جبريل فابوري كروما: أزمة الهويَّة حقيقة خطيرة

منصة 2024/02/20
...

 حاوره: حسن جوان

مقيم في لندن، كاتب ومترجم من أصول أفريقيَّة ويتقن العربيَّة ولغات عديدة، مهتمٌّ بالقضايا الإنسانيَّة الكبرى، أصدر ترجمته لرواية "بطاقة الهويَّة" مؤخراً، حازت على اهتمام واسع. تواصلنا معه فكان هذا الحوار الخاص 

بـ {الصباح}

*ما هو الأفق الذي دعاك الى اختيار ترجمة كتاب يتعلق بفكرة الهوية؟

- إنَّه كتاب يتعلق بفكرة الهوية ليكون انطلاقاً جديداً لبناء الجسر بين العالمين الأفريقي والعربي اللذين بينهما قواسم مشتركة لا يعرف الأول عن الأخير شيئاً والعكس، لأنَّ صورة القارة السمراء في ذاكرة الإنسان المعاصر مقترنة بالكثير من الرضوض والكدمات، بفعل الظروف القاسية التي مرَّ بها الإنسان الأفريقي في القرون الماضية.

أمّا في أيامنا هذه فيستدعي مجرد ذكر أفريقيا رأساً في أذهان الناس مشاهد غير مريحة من دوامات فقر وظلم ومجاعة وحروب أهليَّة ونزاعات طائفيَّة وتمزّق وتضعضع للهوية الثقافيَّة والتاريخيَّة وإنَّها صورة إعلاميَّة عن أفريقيا.

ولأنَّ هذه الرواية "بطاقة الهوية" تمسُّ الأماكن الحسَّاسة في الحياة مثل الهويَّة التي أصبحت في عصرنا الحاضر سلعة رخيصة وزهيدة، وكون قضية الهويَّة لا مفر منها، إذ لا تخصُّ إنساناً من دون آخر.


* كيف عانى بطل رواية بطاقة الهويَّة ليس كزعيم فقط، وإنما كمترجم أفريقي عاش آباؤه ذات المأزق الوجودي؟

- بطل الرواية هو الأمير ميلدومان، هو أمير قبيلة "أغني" ، الذي تمَّ اعتقاله وتقييده وإهانته وانتهاك كرامته أمام أسرته وشعبه، من دون إبلاغه عن سبب اعتقاله، وسجن، وذاق صنوف التعذيب، وليعيش في أسوأ الظروف، فَعَمِيَتْ عيناهُ بسبب سوء المعاملة؛ سيتعلّم لاحقاً أنَّ سرَّ توقيفه وإهانته وتعذيب راجعٌ إلى عدم وجود بطاقة هويته في حوزته، لماذا أتبعك ياحضرة القائد، هل من ذنب اقترفته؟

أنا مزارع، أزرع أرضي، ولا أظلم أحداً..

يجيب القائد الفرنسي الكولونيالي "أرضك! أرضك! دعني أضحك ضِحكة السخرية، من منحك أيَّاها" 

أجابَ الأميرُ "إنَّها أرض أسلافي مؤسسي المملكة، مملكة بيتيه، لذا أعمل عليها بكلِّ شجاعة وحب وصدق".

على سبيل المثال عبر الأمير الضرير في يوم الأحد عن مناظر مملكة بيتيه الخلّابة وانتاجاتها الفنيَّة التي تشكّل عمق هويتهم الفكريَّة الثقافيَّة، إذ وصل به البحث عن بطاقة هويته إلى ورشة الفنان الشيخ آباد جينان، سمح له العُمال بلمس أعمالهم الفنيَّة، وكان يردد مدهوشاً: ما هي هذه الأعمال الفنيَّة؟ يا لها من روعة.

هناك الكثير من الأعمال الرائعة في روح شعبه العميقة، كم عدد الفنانين المجهولين وكم عدد العباقرة الصامتين، بلا أسماء، ولا عيون، وبلا أب أو أم ولا بطاقة هويَّة.

"إنَّ الفنانين المجهولين المشبعين يسهمون بعمق هذه الثقافة الشعبيَّة الرائعة بإيماءات واضحة، بطريقتهم الخاصة في حلِّ الألغاز والكلمات المتقاطعة لكشف وجه أفريقيا المجزأ العظيم".

بالاختصار الشديد، إنَّ الدوافع الدفينة وراء بحثه عن الهويَّة هو إنكار السلطة الكولونيالية أو تهميشها لثقافة الراوي وهويته، وافتخار الرواي بقيمه الأفريقيَّة وحضارتها وثقافتها.


* نحن نتفق أن مأزق الهويَّة هو أكثر ما يزاحم الذات الوطنيَّة في زمن العولمة والتطبيع والرفض. كيف من وجهة نظرك للأوطان أن تتحصَّن ضد موجة استلاب الهويَّة؟

- كما قلتُ آنفاً هو موضوعٌ تنازعت فيه الدول قبل الأقلام والصحف والألسن، بعد الحرب العالمية الثانية بزغت نجوم قوتين مهيمنتين على الساحة الدوليَّة، كانتا الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية، لم تكن هاتان الدولتان كيانين سياسيين فحسب، بل كانتا كيانين ثقافيين، كان الأول (الاتحاد السوفياتي) يحمل هوية شيوعيَّة، والأخيرة اعتمدت الليبرالية هويَّة لها، فحاول الكيانان إقناع شعوب العالم باعتماد هويتهما السياسيَّة والأدبيَّة والاقتصاديَّة، وتغنّى كلاهما بليلاهُ، لأنَّ أسلوبه هو الأمثل في السياسة والاقتصاد والأمن لجميع الشعوب التي تبتعدُ عنهما بآلاف الكيلو مترات، فقد أدخلا العالم في غيبوبة ثقافيَّة دامت أربعة عقود أو أكثر، وأنفقا النفيس والرخيص لأجل الدفاع عن هويتهما التي تريدان فرضها على العالم مهما كلف الأمر.

وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي في بداية التسعينيات، كتب الكاتب الأميركي فرنسيس فوكوياما كتابه الشهير "نهاية التاريخ والإنسان" الذي يعبر فيه عن نهاية صراع القوى العظمى الحضاري إذ سقط الاتحاد السوفياتي وبقيت الحضارة الغربيَّة التي ستهيمن على العالم، ولكن الكاتب تراجع عن افتراضاته أثناء حرب أمريكا على العراق، ومبيّناً  أنَّ افترضاته عن هيمنة الهويَّة الغربيَّة المتمثلة في الديمقراطية والرأسمالية وحقوق الإنسان والحرب ضد الإرهاب هراء، لم تكن واقعيَّة، بل مثاليَّة، لأنّه تخمّن مستقبل الحضارة الغربيَّة في العالم.  

وبعد عقد من الزمان، ألَّفَ كتابٌ آخر سماهُ مؤلفه صموئيل هنتنغتون بـ "صراع الحضارات، وإعادة  تشكيل النظام العالمي"، يوحي هذا الكاتب أنَّ هويَّة الشعوب الثقافيَّة والدينيَّة هي  مصدر رئيس  للحروب بعد  الحرب الباردة، إذ لن تُشن الحرب بين دولتين فحسب، بل بين ثقافتين. 

ولذا قام نعوم  تشومسكي بانتقاد مفهوم صموئيل هنتنغتون "صراع الحضارات" بأنّه يمهّد الطريق للولايات المتحدة الأمريكية لاقتراف جرائم بشعة مخططة بعد الحرب الباردة لأنَّ الاتحاد السوفياتي غير موجود.

 يجب على جميع الدول والأمم أن تتمسّك بهويتها، وتثق بلغاتها وحضاراتها وتاريخها المجيد الذي ورثته عن الأجداد، وتعتز بشعوبها وتحولها إلى قوة فعّالة ناجحة ومنتجة ومؤثرة، في عصر [عصر العولمة والتطبيع] أصبحت أزمة الهوية الحقيقة أخطر من الأزمة السياسيَّة والاقتصاديَّة والبحث عنها من أقدس البحوث وأسمى الغايات، أصبح التمسّك بالهويَّة بمثابة القبض على الجمرة كما قال صموئيل هنتنغتون "قد تؤدي الاختلافات بين الحضارات إلى صراعات طويلة وأشد عنفاً"، جازماً بأنَّ "العالم سيصبح قرية صغيرة"، وعليه يجب أن يكون سكّان هذه القرية الصغيرة على ملة واحدة، هذا المفهوم مختلف عن سنن الحياة "ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة".


* لديك تجربة استثنائيَّة في دراسة اللغة العربيَّة، ما هي أهداف هذا الطموح، وبماذا خرجت عن هذه التجربة؟.

- صحيحٌ، هناك في أفريقيا مئات الآلاف ممن لهم تجربة استثنائيَّة في دراسة اللغة العربيَّة وكرّسوا حياتهم لدراسة هذه اللغة الجميلة وخدمتها في جميع زوايا أفريقيا من غينيا إلى تنزانيا، ومن السنغال إلى الصومال، ومن النيجير إلى نيجيريا لمئات السنين جيلاً بعد جيل. 

على سبيل المثال نيجيريا وتشاد وشمال الكاميرون، إذا كلمت أي شخص في هذه المنطقة فقد يكون صعباً أو من شبه المستحيل ألا يردّ عليك باللغة العربيَّة الفصيحة كأنَّك على شارع المتنبّي في بغداد، في قطر والسعوديَّة. 

كان هدفي الأُول - كغيري من الشباب الأفريقيين – من تعلّم اللغة العربيَّة هو فهم الدين الإسلامي فهماً جيداً، بفقهه وأصوله وأحاديثه الصحيحة، ولكن هذه المرحلة تغيّرت لدى الجيل الناشئ قليلاً- إذ كانت الأهداف الأولى متجذرة في قلوبهم، ففي تعلّمها فوائد وغرائب أخرى، وأنا أنتمي إلى الجيل الناشئ، أما أهدافي الحالية فكما قلت سابقاً تتلخص ببناء الجسور بين الأمم وهدم الحواجز والجدران بين الأمم، مثلاً بين العرب وأفريقيا ، ولا شكَّ في أنَّ القارئ العربي بحاجة إلى التعرّف على الأدب العربي وقوة اللغة العربيَّة في جميع الدول غير العربيَّة، لكي تعتز الأمة الإسلاميَّة والعربيَّة بعظمتها ووزنها في العالم. 

وإخراج هذا التراث العربي الأفريقي في طور التهميش بسبب طغيان الثقافة الغربيَّة عليها، وسد هذه الثغرة هو أحد أهدافي.

والتجربة التي خرجت بها، هي أنَّ اللغة قد تتحول إلى أداة سياسيَّة ودبلوماسيَّة ورياضيَّة واقتصاديَّة وغيرها، على غرار المنظمة العالميّة الفرنكوفونيّة للدول الناطقة بالفرنسية أو تتبناها  أو تحبها مثل دولة ألبانيا، وعلى غرار كومونولث الإنجليزية التي تشمل جميع الدول الأنجليزية إلا أميركا، والمنطقة الليزوفونية للدول البرتغالية، لا يشترط انضمام هذه الدول إلى تلك المنظمات بأن تكون مجيدة لغاتها الرسميَّة، كانضمام الغابون الأفريقية الفرنسية إلى الكومونولث الإنجليزية.

لنأخذ نيجيريا أنموذجاً، إنَّ نسبة ناطقي اللغة العربيَّة فيها تتجاوز نسبة ناطقيها لبعض الدول العربيَّة الأصيلة، وعليه يجب توسيع دائرة عضويَّة الجامعة العربيَّة إلى الدول الغير عربيَّة التي ينطق معظم سكّانها بالعربيَّة، لأنَّ العربيَّة ليست لغة الأُم بل هي لغة الأُمة والحضارة والثقافة، وفي الوقت ذاته هي أداة الهيمنة والقوة.

 قال أنطونيو دي نيبريجا، أسقف أفيلا، في مقدمة كتاب القواعد القشتالية "لقد كانت اللغة دائماً الأداة القويَّة للإمبراطورية".


*دخل الإسلام إلى كثير من البلدان عنوة، بدافع فتوحات أو أي نوع من القسريَّة الدينيَّة، لكنَّه دخل بطريقة هادئة إلى أفريقيا وبعض دول أقصى آسيا ربما.

كيف تلقى الأفارقة الإسلام بطريقة مهادنة ذهنيَّاً واستقرَّ هناك من دون عنف؟

- كان الذهب عامل  الجذب الكبير الذي جذب تجار البحر المتوسط إلى الساحل مثل أوغست وغانا.

يتضح من الملاحظات التي قدمها المؤلفون العرب بأنَّ المسلمين من مصر وأفريقيا والمغرب كانوا يذهبون إلى الأسواق في السودان بحلول نهاية القرن السابع الميلادي، كان مجرد استمرار لممارسة العملية التجارية أيّام ما قبل الإسلام.

استقرَّ معظمهم في مراكز السوق كوكلاء محليين.

على الرغم من أنَّ هؤلاء التجار لم يهتموا بالدعوة كثيراً، ورغم ذلك فقد أسهموا طيلة قرون طويلة في نشر الإسلام ضمن عملية بطيئة، لم يُخطَّط لها مثل الفتوحات الأولى.


  * هل تعتقد أن الرواية والأدب الترجمي قادران أن يمررا رسالة ثقافيَّة، بمعنى هل أصبحت الرواية وسيلة ناجحة لمناقشة المشكلات الإنسانيَّة وقضايا الشعوب؟

   - إنَّ الأدب المترجم إحدى الوسائل الناجعة لمناقشة المشكلات الإنسانيَّة وقضايا الشعوب، لأنّه يمهّد الطريق إلى قبول الآخر الذي ينتمي إلى ثقافتك وحضارتك، إنَّ هذا الآخر هو إنسان مثلك بغض النظر عن عرقه وجنسه ودينه وموطنه ولغته وجنسيته.

ويشهد القرآن أنَّ سرَّ تقسيم الإنسان الجغرافي والعرقي والجنسي هو تعارف فقط، إنَّ فلاناً عراقيٌّ والآخر غينيٌّ، كلاهما إنسان قبل كونهما عراقيَّاً أو غينيَّاً وإن اختلفت ثقاقاتهما ولغتهما، فهما ينتميان إلى الحضارة الإنسانيَّة الواحدة. 


* ما هو واقع حركة الترجمة في أفريقيا، ولماذا لا نتلقى أدباً أفريقيَّاً إلا بعد ترجمته عبر لغة وسيطة؟

-إنَّ واقع حركة الترجمة في أفريقيا في طور النمو، لأنَّ الجيل الجديد الناشئ مختلف عن الجيل القديم؛ لأنَّ سرَّ تعلّمهم اللغة فهم القرآن الكريم والأحاديث النبويَّة وأحكام الشريعة الإسلاميَّة، وأما هذا الجيل الجيد الناشئ فسرّهم في تعلّم اللغة العربيّة مختلف، فهم يتقنون العربيَّة والفرنسيَّة والانجليزيَّة والبرتغاليَّة وغيرها، وتؤدي هذه الخلفيَّة التعليميَّة للترجمة مثل "ملحمة سونجاتا" لصاحبه جبريل تَمسير نيان التي ترجمها الدكتور كابا عمران الغيني من الفرنسيَّة إلى العربيَّة، ورواية "المغامرة الغامضة" للأديب السنغالي الكبير شيخ حامد كان، ترجمها من الفرنسيَّة إلى العربيَّة الأستاذ سعيد باه ووطفي هاشم حمادي، ومعجم مصطلحات أصول الفقه عربي - إنجليزي لمعالي الدكتور قطب مصطفى سانو، وغيرها. 

وأما الجزء الأخير من السؤال، فهذا صحيح من جهة لأنَّ معظم الأعمال الأدبيَّة الإفريقيَّة مكتوبة بالفرنسيّة والبرتغاليّة والاسبانيّة والأنجليزيّة كالروايات التي ذكرت بعضها آنفاً، ولكن من جهة أخرى، هناك مئات من الأعمال الأدبيّة الأفريقيّة المكتوبة بالأيادي الأفريقيّة باللغة العربيَّة من شعر ونثر، إلا أنّها لم تحظ بعناية الباحثين والأكاديميين مثل ما حَظِيَ بها الأدب الأفريقي المنشور باللغات الأوروبيَّة. 


* ما هو مشروعك الثقافي المقبل، وهل لديك منهج أو قضية في خريطة عملك؟.

- المشروع القريب المدى، أن أمتن الروابط بين الشعوب العربيَّة والشعوب الأفريقيَّة من خلال كتاباتي وتأليفاتي وترجماتي، ومشاركاتي الإعلاميَّة في اللغة العربيَّة والإنجليزيَّة والفرنسيَّة ولغتي الأم "انكوأو ماندنكي" .   

والمشروع البعيدة المدى، وأكثرها أهمية هما؛ إنشاء مجلة شهريَّة وجريدة يوميَّة ناطقة باللغة العربيَّة، وكذلك تأسيس المعهد الأفريقي والدرسات الشرقيَّة في بلدي غينيا، لدراسة العالمين العربي والأفريقي أدبيَّاً وتاريخيَّاً وسياسيَّاً ودبلوماسيَّاً بمنهج أكاديمي رصين من مرحلة  البكالوريوس والماجستير والدكتوراه.

هذا المشروع الطموح يحتاج إلى أمدٍ من التفكير والتدبير، وإلى نساء ورجال أكفاء، والدعم الفكري والمادي والفني والنفسي، وعليه، أنتهزهذه الفرصة على منصّتكم المحترمة أن أدعو أصحاب النوايا الحسنة أن يمدّوا إلينا يد العون ليس ماديَّاً فقط ، بل أن يمدّوا إلينا يد العون الفكري والنفسي والتشجيعي والأكاديمي والإعلامي وغيره لوضع اللبنة الأولى لهذه المشروع الطموح الذي سيهدم الجدار بين العالم العربي وأفريقيا الأقرب إلى العالم العربي ثقافيَّاً ووجدانيَّاً.


* العالم يعيش مأساة غزة، وما ينجم عن الصراع هذه الأيام، ربما كان لموقف دولة جنوب أفريقيا صراحة مباشرة، ما الذي تنظر إليه كمثقف في هذا الإشكال؟

- أولاً تريد جنوب أفريقيا أن تعيد الكيان الصهيوني إلى رشده، فرسالة جنوب أفريقيا للكيان الصهيوني هي أن من ذاق هذه المعاناة يجب أن يكون متعاطفاً مع معاناة شعوب أخرى، وكان الأحرى بإسرائيل أن تكون في الصف الأول ضد العنف والجرائم ضد العنصريَّة والدفاع عن المظلومين والمستضعفين، فضلاً عن أن تكون الدافعة الحقيقية لعجلة هذه الجرائم والمعاناة الإنسانيَّة التي تعجز الأقلام والألسن عن وصفها.

يقول الكاتب والمؤرخ السنغالي الشهير الراحيل شيخ أنتا ديوب "كان يمكن للمرء أن يظن أن شعباً مثل الإسرائيليين، الذين عانوا من العنصريَّة في العصر الحديث، كان من المعقول أن يتحالفوا مع الأفريقيين، ضحايا العنصريَّة التاريخيين الحقيقيين.

لدهشتي الكبيرة أدركت أن شيئاً أساسيّاً  مفقوداً في العلاقة بين الشعبين الجنوب الأفريقي العنصري والإسرائيلي.

لقد رأينا إسرائيل تختار المعسكر الغربي.

ومع ذلك، كان الشعب الإسرائيلي في الماضي القريب يبرر توقع انحيازه إلى أولئك الذين عانوا مثل الإسرائيليين من ويلات العنصريَّة، إن لم يكن أكثر.

ورسالة جنوب أفريقيا بسيطة جداً نابعة من موقفها الإنساني وتاريخ معاناتها تحت نظام حكم التفريق العرقي والعنصري، تريد جنوب أفريقيا أن توصل رسالة أخرى إلى العالم أن القضية الفلسطينية قضيّة إنسانيَّة أولاً، فلا ينظر إليها العالم من الزاوية الدينيَّة، بين المسلمين واليهود، ولا ينظر إليها ألا أنّها عرقيَّة بين العرب واليهود، أو أنّها جهويَّة بين الشرق والغرب، فجنوب أفريقيا لاتنتمي إلى أيٍّ من المذكورة آنفاً، ولكنّها تنتمي إلى الإنسانيَّة، فلا يجوز للإنسان الحر أن يصمت عن هذه المعاناة الإنسانيَّة مهما هددت القوى العظمى المدافعين عن القضية فهم أصحاب الحق، ومهما زيّن الإعلام صورة الجرائم الإسرائيليّة في ذاكرة الإنسان المعاصر الذي كاد يكون عبداً ذليلاً للإعلام

الغربي. 

وترى جنوب أفريقيا أن السكوت عن مثل هذه الجريمة أكبر من الجرائم الصهيونية الإسرائيلية، وعليه يجب على العالم مناصرة القضية الفلسطينية بكل ما يملك من كلام وكتابة ورسم ولجوء إلى المحاكم 

وغيرها.