فسيفساءُ العراق خيرُ دليلٍ على التعايش السلمي منذ القدم
بدور العامري
عرف العراق منذ القدم على أنه خليط من الديانات والطوائف والقوميات، وهو اليوم يتألف من تركيبة سكانية متعددة الأعراق والأديان من مسلمين ومسيحيين وإيزيديين وصابئة وغيرها، اما القوميات فيشمل العرب والكرد والتركمان وغيرهم، ليلتقي كل هؤلاء في العيش على رقعة جغرافية محددة يجمعهم حب الوطن وترابه، على الرغم من كل محاولات الأعداء والمغرضين لتفتيت وحدة هذا البلد.
التعايش السلمي
وبحسب أستاذ علم النفس احمد الذهبي أن مفهوم التعايش السلمي، لا يختلف كثيرا اذا كان تعايشا بين المجتمع الواحد أو بين المجتمعات الأخرى، باعتباره يدلُّ على الأمن والأمان والاطمئنان، اذ عن طريق التعايش يتم التخلص والتعافي من سموم الإرهاب والأيدولوجيات المتطرفة، ويستطيع الافراد أن يسهموا في بناء أوطانهم، انطلاقا من الحكمة التي تقول (الصالحون يبنون انفسهم والمصلحون يبنون الأمم)، لذلك نحن بأمس الحاجة إلى المصلحين من البشر، باختلاف ألوانهم ومعتقداتهم، لأنهم قادرون على المضي بمجتمعاتهم نحو الخير والفضيلة، ولهم دور فاعل في نشر ثقافة التعايش السلمي بين الافراد.
ويبيّن الذهبي ان "لهؤلاء العقلاء والمصلحين أهمية كبيرة، وتزداد قيمة وجودهم كلما تعرض المجتمع إلى هزة أو هجمة داخلية أو خارجية، من شأنها تهديد الامن المجتمعي واستقراره، وبحسب دراسة اكاديمية لإحدى منظمات المجتمع المدني المختصة بشؤون التعايش بين مكونات وطوائف العراق، حيث توصلت إلى أن الحفاظ على التعايش السلمي يتطلب توفر عدة عوامل، أولها احترام حقوق الإنسان وضمان حقوق الجميع دون تمييز على أساس العرق أو الدين أو الجنس أو الطائفة، وتشجيع الحوار والتفاهم بين الأطراف السياسية المختلفة، للتوصل إلى اتفاقات تحقق مصالح الجميع، والعمل على تقوية الحوار الثقافي والديني واهمية خلق الحوار والتفاهم بين مختلف الطوائف والمجتمعات لتعزيز الاحترام المتبادل وفهم الآخر، مع توفر العدالة والشفافية، وأكدت الدراسة ضمان نظام قضائي عادل وشفاف يعامل الجميع بالمساواة ويحاسب من ينتهك حقوق الآخرين، وأكدت الدراسة أيضا تعزيز الوحدة الوطنية، المتمثل بتشجيع الانتماء الوطني والشعور بالانتماء للوطن بغض النظر عن الانتماءات الدينية أو العرقية، بالتوازي مع التنمية الاقتصادية وتوفير فرص العمل وتحسين الظروف المعيشية للجميع للحد من الانقسامات الاجتماعية، وتطوير برامج مكافحة التطرف والعنيف عن طريق تعزيز جهود الجهات المختصة لمحاربة التطرف والتطرف العنيف، من خلال التعليم والتوعية والتشجيع على الفهم والتسامح.
الوعي
ويرى الأكاديمي غزوان الطائي أن "للوعي بمختلف انواعه (السياسي والديني والاجتماعي) دورا أساسيا في ترسيخ التعايش السلمي من عدمه، اذ يتوقف التأثير الفعال للسياسة على التعايش بين الطوائف على الإدارة الحكومية والقرارات السياسية لها وقدرتها على تحقيق العدالة والمساواة بين جميع فئات المجتمع، كما تقوم السياسات التي تدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان على إشاعة مفهوم التسامح بين مختلف الطوائف، في الوقت الذي يمكن للمؤسسة الدينية ان تلعب دورا بناءً في تعزيز التعايش السلمي"، وأوضح الطائي انه "من خلال نشر الوعي والتعليم وتعزيز قيم التسامح والاحترام المتبادل ومحاربة التطرف الديني، الذي تتسبب بعض تفسيراته في نشر الكراهية والعنف، يتم تعزيز الحوار الثقافي والديني بين مختلف الطوائف والمجتمعات تحقيق التعايش السلمي، الذي يتطلب جهودا مستمرة من الحكومة والمجتمع المدني والمؤسسات الدينية والثقافية لتعزيز الوحدة والاحترام المتبادل واحترام حقوق الأقليات"، مشيرا إلى "دور منظمات المجتمع المدني في تنمية وتعزيز تلك الأفكار وتوعية الناس بأهمية التعايش السلمي، وتعزيز الفهم المتبادل والتسامح، من خلال الأنشطة التثقيفية والتوعوية والمساهمة في بناء المجتمع، عن طريق المشاركة في الأنشطة والمبادرات المجتمعية، التي تعزز التضامن والتعاون بين أفراد المجتمع، فضلا عن مقاومة التطرف والعنف من خلال نشر الفهم الصحيح للدين والتواصل مع الآخرين بشكل بناء".
عاداتٌ اجتماعيَّة
للمواطن دورٌ كبيرٌ ومؤثرٌ لا يمكن التقليل من شأنه بعد أن اثبتت الوقائع والمواقف أهمية تلك الجهود في مسألة التعايش السلمي في العراق، من خلال عدة ممارسات وفعاليات يقوم بها الفرد، بهدف الوصول إلى بناء مجتمع متناغم ومترابط، يعزز التعايش والتفاهم المتبادل، (المصاهرة) أحد العادات الاجتماعية المنتشرة في العراق، وعدد من الثقافات العربية الأخرى، اذ تؤدي المصاهرة إلى إقامة علاقة قرابة أو صلة عائلية غير بيولوجية بين عائلتين، عبر زواج أحد افراد العائلة من العائلة الأخرى، وهناك نماذج عديدة تعبّر عن هذا المبدأ، حيث نجد أواصر القرابة متينة بين العربي والكردي نتيجة المصاهرة، أو زواج المسلم من الديانات الأخرى، وكذلك الزواج ما بين الطوائف والمدن والعشائر، الامر الذي أسهم بزيادة وحدة وتماسك تلك المجتمعات نتيجة لقوة أواصر القرابة في ما بينهم، وبحسب الناشطة المدنية بتول الاعرجي، فأن هناك عددا آخر من الممارسات والفعاليات، التي يقودها الفرد لتعزيز التعايش السلمي بين أطيافه ومكوناته، منها التعامل بالاحترام المتبادل بين الأفراد والتسامح مع الآخرين، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو العرقية ومشاركة الآخر في المناسبات الخاصة كالأعياد وحتى الاحزان، حيث يسهم هذا التقارب بدرجة كبيرة في ادامة التعايش بين الطوائف، كذلك الحرص على المشاركة في الحوارات المجتمعية والسياسية للتوصل إلى حلول مشتركة وتعزيز التفاهم بين الأطراف المختلفة، كذلك بذل الجهود في مجال تعزيز الوحدة الوطنية والترويج للانتماء الوطني والشعور بالانتماء للوطن والتعاون مع الآخرين في سبيل مصلحة البلاد.