المتاحفُ الشخصيَّة منافذُ جماليّةٌ تنثرُ عبق التراث العراقي

ريبورتاج 2024/01/18
...

 رحيم رزاق الجبوري

حين تتجول في زوايا وأروقة أحد المتاحف الشخصية التراثية المنتشرة في ربوع الوطن- والتي سنستعرض بعضا منها- ستشاهد كما كبيرا من المقتنيات والتحف والأنتيكات والطوابع والعملات النقدية والملابس والأكسسوارات، والوثائق الرسمية والكتب، والصور القديمة والساعات، وأشياء عديدة غيّبتها السنوات والحداثة والتطور، وتحاكي فترات وحقبا زمنية منصرمة، لكنها حضرت بكل هيأتها واستعادت بريقها وألقها، من خلال أشخاص أفنوا أعمارهم بالبحث والتقصي عن كل شيء يعود للتراث والفولكلور، فيقتنونه وينضم لمتحفهم الشخصي.

وليس هذا فحسب فالجميل والرائع بالأمر؛ أن كل متحف يترجم طبيعة تراث المدينة التي ينتمي إليها، ويعكس ثقافته وعاداته وتقاليده ومهنه وحرفه، والشيء الذي يدعو للفخر والغبطة، أنها جمعت من قبل شخصيات تحب الثقافة وغارقة في حب التراث والفولكلور العراقي الأصيل والمتنوّع والثري، والتي نذرت نفسها لخدمة نشر ثقافة وإحياء التراث وتعزيزه من خلال متاحفها الشخصية، والمؤكد بأنها تأسّست ونمت بمجهودات أصحابها الذاتية، الذين يشكون عدم التفات الجهات المختصّة لما يقدّمونه من خدمات كبيرة تضاهي في جوانب عديدة منها، ما تقوم به المتاحف الرسمية.

متحف دار السلام
يقول المؤرشف محمد سيد علوان (مدير منظمة التراث والأرشفة، ومؤسس متحف دار السلام التراثي): "منذ مرحلة الصف الثاني الابتدائي؛ وأنا يتملكني عشق وولع في جمع المقتنيات التراثية والطوابع والصور الفوتوغرافية، وكل شيء يخص الفولكلور والتراث الشعبي العراقي، وشاركت في العديد من المهرجانات، لا سيما مهرجان الأشقاء الذي أقيم في عام ١٩٩٦ ولغاية عام ٢٠٠٢، ومهرجان في مكتبة ابن خلدون العامة، في قضاء المحمودية عام 2007، وبعدها تم افتتاح متحفي في المركز الثقافي البغدادي في عام 2015، وهو المتحف الوحيد المجاز من قبل وزارة الثقافة، ويضم الكثير من المقتنيات التراثية التي تعود للفترة العثمانية والملكية والجمهوريات المتعاقبة، إضافة إلى الأدوات الحرفية والمنزلية والأزياء التراثية، فضلا عن الموروث العلمي والتربوي ووثائق ومخاطبات وخرائط، وكم كبير من الأرشيف الصوري الفوتوغرافي عن العراق".

متحف الأسلاف
غادة أنطونيوس، مديرة (متحف الأسلاف)، الذي تأسس في عام 2020 في قضاء الحمدانية- نينوى، تروي تفاصيل سر تعلقها بالتراث والفلكلور، وضيق مساحة متحفها، قائلة" "هوايتي منذ الصغر كانت حب اقتناء القطع التراثية القديمة، وجمع الصور والمجلات القديمة وقطع الحياكة وغيرها. وبدأ مشروعي يكبر يوما بعد آخر، وما زلت مستمرة بعرض مقتنياتي التراثية والفولكلورية. ولكن للأسف، نحن كأصحاب متاحف شخصية، نعاني من عدم الاهتمام من قبل الدولة، وتسليط الضوء على نشاطاتنا، ونأمل منها أن تخصص لنا قطعة أرض نبني فيها مشروعنا الدائم للحفاظ على إرث وتراث أجدادنا".  

متحف أرض الرافدين
ويذكر صباح السعدي مدير (متحف أرض الرافدين) الكائن في المركز الثقافي البغدادي، منذ عام 2019 بداياته، وأبرز مقترحاته في هذا الصدد، قائلا: "إن المتاحف الشخصية تجربة موجودة في كل دول العالم. ومتحفنا الشخصي يشغل مكانا في بناية حكومية، لكن كل الموجودات فيه هي ملك شخصي لنا، ونستقبل الزائرين في كل يوم جمعة. ونعرض كل شيء يخص تاريخ وتراث وفولكلور العراق، ولدينا آلاف الصحف ومئات الوثائق والمقتنيات؛ لكن المساحة ضيقة ولا تسع لعرضها؛ وعليه نطالب المسؤولين بأن يوافقوا على إشغالنا للبيوت التراثية المتروكة والمنتشرة في العراق، والتي تحوّل أغلبها إلى مخازن ومواقف للسيارات؟ وأن يمنحوها لنا بغية استثمارها بعرض مقتنياتنا التراثية، من أجل ديمومة عملنا الذي يحتاج إلى مبالغ، لكي يكون العرض لائقا بالزائر الكريم بعد استحصال أجر زهيد منه". ويضيف: "ما نقدمه من خدمات كبيرة بإحياء التراث، بدأنا نجني ثماره، من خلال التأثر الواضح وانتعاش بعض المهن من صناعة السجاد والسلال وغيرها، كما نرى الشباب يقومون بالتوثيق والتصوير، إضافة إلى أن العديد من الكازينوهات والكافيهات والمحال بدأت تقوم باقتناء الصور والمقتنيات التراثية؛ وهذه صحوة طيبة ساهمت بها هذه المتاحف الشخصية، التي مهمتها الأساسية هي تسليط الضوء على كل شيء يخص التراث والفولكلور العراقيين؛ وننتظر الالتفاتة من الدولة عطفا على ما ذُكِرَ سلفا".

متحف متيّم الموصل
حوّل بيته إلى متحف تراثي، وساعدته زوجته التي باعت مصوغاتها الذهبية لتحقيق حلمه، إذ يفتخر صاحب (متحف متيّم الموصل) فخري سليمان، الكائن في منطقة العگيدات، في الموصل القديمة، بهوايته وإنشاء متحف شخصي، وذلك في عام 2018، إذ يقول: "بعد تحرير مدينة الموصل من عصابات داعش، انطلقتُ بتأسيس متحفي التراثي، وبجهود ذاتية خالصة، الذي يحتوي على 6000 قطعة تراثية، مختلفة الأشكال والأصناف من خشبية ومعدنية وصوتية، والتي تداولها أجدادنا. ويستقبل الضيوف من جميع أنحاء العراق وخارجه. وللعلم المتحف هو بيتي السكني وحولته لمتحف بمساعدة زوجتي التي تقوم بواجب الضيافة وتوزيع الهدايا على الزائرين، وقد باعت مصوغاتها الذهبية للوقوف معي. كما أمتلك 10 آلاف صورة لوفود زارت متحفي من أمريكا وفرنسا وبريطانيا والنرويج وبلجيكا ودول أخرى، وأقوم بتوثيقها وأعلقها في المتحف ابتهاجا وتوثيقا واحتفاء بهم".

متحف بيث بغديدا للتراث السرياني
ويقول ريفان باسم، صاحب (متحف بيث بغديدا للتراث السرياني)، الذي يقع في نينوى- قرة قوش: "إن حبنا للتراث هو قضية تتعلق بحد ذاتها بأرض الآباء والأجداد وجذورهما. إضافة إلى إعادة استذكار الموروث التراثي والثقافي والفلكلوري لهذه المدينة العزيزة على قلبنا ألا وهي (بغديدا). وهذا ما دفعنا نحن كشباب إلى تأسيس متحف شخصي يحفظ تاريخ مدينتنا، وهذه أفكار كانت في 2014 حينما كنا نازحين بسبب اجتياح عصابات داعش الإرهابية لمناطقنا. وبعد العودة وفي 2020 بدأنا في البحث عن بيت قديم ننفذ فيه مشروعنا، ووجدناه في القصبة القديمة في (بخديدا) التي تعتبر منطقة تراثية قديمة، حيث رحبوا أصحاب البيت بالفكرة، وفرحوا بتحويل بيتهم إلى متحف، يضم الكثير من القطع التراثية القديمة؛ التي تبرع جزءا منها الأهالي". ويضيف: "نرجو من الدولة أن تولي الرعاية والاهتمام لهذه المتاحف الشخصية المهمة جدا، والتي تنشر الوعي في المجتمع وتحافظ على الموروث الثقافي وتساهم في ديمومته".
متحف بيت التراث
وننطلق لشمالنا الحبيب نحو محافظة السليمانية، وتحديدا لقضاء كفري، ليروي لنا أحمد كفري، مالك (متحف بيت التراث)، حكايته مع متحفه الشخصي الذي أنشأه علی نفقته الخاصة في عام 2003، وتحتضنه بناية الجمعية الثقافية، إذ يقول: "إن ما يميز متحفنا عن باقي المتاحف بأنه يحتوي على مجموعة من المجسمات للأبنية التراثية المصغرة. وكذلك أن كل الموجودات هي خاصة بتاريخ المنطقة. كما يحتوي على قاعة خارجية تضم أرشيفا صوريا لأهم شخصيات المدينة، وقاعة داخلية للمقتنيات المتنوعة التي يعود بعضها لعام 1920، إضافة إلى أجهزة وصناعات يدوية وكهربائية ونحاسية وفخاريات ومنسوجات وبعض المشاهد للحرف القديمة، مثل الچايچي والندّاف والمصوّر. ونستقبل الضيوف والگروبات السياحية والوفود والطلاب. كما نقيم الأمسيات الثقافية والأدبية والغنائية". ويضيف: "أناشد وزارة الثقافة لغرض دعمنا ومساندتنا، كما أطالبها بإدراجنا ضمن سجلاتها الحكومية ودليلها السياحي، فضلا عن التواصل مع المنظمات المحلية والدولية، وتنظيم مهرجانات خاصة بهذا الشأن".

المتحف التراثي الحديثي
ونحو غرب بلادنا الزاخرة بالثقافة والأدب والفنون، يتحدث حسين الحديثي، مؤسس (المتحف التراثي الحديثي)، الذي يتخذ من البيت الثقافي في حديثة مقرا له، بقوله: "إن سر تعلقي وشغفي في اقتناء التراث جاء نتيجة تأثير هذا الموروث الثقافي في نفسي. وإن المقتنيات والنوادر والأشياء التي غادرتها المجتمعات والتي كانت من ضمن احتياجاتهم اليومية واستعاضوا عنها بما هو متطور ويتلاءم مع الحداثة؛ جعلني أولي أهمية لهذه الأشياء قبل أن تندثر وتختفي، فمن باب المحافظة عليها من الضياع؛ فضّلت أن أفرّغ نفسي لهذه المهمة التي اعتبرها إنسانية وثقافية؛ لتتمكن الأجيال القادمة من معرفة تاريخهم وتراثهم الحي والأصيل. كما أسعى إلى تطوير متحفي وإضافة مقتنيات أخرى، وتبويبها بشكل علمي ومنظم. وهذه الأمور تحتاج لمؤسسة تحتضن هذه المتاحف الشخصية، التي بدأت بجهود شخصية ومتواضعة حتى أصبحت واقعا يتم فيها صون التراث والحفاظ عليه، وهذه من أهم الأولويات. فالبلدان التي لا تمتلك تراثا ولا تأريخا؛ تكون بعيدة عن الحالة الحضارية والرقي الثقافي واحترام الذات".

متحف الشهيد أحمد عفتان
في عام 1996 وفي إحدى محلات والده في سوق المدينة القديم في هيت، أسس المرحوم الحاج حمدي عفتان الهيتي (متحف الشهيد أحمد عفتان للتراث) متنقلا في عدة أماكن، ليستقر أخيرا في بناية خلف منزله في حي أمينة. ويشير نجله مهند الهيتي، إلى: "إن الراحل كان ظاهرة تراثية فريدة ومن الصعب تكرارها. إذ ابتدأت هوايته بجمع الطوابع والصور في سبعينيات القرن الماضي نتيجة زيارته لأحد أصدقائه في بغداد، حيث جلب انتباهه لمجموعة من المقتنيات التراثية وضعت في بيت صديقه. وقد تكونت لديه فكرة للقيام بجمع مثل هذه التراثيات، لتكون الانطلاقة في تحقيق حلمه بمتحف يجمع فيه كل مقتنيات العائلة الهيتية. واستمر في ذلك ليؤسس متحفا تراثيا حمل اسمه أخوه الشهيد، كما عمل جاهدا على تنظيم مهرجان كبير جمع فيه أصحاب المتاحف التراثية الشخصية في العراق وحضرته 150 شخصية تراثية لمدة ثلاثة أيام، وتكفل بكل تفاصيله المالية، إضافة إلى حسن الاستقبال والضيافة".