خطَّاطو بعقوبة.. يصارعون من أجل البقاء

ريبورتاج 2024/02/14
...

 أحمد نجم

لم يتبق في بعقوبة غير أربعة مكاتب للخط العربي التقليدي تعيش جميعها تحديا أمام التقنيات الطباعية الحديثة، تتخذ المكاتب الأربعة مواقع هامشية وبعيداً عن زخم الأسواق ونشاطها، وذلك بحد ذاته مؤشرٌ على اغتراب المهنة وأفولها، أما جمعية الخطاطين التي كانت تضم أكثر من مئة خطاط قبل 2003، فقد أغلقت أبوابها لاحقاً بسبب عدم قدرتها على تأجير مقر لها.

واجهات المحال التجارية والمؤسسات الحكومية تحولت بالكامل الى استخدام التقنيات الطباعية الحديثة بمختلف أنواعها نظراً لسرعة العمل وأحياناً قلة التكاليف وديمومتها، لكن ذلك حول تلك الواجهات الى نسخ تكاد تكون متشابهة وأحياناً فوضوية في اختيار أنواع الخطوط والألوان والخلفيات.

ما الذي يدفع الخطاطين للاستمرار بالتقنيات الكلاسيكية؟، وكيف تمكن بعضهم من التكيف مع التقنيات الحديثة والاندماج معها؟، وكيف ينظرون الى مستقبل مهنة عمرها أكثر من ألف عام لم تواجه مخاطر واضحة كما تواجهها الآن؟.


بقايا الخطاطين

صفاء المفرجي، واحد من أواخر الخطاطين المتبقين في بعقوبة، لم يَدرس الخط أكاديمياً، لكنه دخل المجال مبكراً فقد ابتدأ ولعه وشغفه بالخط منذ الابتدائية وعمل في مكتب للخط العربي منذ أن كان بعمر 15 عاماً قبل أن يفتتح مكتباً خاصاً به.

يقول المفرجي لـ (الصباح)، بأنه لا يزال محافظاً على أصول المهنة ولم يدخل فيها أياً من التقنيات الحديثة رغم أن الأخيرة قد استأثرت بمجالات واسعة مثل الواجهات التجارية والهويات التعريفية والكتابة على الأقمشة، ولم يبق أمامه غير مجالات محدودة جداً مثل الخط على واجهات الجوامع او اللوحات.

ورغم أنها لا تحقق له مردوداً مالياً مرضياً لكنه يقول بأن شغفه وحبه للخط يدفعانه للاستمرار «لا أجد نفسي في أي مجال آخر غير الخط».

في أزقة سوق بعقوبة القديم خطاط آخر مصر على البقاء، رغم استعانته بالطباعة الحديثة في واجهة محله إلا أن تصميم اسم المكتب قد خطه بأنامله، شهاب السعدي تولع بالخط منذ الطفولة أيضا، ودرسه عند والده عمه وكلاهما كان خطاطاً قبل أن يتخصص بدراسة التربية الفنية في كلية التربية.

يتفق السعدي مع المفرجي في قلة المجالات المتبقية أمام الخطاطين، مثل الخط على جدران المدارس والروضات والنشرات المدرسية.

كلٌ من المفرجي والسعدي عوضا عن ضعف الاقبال على الخط العربي بالتقنيات الكلاسيكية بالتمرينات المستمرة لإعداد اللوحات الخطية والمشاركة في مسابقات الخط داخل وخارج العراق وقد نالا عدة جوائز من خلال تلك المشاركات.


التصالح مع التكنولوجيا

لنجيب الربيعي تجربة أخرى مختلفة فقد قرر قبل خمس سنوات إغلاق مكتبه الذي افتتحه عام 1993 نتيجة ضعف المردود المادي، واستثمر خبرته الواسعة في عالم الخط الكلاسيكي في مجال الطباعة الرقمية الحديثة مع الحفاظ على بعض المجالات اليدوية مثل الاختام.

يقول الربيعي، بأن إدارة المطابع الحديثة من قبل خطاطين أمر نادر ولكنه ضروري «فالمصمم في المطبعة إذا لم تكن لديه تجربة سابقة مع الخطوط والألوان لن يكون عمله مكتملاً لأن الخطاط يعرف الحرف المناسب ونوع الخط واللون والارضية وعلاقة ذلك بموضوع الإعلان».

أما أحمد العاني، فقد أخذ اتجاهاً آخر وهو مجال التصميم وصناعة الشعار «اللوغو» مستعيناً بخبرة تمتد لاكثر من ثلاثين عاماً في مجال الخط الكلاسيكي.

يوضح العاني بأن أحوال المهنة بدأت تتدهور منذ عام 2004 مع ظهور الطباعة الحديثة «حيث تساوى العمل التقني المجرد من أي إبداع فني مع فناني الخط العربي عند المتلقي الذي لا يملك ثقافة فنية»، قرر العاني مواكبة التطور ولجأ إلى انشاء صفحة عبر الفيسبوك متخصصة بالتصميم واللوغو ويقول بأن الخطاط عندما يدخل عالم التصميم يستطيع أن يحدث فارقاً كبيراً عن الآخرين «لأنه يصمم برؤية انضج واكاديمية ويستطيع اختيار التكوين والألوان بطريقة أفضل».

يصف العاني علاقته بالخط بالصوفية فالدخول لعالم الخط بالنسبة له «مثل دخول الجنة يشترط فيه تصفية الروح والتخلص من الغل لكي تدخل الحروف لقلب المتلقي ولا تكون مجرد رسم بتقنية عالية».

ينظر الخطاطون بقلق للمستقبل، ليس فقط على تجاربهم الشخصية بل على مستقبل المهنة بشكل عام، فجميع الخطاطين الذين تحدثوا لـ(الصباح)، اجمعوا على دور المدرسة وتجربة الطفولة في ولعهم بهذا الفن وصقل مواهبهم وتنمية قدراتهم، اذا يرى شهاب السعدي بأن اهمال وإلغاء كراسات تعليم الخط العربي من المدارس جعل الأجيال الجديدة لا تعرف شيئاً عن أنواع الخط ولا تستطيع ادراك العناصر الجمالية فيه، بينما يقول نجيب الربيعي «في السابق كان يظهر مع كل دفعة في المدرسة ما لا يقل عن ثلاث خطاطين أما الآن فغالباً لا يوجد أي طالب مميز بالخط ولا حتى المعلم».