برلين: عامر الموسوي
خرج المزارعون في جميع أنحاء البلاد إلى الشوارع للتظاهر ضد خطط التقشف التي تتبعها الحكومة القاضية بوقف دعم المحروقات المستخدمة في الزراعة، فضلاً عن إعادة العمل بضريبة تسجيل المركبات الزراعيَّة.
وقاد المزارعون الجرارات إلى مراكز المدن وأغلقوا مداخل الطرق السريعة. لكنَّ أصوات النقاد لهذه الاحتجاجات تقول إنّ العديد من المزارعين حققوا مكاسب جيدة مؤخرًا.
ويحتج المزارعون علناً ضد خطط الحكومة الفيدراليَّة لإلغاء الدعم الممنوح لهم. ويقول الفلاحون إنَّ إلغاء الإعفاءات الضريبيَّة للشركات الزراعيَّة بأنّه أمرٌ غير عادل، وخاصة في المزارع الصغيرة والمتوسطة الحجم. كما أعرب العديد منهم عن استيائهم العام خلال الاحتجاجات. وتحاول الجهات اليمينيَّة المتطرفة استغلال الأجواء الساخنة لتحقيق أغراضها الخاصة. ويحتج المزارعون في برلين والعديد من المدن الأخرى منذ أسابيع. حيث أغلقت الجرارات الطرق السريعة وأضرمت النيران في حزم القش على طول الطرق، ما تطلب استدعاء فرق الإطفاء.
وبعد الاحتجاجات الأولى للمزارعين قبل عيد الميلاد، بدأت الشرطة تحقيقاً في بعض المشانق التي تحمل رموز إشارات المرور والتي كانت تتدلى من الجرارات أو نصبت على المسارات وهي إشارات يمينيَّة تحث على العنف ضد السياسيين الذين اتخذوا قرار التقشف، وهي إشارة واضحة لمحاولة اليمين المتطرف ركوب موجة الاحتجاجات وتسخيرها لأهدافه السياسيَّة. وجاءت هذه الاحتجاجات لتشمل عموم المدن الألمانيَّة للمطالبة بالإبقاء على الدعم الحكومي للمحروقات المستخدمة لجراراتهم ومكائنهم، فهي سياسة تقشف حكوميَّة صارمة وسط تراجع كبير لشعبيَّة الأحزاب الحاكمة، وقد شلت هذه التظاهرات التي تستمر لأسبوع حركة السير بعموم البلاد. وتلقى الفلاحون دعماً من القطاعات الاقتصاديَّة الاخرى شاركت في التظاهرات مثل شركات النقل العام وشركات الحرف اليدويَّة والحرفيَّة، حيث قال كلاوس وهو حرفي تركيب السقوف فوق المباني لمراسل جريدة "الصباح" في ألمانيا: "بأنه حضر للتظاهرة امام بوابة براندنبورغ وسط برلين لتقديم دعمه للمزارعين لأنه يعتقد بأنه "بدون إنتاج زراعي تتوقف الحياة العامة ما يوثر في مجمل الحياة الاقتصاديَّة بعموم البلاد".
أما المزارع فيلي الذي يمتلك مزرعة صغيرة تتألف من خمسة فدانات من الأرض الزراعيَّة فهو من أكثر المتضررين بخطط التقشف فقد قال: "في حال توقف الفلاحون عن العمل وعدم طرح منتجات زراعيَّة مهمة للحياة اليوميَّة، فلن نستطيع القيام بأيَّة أعمال اقتصاديَّة وحرفيَّة، والرسالة هنا واضحة، لا يمكن للسياسيين قطع المساعدات هنا وهناك دون وجود رد فعلٍ منا".
يشعر الفلاح ماركوس ويشرت بالانزعاج بشكل خاص من حقيقة أن الزراعة لم تعد قادرة على الاعتماد على السياسة قائلاً "إذا قمنا ببناء مستقر، فيجب أنْ نتوقع أنْ يستمر لمدة 20 عامًا. نحن بحاجة إلى الموثوقيَّة واستقرار بالتخطيط. وهذا ضروري للنجاح، لكننا فقدنا استقرار القرارات السياسيَّة في السنوات القليلة الماضية".
كما يرى الباحث في مجال الديمقراطيَّة أكسل سالهايزر أنَّ الاحتجاجات نفسها مشروعة. ومع ذلك عليك أنْ تنظر عن كثب إلى من ينضم إليهم: "لقد رأينا أنّ التعبئة للاحتجاجات لم تأت فقط من جمعيَّة المزارعين الألمان، ولكنْ أيضًا من الشبكات التي تمَّ حشدها إبان جائحة كورونا وأزمة الطاقة".
ولا يقتصر الأمر على المتطرفين اليمينيين وأيديولوجيي المؤامرة الذين يحاولون اختطاف احتجاجات المزارعين لتحقيق أهدافهم الخاصة، إذ ترى روسيا أيضًا أنّ احتجاجات المزارعين فرصة لخلق خطابها الخاص. وكتب الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف في خدمة الرسائل النصيَّة X "لقد تم إيقاف الدعم والإنفاق الفلكي لأوكرانيا مستمر في الارتفاع". وإذا استمرت الأمور على هذا النحو، فقد يتمكن القوميون الأوكرانيون قريبًا من تصدير الاحتجاجات (الميدان) التي تحظى بشعبيَّة كبيرة لديهم إلى برلين. وسوف تتابع روسيا الأحداث بـ"اهتمام ساخر".
كما تمّ ربط احتجاجات المزارعين الحاليَّة بالحرب في أوكرانيا على المواقع والقنوات الإخباريَّة الموالية لروسيا. على سبيل المثال، يتم توزيع رسم بياني في قنوات التلغرام الناطقة بالألمانيَّة والإنكليزيَّة والروسيَّة يتم فيه تعويض تكاليف الأسلحة الغربيَّة مثل دبابة "ليوبارد" أو "ماردر" مقابل المزارع. تقول: "أرسل دبابة الفهد الالمانيَّة إلى أوكرانيا أو أنقذ آلاف المزارعين" او شعار مثل "أوكرانيا المستقلة" تحقيق الثراء "على حساب المواطنين" في ألمانيا.
وسيتعين على الحكومة الألمانيَّة الحاليَّة الجلوس مع نقابات الفلاحين للتوصل الى حلٍ وسط، إذ أعلنت الحكومة نيتها تقليص الإجراءات وتنفيذها وفق جدول زمني أطول وليس كما أعلن في البداية من سريانها بداية العام الحالي، وهي خطوة تفهم على أنّها محاولة لتقليل حدة الاحتجاجات التي شلت مرافق مهمة من الحياة العامة في ألمانيا.