زهير الجبوري
تعد تجربة التشكيلي العراقي كريم السعدون من التجارب الحاضرة معنا في كل مرحلة من مراحل الفن العراقي وفق ما تفرضه الذائقة الفنية على جميع الفنانين الذين يبحثون في معاصرة العمل في اللوحات.
وقد تابعت تجربته لأكثر من عقدين ونصف العقد مذ كان في بلده الأم العراق، وحتى استقراره في بلاد الغرب، أشعر بأنّه لا يخرج عن إحساسه الكبير في عشقه لأجواء بلده وتواصله في تقديم التجارب التي تسير على خطى أقرانه، فهو فنان من طراز معاصر لما يختار من موضوعات تحمل فكرة تعبيرية مجردة، تأخذ على عاتقها سعة الخيال العميق للأشكال التي يرسمها.
أشكال استلها من واقعه لشخصيات لها حضورها المؤثر في الجانب الثقافي أو الاجتماعي أو السياسي، وهي إلتقاطة حساسة وذكية ، بمعنى إننا حين نشاهد بعض الشخوص التي تحضر أمامنا بمنجزها الابداعي ، ثمّة ما يعطينا دلالات خيالية أوسع، كاشتغاله على شخصية (السياب) بوصفه شاعر قضية.
أعاد تركيبة ملامحه من خلال سلطة انتمائه الشعري، إذ (يرى سعدون أن الميديا الآن هي نوع من أنواع السلطة والتي تحدد شكل الجسد وتعمل على رسم صورة الآخر الجديدة) بحسب محمد الحمامي.
وهنا يبرز السؤال الفني، إلى أي مدى يمكن الوصول لقصدية تشكيلية معرفية في اختيار الفنان لأعماله؟ ربما لأنه يغور بعمق التجربة عبر فكرة فلسفية! لذا نمسك في تجربة الفنان ما يمكن الأشارة اليه وفق ثنائية دقيقة جدا، هي (التقنية الادائية وفكرة المضمون)، الأمر الذي يجعل من مشروعه انتباهة دقيقة، بمعنى إننا إزاء منظور فني/ تشكيلي يحمل فكرا ثقافيا، لتصبح تجربته بكليتها تجربة تفوق آلية المضمون الادائي للعمل التعبيري أو
التجريدي.
ولعل هذا الشيء أعطاه مساحة واسعة في الابتكار، مهما كانت الأدوات التي يعمل عليها كالزيت أو الأكرلك أو أنواع الحبر والتخطيطات وما إلى ذلك.
أزعم أنه جرّب كثيرا المزاوجة بين الألوان البراقة والحارة مع مواد الحبرية المتنوعة، لتذهب أعماله لمنطقة حفرية خاصة، هي بالأحرى منطقة مغروزة بالشفرات الموضوعية التي يختارها من زوايا ثقافية متنوعية.
تسحبنا أعماله إلى رغبة الانصات، كأنها تروي لنا حكاية عبر منظور بَصَري، أو هي تحمل مدلولا لأثر حكائي، فهذه القدرة على رسم شفرة تأخذنا إلى مناطق في التأويل اعتقدها ناتجة من عمق قرآئي ثقافي، وهذه الميزة تتمتع عند العديد من فناني العراق، أي الفنان الذي يحيل تجربته التشكيلية إلى أثر حضاري وثقافي ومعرفي، فأنه يمسك بعالم اللوحة بوصفها نتاجا جماليا وفكريا، لذا كانت اشتغالات كريم السعدون تدور في هذا العالم التشكيليّ، بل وتفرد به عبر أعماله التي تابعناها.
ومن صميم أعمال سعدون، أمسكنا في بعض لوحاته التي قدمها في تجارب متفاوتة في غربته (السويد) أو في أماكن أخرى، إنه استخدم في موضوعته التعبيرية طريقة الكولاج، وهي عادة ما تضاف إلى اللوحة عبر ملصقات ورقية أو جلدية أو أية مادة أخرى، لتعطي شكلا له انتباهة واضحة، وقد بانت من خلال التركيزعلى الوجه الآدمي بطريقة (كارتونية) بارزة.
ولعل ذلك يسحبنا لقراءة هذه الأشكال قراءة تأويلية، لأن الفكرة التي يريدها الفنان عبر توصيل رسالة معينة للآخر، تنطوي على وضع ملامح فيها إشارات المعنى ودلالات التوصيل، وسعدون أمسك بهذه المسألة وتمكن من أن يثير شواهده.
الفنان التشكيلي كريم سعدون، فنان حاضر، ومن خلال تجاربه الفنية في المعارض الشخصية التي أقامها، أو التي شارك فيها في مناسبات عديدة مشتركة، يظهر بتواصل مستمر، وتمكن من أن يذهب بتجربته إلى أماكن واسعة في العالم، سواء في بلدان أوروبا أو في بلدان أخرى في العالم ككل.