من يضمن حريَّة العقول في هذا الزمن المُتسارع؟

منصة 2024/02/22
...

 ضحى عبدالرؤوف المل


بلغت التطورات التقنية السرعة القصوى في مدى قوتها اللامتناهية من التطور "حيث استمرت فكرة العقل البشري باعتباره المجال النهائي للحماية المُطلقة من التسلل الخارجي لعدة قرون"، فالتطور التكنولوجي المُتسارع يُذهل العقول، ويجعلها غير مؤمنة بالاستقلالية أو القدرة على حفظ المعلومات الذاتية حتى بما يخص الأمن الصحي. 

لكن تبقى الأخلاقيات هي التي تحكم القوانين في المُجتمعات من انتهاك سرية العقل التي لا يُمكن التصديق أنّه يمكن اختراق حتى السريّة الفرديّة للإنسان في ما يخص الكشف عن النوايا الإجراميّة عند المُشتبه بهم مثل قصة المرأة الهنديّة في هذا الكتاب البحثي المُحمل بالقضايا التقنية في زمن الذكاء الاصطناعي والتي تم الحكم عليها من خلال الكشف المسبري للدماغ. 

فهل يقرؤون عقولنا ويتحكمون بأدق سلوكياتنا حتى في مسارات اختياراتنا الذاتية؟، وهل سيستطيعون مستقبلا تحديد الطرق التي  نختارها؟، ومن يضمن حرية العقول في هذا الزمن المُتسارع؟.

الكاتبان ندى فاضل الربيعي وعباس الزبيدي في كتابهما الصادر عن دار الرافدين بعنوان "العبوديَّة مقابل الأمن" وتحت عنوان فرعي آخر "تكنولوجيات السيطرة على البشر" حاولا استكشاف الكثير من النقاط الأكثر غرابة في زمن تكنولوجي يفك فيه كل غموض فردي على صعيد المُجتمعات، وكل ما يخص الأمن القومي أو القدرة على التحكم بالفرد. "إذ باتت ترسم ملامح العقد المقبل، بل وتؤسس لنظام اجتماعي جديد تنتفي فيه الحرية الشخصية"، فهل من وعي انساني لكل ما يجري من تقدم تكنولوجي يمكن له التحكم بالعقول؟، وهل اعتمادنا على التقنيات التكنولوجية سيعزلنا عن التفرّد الذاتي إن طرأت الأعطال على الروبوتات الصناعية؟.

وأنت تقرأ هذا الكتاب تُذهلك الأحداث وكأنّك أمام رواية حقيقيّة مذيلة بأحداث حقيقيّة في قرن سيقضي على الوظائف بنسبة لا يمكن تصديقها من حيث ردود الأفعال المسكوت عنها أو المُتفق عليها من الدول الكبرى وموضوع تحالف العيون الخمس في هذا الكتاب ما هو إلا محاولة في فهم الشكل الخماسي رسميّاً إلا أن صندوق سنودن هو الحكاية الكبرى التي تجعلك مندهشاً من نفسك، وهذا ما جعلني أتساءل أين نعيش؟، وهل قصة مدينتين لتشارلز ديكنز تُعيد تحديث نفسها بنفسها عبر الزمن وتبقي شرارة بذرتها الأولى للمؤلف؟، وهل ما يتم اكتشافه الآن من التقنيات ليس بالحديث وإنما كان غير معلن عنه؟، إن كان كذلك هل المخفي أعظم؟، وهل العقل أصبح مفتوحاً كما النوايا التي يتم اكتشافها حتى عند المُجرم قبل الحكم عليه؟.

قد لا يُصدق العقل ما يقرؤه  رغم العديد من الأفلام السينمائية التي تم عرضها وتُقدم رؤية مستقبل للإنسان الذي بات التحكم به آليَّاً من الحاجيات الأساسية للإبقاء على الأمن في الدول الأكثر تقدماً، إذ "كلما تقدم الزمن أصبحت حياتنا كتاباً مفتوحاً للجميع، وبشكل متسارع، سنشارك الكثير من معلوماتنا الشخصية وسوف يقوم الآخرون بذلك أيضاً"، فماذا عن المزايا الفرديّة عند الإنسان وقدرته في مواجهة كل ذلك؟، وهل ستكون العبودية الجديدة في المستقبل هي برمجيات يُحارب الإنسان فيها ما اخترعه؟، وهل سيتم تدمير الشعوب التي ما زالت بعيدة جداً عن هذه البرمجيات المُتحكمة بالعقول الثريَّة منها بما يتواءم مع تكنولوجيات السيطرة على العقول؟، وهل كل الاتفاقيات المتعلقة بحماية هذا جدية وبعيدة عن الصراع من أجل السيطرة على العالم؟.

شعورٌ بالاغتراب ينتابك وأنت تغوص في الفصل الخامس تحت عنوان "الأسلحة في زمن الحرب الرقميَّة" رغم أنّنا شهدنا هذا نوعاً ما في الدراما النتفليكسية إلا أن للحرب السيبرانية نوعاً من التعجب الذي لا ينتهي بل تصل إلى نبوءة أوريل "من يتحكم بالماضي يتحكم بالمستقبل. ومن يتحكم بالحاضر يتحكم بالماضي".

 فالخيال العلمي في الأدب والسينما وحتى الأبحاث أصبحت ملموسة في زماننا هذا وتثير العجب العجاب، ولكن يبقى الإنسان هو سيد عقله مهما تراكمت الأشياء التقنية وبرهنت عن فاعليته في معرفة محتواه أو أهدافه.