مشاريع واعدة لتنمية الزراعة المستدامة في العراق

ريبورتاج 2024/01/30
...

  بدور العامري

(الزراعة بلا تربة والمياه محسوبة)، هو انجاز لطلبة لا تتجاوز أعمارهم 16 عاما، حيث تمكنوا من حصد المركز الاول والفوز بجائزة زايد للاستدامة لعام 2023، بهذا الإنجاز الرائد أظهر طلبة مدرسة الموهوبين في الموصل، أن العراق يمتلك الطاقات البشرية القادرة على استثمار خيرات الطبيعة على أكمل وجه، اسوة بدول العالم المتقدم، الأمر الذي يتطلب من الجهات المعنية في البلاد، اتخاذ الخطوات اللازمة لاستثمار ودعم جميع الإمكانيات البشرية والمادية المتوفرة، بهدف تنمية الزراعة المستدامة في العراق.

دورٌ استراتيجي
تعتبر الزراعة من أكبر المهن على وجه الأرض، حيث تشغل 40 % من المساحة في العالم، وتستهلك نحو
70 % من الموارد المائية، وتشكل المحميات الخضراء ما نسبته 30 %، في الوقت الذي تلعب فيه الزراعة المستدامة دورا كبيرا في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة ودعم الاقتصاد، عن طريق التنوع في الصادرات وعدم الاعتماد على مصدر واحد للدخل القومي، كما يضطلع القطاع الزراعي بدور مهم في تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان ومجابهة الطلب المتزايد على الغذاء، إضافة إلى الحفاظ على التوازن البيئي عن طريق تخليص الهواء من غاز ثنائي أوكسيد الكاربون، فضلا عن استيعابه لعدد كبير من الايدي العاملة، كونه نشاطا كثيف العمل.
وزارة الزراعة من جانبها تسعى إلى تنمية وتطوير استخدام الزراعة الذكية لغرض مواجهة التغيرات المناخية وشح المياه في العراق، حيث أكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أهمية ودور الزراعة الاستراتيجي في دعم اقتصاد البلد وتحقيق الامن الغذائي، بعيدا عن جميع المؤثرات والمتغيرات، التي يتعرض لها الوضع العالمي، من حروب وازمات، السوداني ومن خلال زيارة له مؤخرا لأحد الحقول الزراعية في اطراف العاصمة بغداد، والتي تعتمد طرق الري الحديثة، شدد على إعطاء الحكومة للجانب الزراعي أولوية في برنامجها الاقتصادي والتنموي، متمثلا بعدة خطوات مثل توفير المستلزمات الزراعية بمختلف أنواعها بأسعار مدعومة من الدولة وتشجيع الفلاحين والمزارعين على اتباع أنظمة الري الحديثة، عن طريق توفير تلك المنظومات بأسعار مدعومة، إضافة إلى الدعم المادي لمخرجات العملية الزراعية وشراء المحاصيل بأسعار تتجاوز سعر المستورد.

روح الحياة
وتقوم الزراعة المستدامة على تنمية التنوع البيئي والحفاظ على الأرض مع الإدارة الجيدة للمياه واستهلاكها، وعلى هذا الأساس تمكن مشروع (روح الحياة) لعدد من طلبة مدرسة الموهوبين في الموصل من التفوق على (4300) مشروع ضمن فئة المدارس الثانوية العالمية، والحصول على المركز الأول للمسابقة التي تضم مشاركة 152 دولة في الامارات العربية المتحدة، حيث تحدث الطالب محمد علي احد المشاركين في هذا الانجاز قائلا: "كان مشروعنا عبارة عن زراعة مائية داخل بيوت زجاجية محورة، حيث تتم زراعة النباتات داخل منظومات زراعية تحتوي على محلول مغذ"، مبينا، ان "المشروع يحقق مبادئ التنمية الزراعية المستدامة، عن طريق صون الموارد ومضاعفة الإنتاج، إضافة إلى ادخار 92 % من المياه المستهلكة في الري بالطريقة الاعتيادية".
فيما أوضح الطالب عدي عبد الرحمن، أحد الطلبة المشاركين في المشروع، أن "هذه الطريقة لا تحتاج إلى تربة أو مكان محدد، حيث ممكن زراعتها في أي مكان وتحت أي ظرف بيئي، كما انها توفر كمية تقدر بستة اضعاف الإنتاج مقارنة بالزراعة التقليدية"، في الوقت الذي اكد فيه مهند حازم، مدير مدرسة الموهوبين في الموصل، ان "هذا الإنجاز لم يكن وليد اللحظة، بل كان مكملا لعدة إنجازات وابتكارات تبنتها المدرسة منذ فترة، وهي تصب في مجال التنمية الزراعية المستدامة".

مشكلات المياه
ويشهد ملف المياه في العراق عدة مشكلات في الآونة الأخيرة، منها تحكم دول المنبع بكمية المياه الداخلة للأراضي العراقية وتناقصها بشكل كبير، إضافة إلى تأثير  التغيرات المناخية التي تسببت بمواسم جفاف وتبخر كبير لمياه نهري دجلة والفرات والتجمعات المائية الأخرى مثل بحيرات السدود ومناطق الاهوار، وزير الموارد المائية عون ذياب، نبه على ضرورة ان "يمسك ملف المياه في العراق من قبل أعلى مستوى في الدولة، كونه شأنا سياديا وحيويا، ولا يقتصر شأنه على وزارة الموارد المائية، باعتبارها معنية بالجانب الفني فقط، لذلك نحن بحاجة إلى تحرك فني ودبلوماسي واقتصادي بالاتجاه نفسه، لغرض ايجاد حلول مناسبة لمشكلة شح مياه نهري دجلة والفرات، خاصة بعد زيادة الاثار السلبية على البلاد نتيجة تحكم دول المنبع بكميات المياه الداخلة للأراضي العراقية".
وأكد ذياب، أن "الفترة الحالية تشهد اهتماما كبيرا لحل مشكلة المياه وهو يسير باتجاهين: الأول هو الاستمرار بالتفاوض وتبادل الوفود الفنية مع الجارة تركيا، اما الاتجاه الاخر فيتمثل بالعمل على تغيير الواقع المائي في العراق وطرق استخدام المياه بالشكل الأمثل".

دعمٌ دولي
وكان مؤتمر المناخ (COP28) الذي عقد في دبي للعام 2023 محفلا دوليا مهما، شهد  دعما كبيرا من قبل المنظمات الدولية المختصة لتحول البلاد نحو الممارسات الزراعية المستدامة، اذ اكد برنامج الأمم المتحدة للبيئة دعمه للعراق في تطوير خطة التكيف الوطنية لمواجهة تحديات تغير المناخ بفعالية، كما دعت منظمة الأغذية العالمية والزراعة، الحكومة العراقية إلى اتخاذ خطوات عملية لمواجهة تحديات تغير المناخ والتدهور البيئي في جنوب العراق، وتعزيز قدرة الفلاحين وسكنة الأرياف على التكييف مع التغييرات المناخية، وتابع وزير الموارد المائية حديثه، حول دعم المنظمات البيئية والإنسانية لموقف العراق في ما يخص مشكلة شح المياه   قائلا: "أصبحت هناك ضرورة للتوصل إلى اتفاق ملزم وواضح وصريح لاقتسام المياه بشكل عادل، في الوقت الذي انتقدت فيه جهات ومنظمات دولية طرق استخدام المياه بصورة عامة، والاغراض الزراعية على وجه الخصوص، باعتبارها اساليب متخلفة، لم تعد تناسب التغييرات الحاصلة في العالم، مثل اعتماد الطرق المستدامة والترشيد باستخدام المياه".

معوقات
أسباب ومعوقات كثيرة أدت إلى أن يتراجع العراق في مجال الزراعة المستدامة، بعد أن كان في مقدمة البلدان التي نفذت مشروع زراعة الصحراء عن طريق الري بأنظمة التنقيط والرش في سبعينيات القرن الماضي، اذ يعتقد الخبير الاقتصادي رشيد مهدي السعدي، ان "الأسباب الأمنية هي من أخّرت العراق لمواكبة الأنظمة الحديثة في القطاع الزراعي، مثل الحرب مع ايران وتداعيات غزو الكويت والحصار الاقتصادي في ما بعد، كذلك الحال بالنسبة للحكومات بعد 2003 العام، فقد تعرضت البلاد لأزمات امنية وصراعات داخلية ألقت بظلالها على الجانب الاقتصادي وتأخير إقرار الموازنات خلال عدة سنوات، الامر الذي اثر سلبا في الواقع الزراعي، باعتباره قطاعا موسميا يحدد بفترات معينة، يضاف إلى هذه المعوقات مسالة شح مياه السقي نتيجة لتناقص مناسيب مياه نهري
دجلة والفرات، بعد انشاء تركيا لعدد من السدود العملاقة على مجاريهما، الامر الذي انعكس على مساحة الأراضي المزروعة ونوعية المحاصيل الزراعية".

مشاريع ومقترحات
ويعدُّ دخول القطاع الخاص كشريك بالاستثمار الزراعي من الأساليب الناجحة للنهوض بالقطاع الزراعي وتنميته من جهة، والعمل على توسيع مساحات المستصلحة وما ينتج عنه من عوائد للاقتصاد الوطني وتشغيل الايدي العاملة من جهة أخرى، وهذا الامر بدا واضحا في عملية زراعة الصحراء في بادية كربلاء والمثنى والانبار وغيرها من المناطق.
وبحسب الخبير الاقتصادي رشيد مهدي السعدي، أن "عملية اشراك صغار الموظفين في ورش العمل والمناقشات الخاصة بالمشاريع التي تخص عمل دوائرهم، يسهم بدرجة كبيرة في تذليل العقبات المتمثلة بالإجراءات الروتينية لإنجاز المعاملات، بعد أن يصبح الموظف اكثر تفهما لما يعانيه الفلاح او صاحب المشروع الزراعي اينا كان نوعه".
يشار إلى أن العتبة الحسينية والعباسية قد استثمرت مساحات واسعة لإنتاج محاصيل زراعية مختلفة، توزعت ما بين غابات النخيل ومحاصيل الخضر والفواكه، بإتباع أنظمة الري الحديثة في السقي والطاقة الشمسية في تشغيل اغلب مرافق تلك المشاريع، فضلا عن مشاريع تنمية الثروة الحيوانية في البلاد.