الغرافين.. المادة التي ستغيّر وجه العالم

علوم وتكنلوجيا 2024/01/30
...

  جوليا كوليوي
  ترجمة: بهاء سلمان

أول ما يراه زوار مختبر باراغراف، الواقع عند قريَّة سومرشام في مقاطعة كامبريدجشاير، هو قرصٌ رفيعٌ مصنوعٌ من الياقوت الاصطناعي مع قطعة من الغرافين مثبتة عليه. كان هذا أول منتجٍ للغرافين تصنعه الشركة، وسرعان ما تطور إلى رقاقة صغيرة مكونة من 64 جهاز غرافين صغير مرتبة في شبكة. وفي هذه الأيام، تنتج الشركة رقائق بحجم ست بوصات تحتوي على تسعة آلاف شريحة. يستخدم الغرافين، وهو شكلٌ ثنائيُ الأبعاد من الكربون، مع ترتيب ذراته في هيكلٍ سداسي، بشكلٍ أساسي لتقويَّة الخرسانة والدهانات، ولكنْ يتم الترويج له الآن كبديلٍ للسيليكون في أشباه الموصلات، كما بدأت الصين في استخدامه للمضّي قدماً في حروب الرقائق الدقيقة العالميَّة.
تحتاج بريطانيا إلى بذل كل ما في وسعها لتجنّب الخسارة أمام الصين والولايات المتحدة في السباق لاختراق التكنولوجيا، كما يقول "سيمون توماس"، الذي أسَّسَ باراغراف سنة 2017 مع البروفيسور "كولين همفريز" والمدير الفني "إيفور جيني"، الذين عملوا معاً في جامعة كامبريدج، كجامعة منبثقة.

انقلابٌ تصنيعي
يتمُّ استخراج الغرافين، الذي يوصف بأنه "مادة فائقة الجودة"، من الغرافيت، وهو الشكل البلوري للكربون المستخدم في صنع أقلام الرصاص، ويأتي على شكل صفيحة شبكيَّة يبلغ سمكها ذرة واحدة فقط. ويعتقد توماس أنها "ستغيّر العالم بشكلٍ جذري"، وتغيّر الطريقة التي يتمُّ بها تصنيع كل شيء من الهواتف المحمولة وأجهزة الكومبيوتر إلى السيارات الكهربائيَّة والرعاية الصحيَّة والمعدات العسكريَّة.
يمكن ارتداء الهواتف الذكيَّة المصنوعة باستخدام هذه المادة على معصمك، ويمكن لف أقراص الغرافين مثل الصحيفة، وفقاً لجامعة مانشستر، حيث تمُّ إنتاج الغرافين لأول مرة في العام 2004. يقول توماس: "سيغيّر الغرافين وغيره من المواد ثنائيَّة الأبعاد الوضع الراهن لتوفير تقنيات لم نشهدها من قبل، ومستويات أداءٍ لم نشهدها من قبل. وفي الإلكترونيات سيكون له تأثيرٌ كبيرٌ في تقليل استهلاك الطاقة وإيجاد أشباه موصلات أسرع".
وتشمل الاستخدامات المحتملة الحوسبةالكموميَّة، وأجهزة الاستشعار المغناطيسيَّة في جيلٍ جديدٍ من ماسحات التصوير بالرنين المغناطيسي، والتكنولوجيا الاستهلاكيَّة مثل طائرات التوصيل بدون طيار. الغرافين هو إحدى أقوى وأنحف المواد الموجودة على الإطلاق، فهو أصلب بكثير من الفولاذ ولكنه أخف من الورق، وأصلب من الماس ولكنه أكثر مرونة من المطاط؛ كما أنّه فعال للغاية في توصيل الحرارة والكهرباء. وتعدُّ شركة باراغراف من بين الشركات الأولى في العالم التي تنتج كمياتٍ كبيرة من الأجهزة المستخدمة للغرافين، بما في ذلك أجهزة الاستشعار للسيارات الكهربائيَّة.
وفي مختبر سومرشام التابع للشركة، ينتج مفاعلان ما يكفي من الغرافين لصنع 150 ألف جهاز استشعار يومياً. وتستخدم باراغراف المادة بطريقتين: قياس المجالات المغناطيسيَّة، وتحويل الكائنات الحيَّة الدقيقة مثل البكتيريا والفيروسات إلى إشارات كهربائيَّة عن طريق الجمع بين الغرافين وطبقة رطبة من الكيمياء كمستشعر حيوي.

تخصصٌ عالٍ
ألقت باراغراف بثقلها وراء أجهزة الاستشعار الحيويَّة، التي يمكنها اكتشاف الفرق بين الالتهابات الفيروسيَّة والبكتيريَّة لتحديد ما إذا كان الشخص يحتاج إلى المضادات الحيويَّة. ويمكنها أيضاً الكشف عن وجود حالات مثل كوفيد - 19، أو لكتشاف الأمراض المعدية في النباتات أو الحيوانات. ومن أجل توسيع قدرتها في هذا المجال، استحوذت باراغراف قبل عدة أشهر على شركة تنتج أجهزة الاستشعار الحيويَّة، وهي شركة كارديا بيو في سان دييغو. وسيتم تصنيع الأجهزة في موقعٍ جديدٍ على بعد أميالٍ قليلة في هانتينجدون.

سباق محموم
تسعى الصين إلى احتكار سوق الغرافين، حيث يقول "رون ميرتنز"، صاحب موقع Graphene-Info، إنَّ ما يقدر بنحو خمسة آلاف شركة تعمل الآن على منتجات الغرافين هناك. وتستخدم شركة هواوي الصينيَّة الغرافين في هاتفها الصدفي Pocket S، ويقال إنَّ شركة آبل تختبر أفلام الجرافين لجهاز iPhone 16، لتجنب ارتفاع درجة الحرارة. قبل بضعة أشهر، وصل الأمر بالصين إلى إعلانها العزم على إنتاج الرقائق الدقيقة بكميات كبيرة باستخدام الغرافين بدلاً من السيليكون، ما سيؤدي إلى تحوّلٍ كاملٍ بحلول 2025، على الرغم من أنَّ هذا الادعاء قوبل بالتشكيك في الغرب. يشعر توماس بالتحفيز من طموح الدولة الآسيويَّة: "لقد رأوا النور بالفعل. لقد رأوا حقيقة أنَّ هذه المادة ستكون مادة مستقبليَّة كبيرة، وهم ملتزمون بذلك". ومع هذا، فإنَّ العديد من شركات الغرافين تكافح من أجل توليد الإيرادات وجمع الأموال، وقد فشل بعضها. قامت إحدى الشركات المتخصصة الأولى، وهي شركة Applied Graphene Materials في دورٍ مهمٍ، ببيع أعمالها الرئيسة إلى شركة كنديَّة وقامت بإنهاء الباقي. قامت شركة Versarien في جلوسيسترشاير بتقليص حجم فريقها البحثي لخفض التكاليف. في أيار الماضي، أعلنت الحكومة استثماراً بقيمة مليار جنيه استرليني في صناعة أشباه الموصلات في المملكة المتحدة على مدى العقد المقبل، وهو مبلغ خجول تمام إذا ما قورن بمبلغ 52 مليار دولار الذي تنفقه الولايات المتحدة.
صحيفة الغارديان البريطانيَّة