الحمض النووي للقدماء.. أدلَّة على الأمراض الشائعة

علوم وتكنلوجيا 2024/01/25
...

 إرني مونديل

 ترجمة: شيماء ميران 


يُقدّمُ الحمض النووي المستخرج من عظام وأسنان أكثر من خمسة آلاف إنسان عاشوا في قارتي آسيا وأوروبا قبل أربعة وثلاثين ألف عام، أدلة حيويَّة مهمة لعددٍ من الحالات الطبيَّة اليوم.

وبحسب أربع دراسات نشرت حديثاً في مجلة (Nature – نيتشر) قدم فيها باحثون نتائجَ تشير الى أنَّ أحفاد هذه الشعوب القديمة تعيش اليوم في أوروبا وجميع أنحاء العالم، ولا يزال إرثُ أسلافهم الوراثي قائماً.

على سبيل المثال، يوضح أحد الاكتشافات الرئيسة أنَّ الأوروبيين الشماليين يصابون بمعدلات عالية من مرض التصلب المتعدد لكون أسلافهم المزارعين لديهم جينٌ يحميهم من الأمراض التي تصيب الأغنام والماشية.

وصلت المتغيرات الجينية لمرض التصلب العصبي المتعدد هذه الى أوروبا مع هجرة رعاة الماشية، المعروفين باسم شعب (يامنايا)، عبر روسيا وبلغاريا ورومانيا واستقروا شمال غرب أوروبا قبل خمسة آلاف سنة تقريباً.

نظرة على الماضي البعيد

يقول "إسكي ويلرسليف"، خبير في تحليل الحمض النووي القديم وباحث في جامعتي كامبريدج وكوبنهاغن والمدير السابق لمشروع بنك الجينات: "بسبب التهديد المستمر من الأمراض المنقولة عبر الحيوانات، يبدو واضحاً أنَّ ما يميز شعب اليمنايا بأنهم حملوا جينات مرض التصلب العصبي المتعدد حتى بعد وصولهم الى أوروبا رغم أنَّ هذه الجينات تزيدُ من خطر الإصابة بالمرض".

يؤكد "ويلرسليف" على أنَّ اكتشاف مرض التصلب العصبي المتعدد هو أكثر بكثير من مجرد نظرة على الماضي البعيد.

كما أوضح في تصريحٍ صحفي لجامعة كامبريدج: "أنَّ هذه النتائج تغّير وجهة نظرنا حول أسباب مرض التصلب المتعدد، وتؤثر في طريقة علاجه اليوم".

لقد جُمعت العينات المستخدمة في الدراسة من عصورٍ مختلفة بدءاً من العصر الحجري الوسيط والحديث والعصر البرونزي والحديدي وحتى فترة الفايكنغ والعصور الوسطى. ويشير الباحثون الى أنَّ أقدم جينوم في مجموعة البيانات يعودُ الى شخصٍ عاشَ قبل أربعة وثلاثين ألف عام تقريباً.

تُحفظ البيانات المأخوذة من البقايا القديمة مع الحمض النووي الحديث لأربعمئة ألف شخص يعيشون في بريطانيا بعد أنْ تُقارن، في البنك الحيوي في بريطانيا.

يقول "ويليام باري"، باحث في قسم علم الحيوان بجامعة كامبريدج: "لقد أذهلتنا النتائج. فهي توفر قفزة نوعية في فهمنا لتطور مرض التصلب العصبي المتعدد وأمراض المناعة الذاتيَّة. كما أنَّ إظهار نمط حياة أسلافنا وتأثيره في خطر الإصابة بالأمراض الحديثة، يسلط الضوء على تلقينا أجهزة مناعة قديمة في عالمٍ حديث".


النتائج الأخرى

من ناحية الطول، يميل الاشخاص في شمال أوروبا الى أنْ يكون أطول من مواليد جنوب أوروبا، وربما يعود ذلك الى شعب اليمنايا في الوراثة.

أما خطورة الإصابة بأمراضٍ أخرى، فإنَّ الحمض النووي للمزارعين القدماء متمركزٌ في جنوب أوروبا ما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالاضطراب ثنائي القطب، بينما قد يزيد علم الوراثة القديم من خطر الإصابة بامراض مثل الزهايمر والسكري من النوع الثاني في أوروبا الشرقيَّة.


إرث وراثي

لم يكن البشر الأوائل قادرين على هضم الحليب بعد الفطام، وربما ظهر تحمل الحليب بين البالغين في أوروبا قبل ستة آلاف عام تقريباً.

في حين أنَّ القدرة والتسامح على العيش على نظام غذائي نباتي فقط ظهرت منذ ما يقارب من 5900 عام في أوروبا.

يقول "إيفان إيرفينغ بيز"، المؤلف الرئيس لأحد الأبحاث في معهد غلوب بجامعة كوبنهاغن: "ما يلفت الانتباه أنَّ أنماط الحياة في المنطقة الأوراسية على مدى عشرة آلاف سنة ماضية أدت الى إرثٍ وراثي يرمي بظلاله على الأحفاد الحاليين، من حيث البنية الجسديَّة وخطر الإصابة بالامراض".


يونايتد برس انترناشيونال