مهرجان المسرح العربي المراهنة على الجمهور في حضن بغداد

منصة 2024/02/12
...

 د.عواطف نعيم  

طوى مهرجان المسرح العربي  في دورته الرابعة عشرة أوراقه، بعد أن امتد عرسه البهي داخل أرض بغداد الحبيبة من الفترة 10 \1 ولغاية 18 \1 من العام الحالي 2024، وسط حفاوة وترحاب بضيوفه واحتضان وتبريك لعروضه، والتي جاءت من أرجاء مختلفة من بلدان الوطن العربي العريق،  تونس، المغرب، الامارات، مصر، الاردن ، سلطنة عمان،  مع اعتذار دولة الكويت عن المشاركة قبل بدء المهرجان بأيام قليلة .

كانت بغداد مستعدة ومنذ زمن لاستقبال مهرجان الهيأة العربية للمسرح، فقد اعتادت اقامة المهرجانات والأنشطة الثقافية والفنية ليس في بغداد وحدها، بل في أغلب المحافظات العراقية، لأن الاهتمام بأبي الفنون المسرح، يعدُّ واحدا من ميزات المجتمع العراقي الذي يعتبر المسرح مدرسة للتثاقف والمعرفة والمتعة البريئة، لذا كان الاحتفاء بهيا والحضور الجماهيري راقيا  ومؤثرا. 

شهد المهرجان حضور عروض عربية متنوعة في اشتغالاتها، وطرق معالجتها لقضايا وهموم كونية ومعاصرة، وكان لفلسطين حضورها في افتتاح المهرجان، وهي القضية الأساسية في المطلب العربي الداعي إلى قيام دولة فلسطينية على أرض فلسطين المحتلة، التي تحتمل صامدة ضراوة ووحشية جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهو يعمل على سلب غزة ارادتها بالقتل والتدمير أمام أنظار العالم الغربي المتحضر. 

مهرجان الهيئة العربية للمسرح ماهو إلا سعي نبيل للشيخ الجليل حاكم الشارقة القاسمي في جمع فناني المسرح العربي في وحدة فنية وثقافية يتذاكرون، من خلالها قضاياهم ويتناولون تأريخهم ويستعرضون واقعهم ويقترحون طرقًا وأساليب لتجديد خطابهم وأنضاج تجربتهم والاعلان عن ابداعهم. هذا التجمع العربي ومدّ جسور العمل والتعاون والمشاركة في بناء وتفعيل حراك مسرحي عربي هو واحد من أهداف ودوافع انطلاق الهيئة العربية للمسرح والتي تنقلت بمهرجانها بين بلدان عربية متنوعة وهي تحمل رسالتها الهادفة والرصينة، لعل أبرز ما ميز هذا المهرجان هو  الحضور الجماهيري، إذ كان من أكثر العلامات الدالة على أهمية المهرجان وحضوره وعلى جدية وحماسة الجمهور المتابع والحريص، وهو يتنقل بين فضاءات المسارح التي احتضنت تلك العروض في أوقاتها المختلفة. ولم يكن غريبا أن يفترش الجمهور المتشوق والعاشق لفن المسرح المدرجات والأرضية، وأن يتابع بعض العروض، وقوفا لأن الجمهور العراقي بمختلف أعماره وثقافته محب ومتذوق للمسرح ليس في هذه الدورة، التي حلت فيها الهيئة العربية للمسرح ضيفا على الأرض العراقية، بل في كل الفعاليات والاحتفالات والانشطة التي تعنى بالفنون والآداب وهي كثيرة ومثمرة ومتنوعة في أرض السواد المباركة. 

ولربما هذا الحضور هو ما جعل لجنة التحكيم تشّيد وتوجه الشكر إلى هذه الجماهير المتابعة والمحيية لما تم تقديمه في المهرجان، وعلى مدى أيامه كانت الندوات الفكرية متواصلة في منهاجها وصباحاتها بحضور مميز ولافت على المستوى العربي والعراقي. 

هذه الندوات هي جزء مهم في التعريف والتقريب بين الاشتغالات المسرحية وتناقضاتها وتناغماتها في الطرق والأساليب والمصطلحات وفي التعامل التكنولوجي والعلمي في تقييم الظاهرة المسرحية، والتي هي ظاهرة حية ومتحركة لا ثبات فيها ولا سكونية في تحولاتها، وكما كانت الندوات حاضرة ومفعلة لذلك الحراك المسرحي كانت المطبوعات والمتابعات لكتب واراء مختصين وأساتذة ومنظّرين لفن المسرح والاداء  تتوزع بين المتطلعين للمعرفة والتواصل والبحث، أيمانا من اللجنة المشرفة والمنظمة لفعاليات المهرجان بضرورة هذا التنوع، لأنه الأثر الذي يبقى بعد أن يطوي المهرجان أوراقه وهي أيضا المرجع والمصدر السليم لكل من سوف يبحث في تأريخ حركة المسرح العربي في المقبل من السنوات، لذا لم تغفل الهيأة عن أهمية البث الحي للعروض وتسجيلها كوثيقة وكمصدر للباحثين والمتابعين، ولعل التجربة في العمل الفني والثقافي لمن هم مشرفون ومخططون لفعاليات الهيأة في دوراتها المختلفة، كان وراء هذا التنوع في وضع المنهاج والتخطيط لحركة المهرجان لخلق حالة من التنوع والثراء في تلك الفعاليات والابتعاد عن التكرار والنسخ أو التقليد. ونحن إذ نبارك للهيئة العربية ولدائرة السينما والمسرح ولنقابة الفنانين نجاح المهرجان، لا بد لنا من وقفة ندوّن فيها بعض الملاحظات التي لا تقلل من أهمية ذلك النجاح وذاك التألق، لذا لنا وقفة أخرى حول مجريات وأحداث كان لنا فيها رأي وتفصيل.. وللحديث تتمة.

 

 كاتبة ومخرجة مسرحية