تحالفا الحكم والمعارضة في تركيا يستعدان لصراع جديد على اسطنبول

الرياضة 2019/05/23
...

اسطنبول / فراس سعدون
 
 
يعمل تحالفا الحكم والمعارضة في تركيا على تهيئة القيادات لحملة انتخابات رئاسة بلدية اسطنبول الكبرى المقرر إجراؤها ثانية في 23 حزيران المقبل، إثر قرار اللجنة العليا للانتخابات إلغاء نسخة 31 آذار الماضي، استجابة لطعون حزب العدالة والتنمية الحاكم، وعلى رأسها تعيين مديرين وموظفين في مراكز الانتخاب من خارج القطاع العام، واكتشاف سجلات ناخبين فارغة.
 
تحشيد جديد للحزب الحاكم
وحثّ الرئيس التركي زعيم الحزب الحاكم، رجب طيب اردوغان، البرلمانيين في الحزب على “بذل ما لديهم”.
وقال إردوغان، في إفطار مع برلمانيي حزبه، إن “اسطنبول مدينة يعيش فيها ممثلو 81 ولاية، ونحن بحاجة لتحويل هذا في مصلحتنا، عبر الاجتماع مع المؤسسات في اسطنبول”، مشددا “نحن بحاجة للعمل بجد”.
ويتقاطع موعد إجراء الانتخابات الجديدة، مع موسم العطلة الصيفية حيث اعتاد أغلب سكان اسطنبول البالغ عددهم قرابة 16 مليونا، (نحو خمس سكان تركيا)، على قضاء العطلة في مساقط رؤوسهم، أو المدن السياحية داخل البلاد وخارجها.
ونبّه إردوغان “مع عطلة عيد الفطر سنركز بالكامل في اسطنبول. نقول لا لأولئك الذين يرغبون بالسفر لقضاء العطلة. سنحتفل بانقضاء رمضان في اسطنبول. يجب على كل واحد من النواب الاتصال بمواطني اسطنبول وطلب دعم مرشحنا”.
وقرر إردوغان الإبقاء على بن علي يلدرم، رئيس مجلس النواب السابق، مرشحا للتحالف الحاكم، كما قرر تحالف المعارضة الإبقاء على أكرم إمام أوغلو.
وخسر يلدرم مقابل إمام أوغلو بفارق نحو 13 ألفا من قرابة 10 ملايين صوت، في النتائج الأولية والرسمية، قبل أن تقرر لجنة الانتخابات إبطال النتائج، وتجرد إمام أوغلو من وثيقة رئاسة البلدية.
واعتاد إردوغان على إجراء تعديل في مواقع حزبه حين لا ترضيه نتائج الانتخابات، ملوحا بذلك “سيزدهر حزب العدالة والتنمية، والسياسة التركية، برؤى ومشاريع وأشخاص جدد. الأمر المهم للغاية على المدى القصير هو قرار إعادة انتخاب رئيس بلدية اسطنبول”.
وجدد الرئيس التركي الدفاع عن القرار ووصفه بـ”الصحيح”، منتقدا معارضيه في الداخل والخارج.
ولام أطرافا غربية لـ”ازدواجية معاييرها”. وتساءل “لقد شهدنا إلغاء انتخابات في بلجيكا، فلماذا لم يتدخل أحد بشؤونها، فيما الجميع مهتم بإعادة انتخابات اسطنبول؟”.
واتهم زعيم الحزب الحاكم المعارضة بسرقة أصوات الحزب، لكن حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة وأقدم الأحزاب السياسية، ينكر هذا الاتهام.
 
مواقف جديدة لأحزاب المعارضة
وعبّر كمال كلجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، عن ثقته بناخبي اسطنبول لإعادة انتخاب مرشح حزبه.
وقال كلجدار أوغلو، أمام برلمانيي حزبه “أنا واثق من ضمير إسطنبول. سيتم انتخاب إمام أوغلو مرة أخرى”.
وشكل حزب الشعب الجمهوري مجموعة عمل جديدة لحملة إمام أوغلو.
وأعلنت كتلة الحزب في البرلمان أن 16 فقط من أصل 144 نائبا من نواب الحزب سيبقون في أنقرة للاضطلاع بواجباتهم البرلمانية، في حين سيعمل معظم النواب على التواصل المباشر مع الناخبين في مختلف مناطق اسطنبول.
ويهيمن نواب الشعب الجمهوري على 24 بالمئة من مقاعد البرلمان المكون من 600 مقعد.
وكان زعيم الحزب المعارض أدلى بتعليقات قوية ضد قرار لجنة الانتخابات، بوصفها مجلسا قضائيا، ومنها إن “إرادة الأمة أسيء استخدامها”، و”يجب إصلاح هذا الظلم”، و”القضاء نفسه يدمر العدالة”.
ووصف كلجدار أوغلو أعضاء لجنة الانتخابات السبعة الذين صوتوا على القرار بأنهم “أعضاء في عصابة” وأنهم كانوا على اتصال بمسؤولي الحزب الحاكم، مطالبا باستقالتهم. 
وجددت مرال أكشنر، زعيمة حزب إيي (الجيد) المتحالفة مع كلجدار أوغلو، انتقاد قرار الإعادة.
وقالت، في اجتماع لكتلة حزبها البرلمانية، إن “الأحزاب الحاكمة ألحقت مهانة كبيرة بتركيا من خلال عدم الاعتراف بالنتائج”، مضيفة “ركلوا صندوق الاقتراع، وقتلوا أنفسهم سياسيا”.
وأكدت، الزعيمة المنشقة عن الحركة القومية - الحزب المتحالف مع العدالة والتنمية - أنها لن تلتزم الصمت أبدا إزاء “هذا الانقلاب القضائي المرتكب ضد الديمقراطية”.
وأعلن حزب السعادة أنه سيخوض انتخابات حزيران، بخلاف تقارير إعلامية أوردت أن الحزب لا يعتزم خوض الانتخابات، وأنه سيدعو أنصاره إلى التصويت لصالح إمام أوغلو.
وغرد تمل كارا ملا أوغلو، زعيم الحزب، أنه سيبقي على مرشحه نجدت غوك جنار بعد حصوله على 130 ألف صوت في آذار.
وفُسّر قرار السعادة ذي التوجهات الإسلامية بأنه تكتيك يمنع ذهاب الأصوات للعدالة والتنمية.
وانسحب معمر ايدن، مرشح حزب اليسار الديمقراطي، من التنافس، احتجاجا على إعادة الانتخابات، كما انسحب مرشح الحزب الشيوعي التركي.
 
تقييم انتخابات الإعادة
ويصعب تقدير نتائج انتخابات حزيران مع بقاء شهر على إجرائها.
وقال سعيد الحاج، الباحث في الشأن التركي، لـ”الصباح”، إن “هناك تقييمات مختلفة للانتخابات، فهناك من يرى أن العدالة والتنمية سيفوز بأريحية، وهناك من يرى أن السباق سيكون محموما، والمنافسة فيه صعبة، كما الانتخابات السابقة، وهناك من يرى أن المعارضة ستكتسح”.
وأبدى الحاج اعتقاده بأنه “من الصعب جدا الجزم باتجاهات التصويت لناخبي اسطنبول”. وعزا ذلك إلى “أولا النتيجة المتقاربة جدا، وثانيا الفترة الزمنية حتى إعادة الانتخابات قصيرة، وثالثا هناك عوامل متداخلة هي نفس العوامل المؤثرة في تصويت الانتخابات السابقة إن كان التحزب، والرأي السياسي، أو المنطقة الجغرافية التي يعيش فيها الناخب، أو الأزمة الاقتصادية، أو السياسة الخارجية، وحتى الحملات الانتخابية وخطاباتها؛ فكلها مؤثرة، وستضاف لها من وجهة نظري قراءة كل ناخب على حدة لقرار إعادة الانتخابات”.
وذكر الحاج أن “هناك عوامل أخرى ضمنها التحالفات التي قد تتغير قليلا، وشاهدنا أحزابا صغيرة حصل بعضها على 30 ألف صوت، و10 آلاف صوت، مثل حزب اليسار الديمقراطي، والحزب الشيوعي التركي، سحبت مرشحيها لصالح إمام أوغلو، وهذه الأصوات ستكون مؤثرة في ظل التنافس القوي”.
ورأى أن “التنافس سيكون ساخنا جدا، والمسابقة ستكون محمومة أكثر من الجولة الأولى”، معتقدا أن “نسبة التصويت قد تزيد لأن هناك حشدا وحشدا مضادا من الطرفين”.
ووجد الباحث أن “حزب العدالة والتنمية يسعى لإرضاء الذين استنكفوا عن الذهاب للتصويت، أو الذين كان لهم رأي آخر، أو المتحفظين، أو المعترضين من داخل الحزب وبين أنصاره، ويراهن على سيناريو مشابه لعام 2015 عندما أتت نتائج إعادة الانتخابات البرلمانية بفوز كبير له، خوفا من البديل، وخوفا من فوز المعارضة”، كما وجد أن “المعارضة تحاول أن تلعب على فكرة المظلومية، وأنهم استحقوا الفوز، ولكن لجنة الانتخابات حرمتهم منه، وبالتالي يحشدون أنصارهم، ويجدون أن هناك فرصة للفوز، وسيذهبون أكثر”.واستنتج المتخصص في الشأن التركي أن “التداعيات ستكون كبيرة ومضاعفة على العدالة والتنمية إذا فاز إمام أوغلو ثانية”.وانتقدت قيادات من الحزب الحاكم بينها عبد الله غول، الرئيس التركي السابق، وأحمد داود أوغلو، رئيس الوزراء التركي الأسبق، أداء الحزب في الانتخابات الأخيرة وقرار إعادتها، وسط حديث غير رسمي عن سعي الرجلين مع وزير الاقتصاد الأسبق، علي بابا جان، لتأسيس حزب جديد.وعلق الحاج على مواقف غول وداود أوغلو المتكررة بأنها “لا تعبر عن شخصيهما فقط، بل عن تيار داخل العدالة والتنمية والقيادات السابقة  غير راض عن إعادة الانتخابات، وغير راض عن سياسات كثيرة في الحزب أشار لها داود أوغلو في منشوره الشهير الأخير المفصل”، مضيفا “وبالتالي هذا سيؤثر في النتائج، لأن المقتنعين بغول وداود أوغلو لن يشاركوا في الانتخابات، أو سيكون لهم رأي آخر، لأن المعارضة ستذهب للصناديق بحشد أكبر ومتحدة أكثر من السابق فيما يبدو، بينما يذهب العدالة والتنمية وهناك اعتراضات داخله”.وخلص إلى أن “قرار إطلاق الحزب الجديد ربما ينتظر نتائج الانتخابات، لاسيما إذا فاز إمام أوغلو، إذ من المؤكد أن فوزه سيكون مساعدا ومسهلا لإعلان الحزب.