تٌلازمان الشخصية العراقيَّة الشهامة والكرم سمتان متأصِّلتان

ريبورتاج 2024/01/29
...

 فجر محمد

لا يمكن لتفاصيل تلك الليلة الماطرة الشتوية، أن تغادر ذاكرة نادية علي، عندما سمعت وأسرتها طرقات قوية على نافذة المنزل، بالقرب من الحديقة، اذ لم تشاهد حينها سوى ملامح بسيطة من ذلك الشخص، الذي كان يطرق النافذة وبقلق وخوف واضحين، تقول نادية:"قام والدي بفتح الباب لذلك الزائر الذي تبين لاحقا أنه جارنا، وكان مطاردا من قبل النظام السابق، ولم يجد أمامه منفذا سوى الدخول الى منزلنا وطلب النجدة من والدي".
بعد أن غادر الضيف إلى مكان آمن، كان الخطر يحدق بأسرة نادية كما وضحت، إذ إن وجود شخص معارض للنظام آنذاك، كان يعني أن الجميع سيكونون بخطر، ولكن والدها لم يأبه بالامر وكل ما كان يفكر به، هو كيفية انقاذ هذا الشخص، ولو كلفه حياته وأسرته.


حسن الضيافة

كان لنوار أحمد وأشقائها فرصة في الذهاب الى خليجي 25 الذي أقيم في البصرة، ومنذ خوضها لتلك التجربة وهي لم تتوقف عن الحديث عما عاشته وشاهدته، اذ تروي وهي تستذكر تلك الأيام الجميلة على حد وصفها، كيف استقبل أهالي البصرة ضيوفهم بالحب والفرح والكرم، ولم تكن تلك المدينة تنام في ذلك الوقت، بل كانت وأهلها يعيشون فرحا متواصلا وعطاء غير محدود، باستقبال الضيوف والترحيب بهم.

لم تغفل التقارير الاعلامية العربية والعالمية عن الآلية التي استقبل بها العراقيون، ضيوفهم العرب، ومن جاء من مختلف دول العالم في خليجي البصرة 25، اذ كانت موائد الكرم والضيافة غير المعهودة بانتظار كل زائر تطأ قدماه مدينة البصرة، وهذه الأمور أثارت استغراب تلك الدول.

 بحسب الباحث والبروفسور قاسم حسين صالح فإن شخصية الفرد العراقي تمتاز ببعض الخصائص السيكولوجية المختلفة عن غيرها، ومنها الكرم وحب الوطن بشكل لا يوصف، إذ جاءت تلك الدراسة انطلاقاً من الظروف والأحداث التاريخية، التي مر بها العراق وطبيعة السكان باختلاف مذاهبهم وتوجهاتهم.

 كما عرف الفرد العراقي على مر العصور والأزمان بشجاعته وتمتعه بخصال النخوة والغيرة والشهامة.


جائزة نساء الشجاعة

في عام 2018 تم تكريم السيدة عالية خلف المعروفة بأم قصي، بجائزة نساء الشجاعة الدولية، تلك المرأة التي انقذت عددا كبيرا من مجزرة سبايكر، التي ارتكبتها عناصر داعش الارهابية إبانَ احتلالها عددا من مدن البلاد، اذ تمكنت هذه السيدة من إخفاء عدد كبير من هؤلاء الطلاب، واستخراج هويات شخصية لهم، تخفي شخصياتهم وأسماءهم الحقيقية من أجل إنقاذهم من عصابات داعش الارهابية، التي قتلت عددت كبيرا من زملائهم، وحرصت ام قصي على حياتهم واخفتهم داخل منزلها، ولم تفكر بالعواقب التي قد تأتي من جراء هذا العمل، وجاء تكريمها في عام 2018 بجائزة لا تمنح الا للنساء اللواتي أبدين شجاعة منقطعة النظير، فضلا عن جهودهن في تحقيق السلام والامان في العالم، كما تم تكريمها قبل ذلك في عام 2015 بوسام الوطن.

من منا لا يتذكر الشهيدة والناشطة والحقوقية اميمة جبارة التي هرعت لنصرة أخوتها، في سوح القتال ضد عصابات داعش الإرهابية، التي قتلا عدداً من أفراد أسرتها، ولم تتوقف الشهيدة حتى شاركت إخوانها وزملاءها القتال، واستشهدت أثناء الحرب على يد قناص أطلق عليها النار وارداها قتيلة، فامتزجت دماؤها بأرض وتراب الوطن وخلدت ذكراها. 

وترى رئيسة جمعية الامل هناء ادور أن النساء العراقيات لطالما تمتعن بالشجاعة، ولهن قصص عديدة في هذا المجال، وهن قادرات على مواجهة الظروف الصعبة وقهرها ايضا.


حب الخير

تعتقد التربوية سعاد نعيم أن العراقيين امتازوا دائما، بل وتفوقوا على مختلف شعوب العالم، ولطالما كانت مساعدة الآخرين ونجدة المظلوم من شيمهم، وهم دائما على أهبة الاستعداد لمساعدة المحتاج والفقير، ولم يتوانوا عن تقديم المساعدة لاي شخص يطرق ابوابهم.

ويشاركها الرأي اياد جبار الذي يثني على الحملات التي يقوم بها اشخاص تبرعوا، واعطوا من وقتهم وجهدهم الكثير، من اجل ايصال المساعدات للمحتاجين وخصوصا في أشهر معينة من السنة منها رمضان ومحرم، اذ يقول اياد:"تعرفت على عدد من الشباب، الذين لاهم لهم سوى مساعدة واعانة الفقراء، فهم يذهبون الى بيوت المعوزين ويحملون معهم السلات الغذائية، التي تحمل المواد الاساسية التي يحتاجها كل فرد، خصوصا في شهر رمضان ". 

ومن الجدير بالذكر أن شهري رمضان ومحرم، غالبا ما يشهدان مبادرات لتوزيع السلات الغذائية وبحملات تبرع يقوم بها عدد من الشباب، اذ يعملوا على إيصال المواد الغذائية والأساسية لتلك الأسر المحدودة الدخل، من اجل مساعدتهم وسد حاجتهم للمواد الضرورية التي تحتاجها كل اسرة.

الناشطة المدنية ابتسام رحيم غالبا ما تعمل هي وزملاؤها في الوصول إلى تلك الأسر، ومحاولة مساعدتهم قدر المستطاع، فتقول:"نعمل بين الحين والاخر على توفير سلات غذائية، فضلا عن بعض الملابس التي نرتبها ونضعها على شكل رزم ونعطيها اياهم".