عصرٌ جديدٌ للتعدين.. في أعماق المحيطات

علوم وتكنلوجيا 2024/01/24
...

 مورغان ميكر
 ترجمة: شيماء ميران

في خطوة هي الأولى من نوعها على مستوى العالم، صوَّتَ البرلمان النرويجي مؤخراً على السماح لجيلٍ جديدٍ من شركات التعدين بالبحث في المياه النرويجيَّة عن المعادن اللازمة لتصنيع السيارات الكهربائيَّة والهواتف المحمولة والألواح الشمسيَّة. ومن المتوقع أنْ تكون شركة "Loke Marine Mineral" المصنعة للروبوت من بين الشركات الأولى التي ستشرع بعمليَّة الاستكشاف للتعدين في أعماق البحار في القطب الشمالي.

تأثيرٌ مقبولٌ في البيئة
يقول "والتر سوغينس"، الرئيس التنفيذي لشركة لوك: "إنَّ التصويت ليس مجرد ترخيصٍ للتنقيب.. بل خطوة نحو استخراج هذه المعادن. فإذا وجدت الموارد وتكنولوجيا ستتمكن من تطوير الأمر بتأثيرٍ مقبولٍ في البيئة، بالتأكيد ستحصل على الموافقة". وفي حال حصلت شركته على التصريح، يخطط "سوغنيس" لاستخراج قشرة المنغنيز الموجودة في قاع البحر، ويدعي أنَّها غنيَّة بالكوبالت والمعادن الأرضيَّة النادرة.
تعدُّ المنطقة الجديدة مثيرة للجدل، إذ يوضح الباحثون أنَّهم يجهلون الكثير عن أعماق البحار، فلا يمكنهم التنبؤ بكيفيَّة تأثير نشاط هذه الشركات في النظم البيئيَّة تحت الماء. وأوصى معهد البحوث النرويجيَّة الممول من قبل الحكومة بإجراء بحثٍ آخر لمدة من خمس الى عشر سنوات. يقول "ستيفن ليذ يورغنسن"، مدير مركز أعماق البحار بجامعة بيرغن النرويجيَّة: "لدينا فكرة عن الكائنات الحيَّة هناك، ولا نعرف ما هي رد فعل الشعب المرجانيَّة والأراضي الاسفنجيَّة تجاه التعدين، وهذا مثيرٌ للقلق". واحتجَّ ناشطون خارج مبنى البرلمان خوفاً من أنْ تشكل أعمال التعدين تهديداً خطيراً على الحياة البحريَّة.
يبدو أنَّ الشركات الكبرى قطعت علاقتها مع التعدين في أعماق البحار. فمثلاً أعلنت شركة الشحن الدنماركيَّة العملاقة ميرسك، والتي كانت تطمحُ لبدء التعدين قبالة جزيرة ناورو قرب استراليا، عن بيع حصتها في شركة المعادن (TMC)، وفي آذار السابق أفرغت شركة الدفاع الأميركيَّة لوكهيد مارتن بتفريغ حمولة شركة التعدين تابعة لها الى لوك مقابل مبلغٍ لم يكشف عنه.
ولتزايد الجدل حول الاستثمار في التعدين بأعماق البحار، يبين الناشطون أنَّ هذه الصناعة تهدد بالخطر الحياة تحت الماء. وتعهدت شركة BMW أنَّها لن تستخدم المواد الخام المستخرجة من التعدين في تصنيع سياراتها. وفي تشرين الأول الماضي، انضمت بريطانيا الى كندا ونيوزيلندا الى الدعوة لوقف التعدين بغية معرفة آثاره البيئيَّة. ويزعم "سوغنيس" أنَّ هذه المخاوف تجعل من الصعب العثور على استثمارات وإبرام صفقات مع الشركات التكنولوجيَّة.

ضرورة دراسة أوسع
ولكون التعدين محفوفاً بالمخاطر، فإنَّ الشركات النرويجيَّة الناشئة تراهن على عدم وجود هذه الصناعة بعد. يقول "هاكون كنودسن توفن" المتحدث باسم مجموعة الصناعة البحريَّة في النرويج: "قد ينتهي الأمر بعدم التحول إلى صناعة نهائياً بسبب عدم توفر الموارد أو أنَّ التكنولوجيا ليست جيدة بما فيه الكفاية. أعتقد أنَّ هذا هو أحد الأسباب الرئيسة وراء وجود بعض الشركات الناشئة الصغيرة فقط حالياً".
قد تركز شركة Loke على استخراج قشرة المنغنيز، وبحسب "ستايل مونستاد" الرئيس التنفيذي لشركة Green Minerals تريد محاولة استخراج النحاس مما يعرف برواسب الكبريتيد الضخمة في قاع البحر. ويزعم "مونستاد" أنَّ التكنولوجيا اللازمة لنقل هذه الرواسب من قاع البحر من عمق 3 كيلومترات تحت الماء تقريباً إلى السطح، تُستخدم النفط والغاز في صناعته، مضيفًا أنَّ الشركة يمكن أنْ تبدأ في اختبار التعدين في وقتٍ مبكرٍ من العام 2028.
بمجرد الحصول على ترخيصٍ، ستتمكن شركات التعدين من استكشاف إسفين قاع البحر في القطب الشمالي للمسافة الواقعة بين النرويج وغرينلاند. ومع ذلك، سيتعين على الشركات أولاً قضاء سنوات في جمع البيانات حول البيئة تحت الماء قبل أنْ تتمكن من التقدم للحصول على إذنٍ لبدء التعدين. ويفضل الناشطون والباحثون أنْ تقوم المؤسسات المستقلة أو الحكوميَّة بجمع هذه البيانات البيئيَّة. تقول "كاجا لون فيارتوفت"، كبيرة مستشاري المحيطات المستدامة في الصندوق العالمي للطبيعة بالنرويج: إنَّ السؤال عمَّا إذا كانت هناك مشكلات بيئيَّة تؤثر في أعمال التعدين غير قابلة للاستمرار أمرٌ مثيرٌ للمشكلات. فنحن بحاجة إلى فهم التأثير قبل السماح للجهات الفاعلة التجاريَّة بالمضي قدماً.
ونظراً لثمنها الباهظ فإنَّ الشركات الخاصَّة فقط هي التي تمتلك الموارد اللازمة لتنفيذ عمليات رسم الخرائط والاستكشاف اللازمة لفهم المنطقة، وتعترض "مونستاد" على فكرة أنَّ البيانات التي تجمعها الشركة ستكون متحيزة. تقول: "ليس لدينا أي نيَّة لإخفاء البيانات أو القيام بما يخلُّ بشرف العمل، وأنا سعيدة بقبول المنظمات غير الحكوميَّة على متن قوارب شركة Green Minerals كمراقبين. لن نفعل ذلك إذا كنا نخاطر بإلحاق أضرار جسيمة بالبيئة، هذا أمر مؤكد".
مع ذلك، فإنَّ الجيل المقبل من شركات التعدين يتقبل أنَّه حتى مع العمليات الدقيقة فإنَّ قاع البحر سوف يتعرض للاضطراب بطريقة ما. أشارت دراسة أجريت عام 2020 من اليابان إلى أنَّ أعداد الحيوانات تحت الماء انخفضت بعد إجراء اختبارات التعدين في أعماق البحار. لكنَّ الشركات تزعم أنَّ استخراج النحاس، مثلاً قد يسبب أضراراً أقل للبيئة مقارنة باستخراجه من الأرض إذا كانت الرواسب في أعماق البحار توفر نسبة أفضل من الصخور إلى المعادن.
كما تشير البيانات الحاليَّة إلى أنه من المحتمل ان تكون درجة الخام في التعدين باعماق البحار أعلى، وهو أمرٌ مهمٌ للغاية، لأنَّ هذا يعني أنه يمكنك التنقيب بشكل أقل واستخراج.

عن مجلة وايرد الاميركيَّة