واحدة من المشاكل التي تعاني منها العاصمة بغداد ،وسائر مدن العراق تتمثل بانتشار النفايات بنحو يثيرالانتباه، ولا نريد هنا ان نلقي باللائمة على طرف من دون آخر، فالجميع مسؤولون ، وعندما أقول الجميع، اعني الجهات الحكومية المعنية ، ممثلة بأمانة بغداد وبلدياتها المنتشرة في العاصمة، والدوائر البلدية التابعة لوزارة الاعمار والاسكان والبلديات التي تمارس مهامها في عموم المحافظات.
كما ان المواطن هو الآخر يتحمل نسبة عالية من المسؤولية عندما لا يهتم بنظافة الشارع والمحلة ،فيرمي النفايات كيفما اتفق، ثم يأتي ليشتم البلدية ،متهما إياها بالتقصير، وهو لا يعلم ان السماء لا تمطر نفايات !!. إنما تراكمت هذه النفايات بفعل عدم وضعها في أماكنها المخصصة، والشواهد على ذلك اكثر من ان يستطيع احد استعراضها في اسطر.
قطعا ان لكل من طرفي المعادلة (الحكومة والمواطن) أسبابه وتبريراته التي يبرر بها للواقع الذي نحن فيه، المواطن يبرر، بعدم وجود حاويات كافية لكي يضع فيها نفاياته ،مايضطره الى رميها في أي زاوية أو مكان، والبلدية تقول، نحن نعمل بإمكاناتنا المتاحة، ولسنا مقصرين في واجبنا، فملاكاتنا تعمل على مدى ٢٤ ساعة، بآليات متهالكة وامكانات لا تنسجم مع التوسع الكبير والزيادات السكانية التي يشهدها العراق بنحو عام، وتخصيصاتنا السنوية ، لا تسد الا نسبة قليلة من الحاجة الحقيقة لتغطية نفقات التنظيف، ومن الطبيعي وإزاء هكذا مبررات وأسباب ، ستكون النتيجة هي هذا المشهد الذي نراه ، لاسيما في المناطق الشعبية.
ولعل الخطوة الأخيرة المتمثلة بالتعاقد بين المواطنين وشركات من القطاع الخاص مقابل اجرة شهرية مقدارها عشرة آلاف دينار ،أسهمت في حل جانب من المشكلة، ولكن في نهاية المطاف تبقى المشكلة قائمة، بل وتتفاقم ، مع ازدياد كميات النفايات التي وصلت الى ٩ آلاف طن يوميا في بغداد وحدها، مع قلة المكابس وبعد مركز الطمر الصحي الوحيد في منطقة النباعي بمسافة تزيد على٧٠ كم من العاصمة .
إذن ، ما الحل ؟ هل نبقى نراقب المشكلة تتفاقم وبما تحمله من مخاطر صحية وبيئية ؟ أم نبحث عن حلول ناجعة ،تقينا خطر التلوث وسواه من التداعيات الخطيرة ؟ .. وهل ثمة حلول ممكنة ، ولم يتم اعتمادها من المعنيين ؟ .. هل هناك إمكانية لزيادة حجم التخصيصات المالية ، لشراء آليات جديد وتشغيل أيدٍ عاملة في مجال التنظيف؟.
قد يبدو هذا الأمر ليس سهلا ، في ظل محدودية الإيرادات ، وان كانت لدى البلديات مصادر تمويل جيدة لو احسنوا استثمارها ، ومن نافذة الاستثمار هذه ، على وجه التحديد ،ندخل الى فضاء الحل الأمثل لمشكلة النفايات ، كما هو عليه الحال في اغلب دول العالم ،واعني هنا ، الاستثمار في النفايات ، من خلال مايعرف بعملية التدوير.
واضح جدا، ان الكميات الهائلة من النفايات التي تخلفها المدن العراقية، وفي مقدمتها العاصمة بغداد، تمثل عامل جذب واغراء للكثير من المستثمرين في العالم، ومن المؤكد ان مثل هؤلاء المستثمرين ، لديهم من الوسائل والأساليب التي يمكنهم من خلالها تشجيع المواطن على التفاعل الإيجابي مع المهمة، ربما من بين تلك الأساليب، شراء النفايات بحسب وزنها ونوعها، وغير ذلك ، وهنا يمكن للمركز الوطني لإدارة النفايات الذي شُكل في مرحلة سابقة ،وبالتعاون مع امانة بغداد ووزارة البلديات، الشروع بالإجراءات المتمثلة، بإعداد دراسة الجدوى والإعلان والإحالة والتعاقد.
فلو مضينا في هذا الإجراء سنرى شوارع العاصمة تلمع ، ايما لمعان ، ولن يكون
المواطن بعدها مضطرا ليرمي نفاياته في الهواء الطلق،وفضلا عن هذا وذاك، فان الاستثمار في النفايات سيوفر لنا ايرادات جيدة ، يمكن استثمارها في مفاصل اخرى .. أليس
كذلك ؟.