الثقة.. معيارٌ للتواصل وديمومة العلاقات

ريبورتاج 2024/02/26
...

  فجر محمد
 يسعى الجميع عند بدء أي علاقة اجتماعية، وعلى وجه الخصوص الصداقة، البحث عن قواسم مشتركة مع الطرف الآخر، والأهم أن تكون هناك جسور ثقة مع ذلك الصديق، وهذا ما كان يبحث عنه لؤي صادق، عندما دخل إلى الجامعة وفي سنواته الاولى، ولكنه لم يجد ما بحث عنه في زملاء الدراسة، ويروي لؤي أحد المواقف، التي سببت له صدمة عميقة، وفقد في إثرها ثقته بالشخص، الذي كان يظن أنه صديقه الأقرب.
ويقول: "كنت اؤدي اختباراً في إحدى المواد الدراسية، وكان صديقي يجلس بجانبي، وفجأة وبلمح البصر سحبت ورقتي واستبدلت بأخرى فارغة، ولكني تمالكت أعصابي واستعدت ورقة الامتحان". إذ حاول هذا الصديق أن يسرق جهد لؤي، على الرغم من ثقته الكاملة به، وحسن ظنه، ولكنه خيَّب أمله في حينها، ولم تعد رفقتهم كما في السابق.

وتؤكد الخبيرة في التواصل الفعال وبناء العلاقات خلود أمير، عبر موقعها على شبكات التواصل الاجتماعي ضرورة اختبار العلاقات والصداقات، وأن يكون الفرد منتبهًا وواعيًّا بشكل كامل لمن يمنح ثقته، ويستمر في التواصل معه لكي تنجح العلاقة.

وتنوه الاكاديمية والمختصة بعلم النفس الدكتورة ناز السندي بضرورة تنشئة الطفل، بطريقة صحيحة تكسبه الثقة بنفسه وبالآخرين، وتعد هذا الامر حجر أساس في بناء الشخصية، وفي الوقت ذاته يجب أن لا يتعلم إعطاء من معه من أصحاب وإقران الثقة المطلقة، بل أن تكون هناك حدود صحيحة، يتم وضعها ويعلمه أياها أبواه من أجل تنشئة متوازنة.


إخلاصٌ ومهنيَّة

"في كل موقف نمر به في حياتنا، تكون الثقة حاضرة في الأذهان"، بهذه العبارات استهلت حديثها شذى ابراهيم، فهي عندما تتوجه الى جامعتها، تتوقع من أساتذتها أن يمنحوها المعلومات، التي ستسفيد منها في دراستها ومستقبلها المهني لاحقا، وتعتقد ابراهيم أن غياب الثقة بين الاستاذ والطالب ساهم بشكل كبير في حدوث مشكلات ومعوقات في النظام التعليمي، وتقول: "في كثير من الأحيان لا يعطي الاستاذ كل ما لديه من معلومات لطلبته، وكأنهم سينافسونه مستقبلا، وعندما يشعر الطالب بهذا الشيء يبدأ تدريجيا بفقدان ثقته بالاستاذ". مشيرة إلى أن هناك الكثير من المواد التي تدرسها في المنهج، لا فائدة لها لاحقا، خصوصا في ظل التطور الحاصل في العلوم والمعارف المختلفة، التي تتطلب من المؤسسات والأفراد، ملاحقتها ومواكبتها بشكل مستمر.

وتتفق معها بالرأي الدكتورة ناز السندي، اذ ترى أن الاستاذ يقع على عاتقه إيصال المادة العلمية بكل أمانة، ما سيكسبه ثقة طلابه بالمادة العلمية التي يمنحهم إياها. 

وفي تصنيف التايمز العالمي الذي نُشر أواخر العام المنصرم، كانت للجامعات العراقية المرتبة 37، وبحسب ممثل مؤسسة التايمز في الشرق الأوسط وأفريقيا نيكولاس ديفز، فإن العراق احتل هذه المرتبة لأول مرة مما يؤشر إلى نوعية التدريس والبحث العلمي، الأمر الذي عدته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي نجاحا في الأنظمة المتبعة في الوقت الحاضر. كما عده المختصون بمثابة مد جسور الثقة من جديد مع المؤسسات البحثية والعلمية في العالم.

وتعتقد التربوية أنعام كاظم أن تنشئة الطالب في فترة الدراسة والجامعة، لها أهمية كبيرة ليس فقط من الناحية العلمية والتعليمية، بل أيضا من خلال بناء علاقة ثقة وتواصل بينه وبين أساتذته، خصوصا الذين يتمتعون بالإخلاص والمهنية في نقل وايصال المادة العلمية.

ترى الأكاديمية الدكتورة ناز السندي أن الثقة التي يتمتع بها الأفراد، مع بعضهم والمؤسسات التي يعملون بها هي معيار حقيقي، لنجاح العمل، فضلا عن وجود الشخص المناسب، الذي يتمتع بثقة ومصداقية زملائه، سيكون عاملا مهما لنجاح تلك المؤسسة.


أفرادٌ ومؤسسات

لا يقتصر مفهوم الثقة على الافراد في ما بينهم، بل هو يشمل شيئا أعمق وأكبر، ألا وهو الصلة بين المواطن والحكومة والمؤسسات والجهات ذات العلاقة، وما زال الكثيرون يعانون من هذا الموضوع، اذ فقدوا تلك الصلة التي تجمعهم بالمؤسسات، ولكن وفي أحدث تقرير نشرته مؤسسة غالوب الاميركية بيَّن أن الحكومة الحالية، تحظى بثقة وتأييد نسبة كبيرة من المواطنين، وذلك ما تقوم به من أعمال وإنجازات بدأ يلمسها المواطن على أرض الواقع، من مشاريع وإعادة تأهيل بنى تحتية، الامر الذي عده المراقبون شيئا ايجابيا، وتغييرا ملحوظا. وفي الوقت ذاته هناك من يحمل الجهات الحكومية، انعدام الثقة التي يعاني منها عدد لا يستهان به من افراد المجتمع، تجاه المؤسسات والشخصيات في الحكومة، فعلى سبيل المثال يلوم احسان صابر ويحمل الدولة تراجع الخدمات والبنى التحتية، اذ يقول: "لم نشاهد أعمارا حقيقيا منذ أعوام طويلة، وفقدنا الأمل في أي تغيير لا سيما في العاصمة بغداد، التي لا يمكن أن يغفل أي فرد عمّا تعانيه من إهمال وانتشار للنفايات، والطرق 

الرديئة".

أما احلام مهدي فلم تفقد الأمر في رؤية التغيير على ارض الواقع، وما زالت تحلم برؤية انجازات حقيقية وفعلية وملموسة في مختلف المجالات.