قلعة القصير الأثريَّة تشكو الإهمال

ريبورتاج 2024/02/19
...

 نافع الناجي

تقع قلعة القصير الأثرية الواقعة في وادي القصير، على مبعدة 143 كم إلى الجنوب الشرقي من مدينة السماوة ونحو40 كم إلى الشمال الشرقي من ناحية بصية في قلب البادية الجنوبية.

والقلعة هي عبارة عن حصن بُني من مادة الطابوق الطيني (المفخور) والمرصوف بمادة الجص والقار على مساحة 4122 متراً مربعاً، ويتألف الحصن من جدران عالية تتراوح ارتفاعاتها ما بين 6 أمتار و12 متراً، وبنيت في زواياها المتناظرة أبراج أسطوانية الشكل، تستخدم للمراقبة وحماية الجدران، وكانت القلعة تستخدم كقاعدة لصد هجمات الأمراء والولاة المتصارعين في العهد العباسي الثاني 334 هجرية الى 656 هجرية.

مصدّ للهجمات
هذه الجدران الصلدة والمرتفعة منذ مئات من السنين، تنتصب وسط صحراء شاسعة مترامية الأطراف، تخفي وتكتنز بالكثير من القصص الغامضة التي ربما لم يسمع بها أحد، فيما سرقت كنوزها ولقاها الأثرية طيلة حقبٍ زمنيةٍ متنوعة.
وما بين تسميتها بالحصن أو القلعة أو الحامية، مرّ بها الكثير من الرحّالة وكتب عنها مستشرقون وآثاريون، ويعتقد أنها أستخدمت لصد هجمات عدة عبر التاريخ ضمن رقعة تتوسط المدن القديمة الرئيسية الثلاث: البصرة، الكوفة والشام.
الباحث الأكاديمي الدكتور متعب خلف الريشاوي، يقول "هذا القصر يعد من المسالح الساسانية، عندما كانت الدولة الساسانية تضم العراق وأجزاء كبيرة من المنطقة العربية، وقد بُني كمسلحة للدفاع عن الأراضي الساسانية من هجمات العرب في البادية".
وأضاف "هذا القصر مربع الشكل تتخلله سبعة أبراج، أربعة منها في كل ركن، وثلاثة أبراج أخرى في كل جانب، الجانب الغربي والشرقي والجانب الجنوبي، أما الجانب الشمالي فهناك مدخل بارتفاع خمسة أمتار وعرض ثلاثة أمتار، وهو مبني بالآجر أي الطابوق (المفخور) ومادة الجص".

تخريب الآثار
أحمد حمدان الجشعمي الباحث في شؤون البادية، يقول "طيلة أعوامٍ طويلة، تعرض الموقع الأثري المهم للتخريب من قبل الباحثين عن الآثار والمهربين، فيما تهدمت أجزاء مهمة من جدرانه، وقد شهدت المنطقة المحيطة بالقلعة الأثرية عمليات نبشٍ واسعة بحثاً عن لقى تاريخية تعود للعصر الهجري الوسيط".
وحول القبور الملحقة بالقصر، يشير الجشعمي الى، أن "هذه القبور تعود أما للوهابيين الذين قتلوا في الربع الأول من القرن العشرين في معاركهم مع قبائل الظفير، أو الى الناس المارين بهذا المكان أو القاطنين قريباً منه، وشواهد القبور هنا هي عبارة عن كومة أحجار على كل قبرٍ، دلالة أن هذا المكان فيه قبر لإنسان قتل أو مات في هذه المنطقة".

معلم سياحي
من الممكن جداً أن يتحول الحصن أو القلعة الى معلمٍ سياحي مميز، في حال إنجاز إعادة التأهيل والكشف والحماية لمرفقاته، ليكون المعلم الأكثر جذباً للدارسين والسيّاح في البادية الجنوبية، حسبما يقول الباحث والإعلامي عدنان سمير دهيرب، الذي أضاف قائلاً: "تشير المعلومات إلى أن العام 1966 شهد اكتشاف آثارٍ تعود إلى العصر الحجري القديم في منطقة على بعد 2 كم جنوب غربي قلعة القصير، ويعتقد أن هذه المناطق التي تضم مقابر قديمة قد تعرضت إلى عمليات نهب منظمة حصلت خلال الفترة المحصورة بين العام 1966 وحتى العام 2001 من قبل مهربي الآثار".

مناشدات
وناشد مواطنون من محافظة المثنى، يتخذون من البادية الجنوبية سكناً لهم، الجهات الحكومية بالعمل على إيقاف عمليات السرقة والتدمير التي تتعرض لها قلعة القصير الأثرية والتي تعود إلى العصر العباسي الثاني.
فيما دعا عدنان رحمن وهو من صيادي الصقور وعضو بفرع جمعية الصيادين ومربي الصقور في المحافظة، الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية المهتمة بالآثار إلى ضرورة العمل المشترك من أجل حماية قلعة القصير من التدمير، واتخاذها مرفقا سياحيا هو عبارة عن استراحة في وسط الصحراء خاصة وإن المنطقة (وادي القصير) تستقبل الصيادين العراقيين وكانت فيما مضى تستقبل القادمين من دول الخليج، فيما تمثل المناطق المحيطة بها مناطق رعي غزيرة يستوطنها البدو الرحّل.    
وبسبب تضاريسها المتباينة ووديانها وتلولها، يعد السماويون هذه المنطقة المتنفس الوحيد لأهالي المثنى لتغيير روتينهم اليومي، وقضاء العطلات في أحضان الطبيعة وهوائها النقي لوجود (الفيضات) الخضراء الواسعة ولا سيما في فصل الربيع.

نهب قطع آثارية
وسبق أن أكتشف فريق بحثي في العام 2010 وجود أجزاء قد نهبت او اقتطعت بمقاسات متر في 75 سم، من جدران القلعة الأربع جرى رفعها وسرقتها، حيث أكد الصياد عدنان رحمن، أن "الأجزاء رفعت وحملت إلى جهة مجهولة"، مضيفاً "أعتقد أن على هذه الأجزاء كتبت معلومات تاريخية مهمة تحكي قصة هذه القلعة وتفاصيل غنية عنها".
وتعرضت الآثار العراقية طوال ثلاثة عقود إلى حملة سرقة واسعة يعتقد أنها أسفرت عن تهريب الآلاف من القطع الآثارية، التي تحكي قصة الإنسانية التي انطلقت من وادي الرافدين، ويتوزع في محافظة المثنى أكثر من مئتي موقع اثري، ما يزال العديد منها بحاجة إلى الحماية من عمليات السلب والنهب.