر الذي فازت المهندسة المعماريَّة (ليلى عراقيان) في مسابقة تصميمه والعمل في بنائه حاز العديد من الجوائز الدوليَّة منها جائزة Architizer A+ Award  للجسور والطرق السريعة في نيويورك عام 2014.

يربط هذا الممر الخاص بالمشاة فقط بين هضبتين تحتويان على مراكز مهمة و حدائق عامة كالمتحف القومي للدفاع وحديقة النبي إبراهيم والمعروفة بـ"حديقة النار والماء" ومجموعة من الوزارات كالطرق وبناية المحافظة.

الطبقات الثلاث للجسر الملتوي لكل منها هدف، فالأول ينقل صورة بانوراميَّة عن أكبر عاصمة في الشرق الأوسط تحبسها الجبال وتنزلق شوارعها الى ما لا نهاية نحو الجنوب، والثاني تؤثر الانحناءات المحجوزة بين السقف والأرضيَّة في الرؤية لتضيف الفضول بالاستمرار في المشي للوصول الى نهاية الطريق، والثالث مغلفٌ بالزجاج ليكون ممراً مقاوماً للتغيرات الجويَّة ومكاناً لاحتساء القهوة والجلوس للسمر مع الأصدقاء ومشاهدة السيارات المسرعة على الطريق.

يتزين الفولاد الممتد على مدى ثلاثمئة مترٍ بالإنارة الملونة والتصوير عبر الإضاءة بالليزر، ليرسم لوحاتٍ في مناسبات خاصة تحمل معاني التعاطف والتعامل مع الأحداث، من بينها الإضاءة باللون الأحمر الداكن بمناسبة (اليوم العالمي للتبرع بالدم) أو حتى إغلاق مصابيحه تعبيراً عن الحزن في فقدان المئات من المواطنين كان آخرها سقوط 91 شخصاً في حادثة تفجيرات انتحاريَّة طالت محافظة كرمان.

تسعى البلديات في العواصم الكبرى لإضافة المعالم الحضريَّة في قوائم تصانيفها المدنيَّة ليعبّر عن حقبة إدارة ناجحة للمدينة، وبعد افتتاح برج (ميلاد) للاتصالات في طهران، سجلت البلديَّة (جسر الطبيعة) كأحد المعالم الحضريَّة في قائمة الإنجازات وأحد المقاصد الترفيهيَّة للمواطنين والسائحين. ولما تحمله هذه التحف المعماريَّة من مكانة يتم استثمارها بإقامة المهرجانات الثقافيَّة والتجاريَّة.

فوارق:

1 - الجسور عادة تكون مسارات للمرور من نقطة الى أخرى ولكن تصميم هذا الجسر ومنذ إنشائه ليكون مكاناً للوقوف أو المشي بهدوء. وعندما يربط هذا الممشى بين حديقتين فإنَّ المعماري أراد أنْ يصبح هذا المعبر جزءاً منهما للسير تارة والجلوس بهدوء تارة أخرى.

2 - طوابقه المتعددة والمتداخلة أحياناً تؤدي الى مخارج مختلفة نحو الحدائق لتضيف حريَّة للمستطرقين في اختيار أهدافهم.

3 - عادة ما تكون الجسور بمسارات مستقيمة لكنَّ المنعطفات والانحناءات في الهيكل الفولاذي لهذا الجسر منحته سمة الغموض لمعرفة نهايته، ما زاد من جاذبيَّة المسار.

4 - استخدام المواد غير الضارة للبيئة في أرضيات الممشى والشجيرات على طوله، أعطت طابعاً بأنَّ الجسر الفولاذي المبني على عواميد تشبه الأشجار يتناغم من البيئة ويريد أنْ يكون جزءاً منها.

أمنيات

لطالما كانت المدن تبحث عن هويَّة لرسم نفسها في مخيلة قاطنيها والزائرين لها ولذا تتزاحم المشاريع وتتنوع الأفكار من أجل تحقيق ما نسخته الحداثة وصنعته العمارة الحديثة من طمس للتراث المعماري تحت حجب من الإسمنت والحديد والزجاج .

حاولت بلديَّة طهران إعادة رسم الهويَّة الضائعة لمدينة كانت أهم عنصر في ماضيها هي الأشجار والماء ونقاوة السماء.