سايكولوجيا الجريمة

منصة 2024/02/29
...

ازدادت في الآونة الأخيرة جرائم القتل في شوارع العاصمة بغداد ومدنٍ عراقيَّة أخرى، وجرائم قتلٍ بين أفراد الأسرة الواحدة، تأتي امتداداً لتزايدها قبل سنتين، إذ تشير المصادر الى أنَّه تمَّ في العام 2022 إحصاءُ أكثر من 5300 جريمة قتلٍ جنائيَّة وبنسبة سنويَّة تصل الى أكثر من 11,5 لكل مئة ألف نسمة، وصفها مختصون بأنَّها أعلى نسبة لجرائم القتل في تاريخ العراق، الأمر الذي أثار تساؤلاً مشروعاً: لماذا تحصل هذه الجرائم بهذه الكثرة وهذا التنوع وهذه
البشاعة؟
لقد احتلت ظاهرة (الجريمة) مكانة بارزة في البحث العلمي واهتماماً واسعاً في حقل العلوم الاجتماعيَّة وحظيت باهتمامٍ خاصٍ من علماء النفس والاجتماع الجنائي على مستوى العالم، لكونها تشكل تحدياً كبيراً أمام الحكومات وصناّع القرار، بوصفها عائقاً صعباً بوجه التنمية الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والسياسيَّة والثقافيَّة، وسبباً رئيساً في عدم تحقيق الأمن والسلم المجتمعي.
إنَّ معالجة أيَّة ظاهرة اجتماعيَّة تبدأ أولاً بتشخيص أسبابها، ويتفقُ المختصون (بعلم الجريمة) أنَّ الفقر والبطالة يشكلان السبب والدافع الرئيس لارتكاب الجرائم.
فوفقاً لوزارة التخطيط هناك (13) مليون عراقي دون مستوى خط الفقر، بينما أشار تقرير «World Of Statistics» الى أنَّ العراق “حلّ ثالثاً في العالم بنسبة البطالة التي بلغت 15.55 %، بينما ذكرت وزارة التخطيط العراقيَّة أنَّ نسب البطالة في البلاد تتجاوز ما ذكره التقرير”.

فماذا يعني هذا سايكولوجيا بدافع الجريمة؟
يعني أنَّ الفقير والعاطل عن العمل يشعر بانعدام (العدالة الاجتماعيَّة)،وهذه تجعله يشعر بالحيف، وهذا الشعور يعطيه الحق بأنْ يأخذَ حقَّه بيده، من أيٍ كان، سواء من الذي ظلمه أو من المواطن العادي بأنْ يقتله ويسرق سيارته. وما يزيده حقداً، حين يعرف أنَّه يعيش في أغنى بلدٍ بالمنطقة، فتتجسد فيه مقولة أبي ذر الغفاري (عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه).

شخصيَّة المجرم.. سببٌ أيضاً
يختلف المختصون في البحث عن أسباب الجريمة ودوافعها ما إذا كانت وراثيَّة أو فسيولوجيَّة، إلا أنَّ علماء النفس وجدوا بأنَّ للجريمة أسباباً نفسيَّة بحتة أو أسباباً نفسيَّة رفقة عوامل أخرى مثل عدم الشعور بالأمن، الشعور بالنقص والدونيَّة وعقدة الذنب.
ومن دراستنا الميدانيَّة لمجرمين في سجن أبو غريب، توصلنا الى أنَّهم يتوزعون على أربعة من السلوك الإجرامي:
* الفقر والبطالة والشعور بالمظلوميَّة.
* الانحراف الجنسي وما يتعلق بالشهوات.
* السايكوباثيَّة وكراهيَّة المجتمع باستخدام القوة والعنف والسلوك المؤذي ضد أيٍ كان.
* حب التملك بالاستلاء غير الشرعي على أملاك الدولة والناس.
هذا فضلاً عن المعاملة الأسريَّة السيئة للأبناء والتي تتأرجح بين التدليل الزائد الذي (يطعمه) الأنانيَّة والجشع وتصنع منه مجرماً، والإهمال المفرط الذي يخلق الشخصيَّة السايكوباثيَّة (المعادية للمجتمع)، أو قد يكون لدى المجرم أبٌ مجرم، أو التوجه نحو الشارع ليجد من يعزز لديه ميوله الانتقاميَّة.
وللحد من الجريمة فإنَّ الأمر يتطلب إجراءين:
الأول، خاص بالدولة في معالجة الفقر والبطالة ومكافحة الفساد بشكلٍ جادٍ، والثاني خاصٌّ بعلماء النفس والاجتماع ورجال الدين والإعلام في إشاعة احترام قدسيَّة الحياة التي يدعو لها الدين الإسلامي والقيم العراقيَّة الأصيلة، والتعاون مع أجهزة الدولة الأمنيَّة بما يحقق السلم المجتمعي ويشيع الشعور بالأمن النفسي لدى المواطن، ويبطل مقولة اليائسين بأنَّ (العراق ما تصيرله جاره).