النظام الدولي وفضائحه

قضايا عربية ودولية 2024/02/29
...

علي حسن الفواز

تفاقمُ الوضع المأساوي في غزة يفضح سرديات العدالة الدولية، ويجعل مؤسسات الأمم المتحدة أمام رهانِ توصيف شرعيتها القانونية والأخلاقية، فبقدر ما يتمادى الكيان الصهيوني في جرائمه، وفي تجاوزه على الحياة والأرض، وارتكاب المجازر الجماعية، فإن تلك المؤسسات تقف متفرجة، وعاطلة عن إصدار أيّ موقف يخصّ مبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي، واعتماد خيار مبدأ المحاسبة، وهو جزء من النظام الأساس للعمل الأممي.
الفشل الدولي يعكس وجود قوى أخرى، لها سطوة تعطيل إرادة الأمم المتحدة، ومجلسها الأمني، واخضاع مرجعيات تفسير القانون والإعلان العالمي للحقوق إلى قراءات ايديولوجية، وحساسيات يفرضها منطق القوة الذي تمارسه الولايات المتحدة ودول الغرب الأوروبي، وبما يجعل آليات العمل الدولي محكومة باملاءات تلك القوة ومنظورها لمفاهيم العدالة والحق والقانون والأخلاق والمجتمع الدولي.
ما يحدث في غزة، وما قد يحدث في مناطق أخرى يكشف عن خطورة التحوّل في النظام الدولي، وعن وجود القوى «المارقة» التي تملك سلطة فوقية، ومزاجاً متعالياً، وإرادة محمية بـ» الآباء» الكبار، أو الآباء «الماسونيين» الذين يفرضون فكرة «الاخوية العنصرية» من خلال هيمنة مرجعياتهم الطقوسية والايديولوجية والعصابية، وعلى نحوٍ  يجعل الكيان الصهيوني، ينظر إلى الفلسطيني، وإلى الغزّاوي، وربما إلى العربي بعيون «ميدوزا» كما تقول الاسطورة الاغريقية، حيث تحويل كلّ شيء إلى حجر، فاقداً إحساسه بالوجود والمكان، وأحسب أن فرط التخيّل الصهيوني، جعله يصدّق تهويمات حكاية تلك «الميدوزا» ويعمل على فرض لعبتها على الآخرين.
 هذا الهوس بالسيطرة يجعل النظام الدولي معلولاً ومصاباً بفوبيا «الاسرلة» التي تفرض وجودها على أغلب رؤوس الأموال في البنوك الاميركية، مثلما أن باحثيها يفرضون وجودهم في أغلب وسائل الاعلام ومراكز البحوث، وبالاتجاه الذي يجعلها تصنع «صوراً ذهنية» مقلوبة عن الجرائم في غزة، وعن الدعوات إلى وقف إطلاق نار دائم لعدوانها، وعن تشويه المواقف التي تدعو محكمة العدل الدولية إلى رفض هذا العدوان، وعدّه جريمة ضد الإنسانية، وإبادة جماعية وتطهيراً عرقياً، ومحاسبة جنرالات الحرب المسؤولين عنها.
فشل المجتمع الدولي في اتخاذ أي موقف جاد وحقيقي، وفي تنفيذ جهود «مسؤولية الحماية» كمصطلح إجرائي في سياق عمل الأمم المتحدة يضع علامات استفهام حول أهداف مابعد العدوان، وأن ثمة خيارات أخرى، وربما «عدوانات أخرى» تعمل على فرض خارطة جديدة، لشرق أوسط جديد، وبمواصفات لا تخرج عن لعبة السيطرة والرقابة والاستحواذ.