البدانة.. الخطر المسكوت عنه

ريبورتاج 2024/03/04
...

  احمد نجم

في عيادة طبية متخصصة بمعالجة البدانة وسط بغداد، يجلس مازن عبد الرحيم (38 عاما) بوزن تجاوز 123 كغم، متسببا بضغط هائل على الكرسي المعدني في العيادة، والذي يبدو أنه تم اختياره بعناية ليتناسب مع الأوزان الثقيلة لمراجعي العيادة، مازن والعشرات مثله من كلا الجنسين ينتظرون دورهم لإجراء المقابلة مع الطبيب المختص، ويملؤهم الامل بالتخلص من عشرات الكيلوغرامات، التي تراكمت على أجسادهم لسنوات نتيجة العادات الغذائية الخاطئة.

رغم ما تسببه السمنة والبدانة من أمراض مزمنة وخطرة تتصدر قائمة الامراض المسببة للوفيات في العالم ومنه العراق، إلا أنها لا تلقى اهتماما يوازي خطورتها، ولا يلتفت اليها الكثيرون إلا بعد أن تعبث السمنة بصحة أجسادهم، وهذا ما حصل مع حالة مازن، فقد اكتشف قبل أشهر مشكلات صحية مرتبطة بالقلب وضيق الشرايين، بالإضافة لمعاناته من السكري والمفاصل.

13 مليون بدين
تقول منظمة الصحة العالمية أن اكثر من 30% من العراقيين يعانون من السمنة، وهذا يعني وجود نحو 13 مليون عراقي يعاني من هذه المشكلة، وهو رقم مرتفع جدا جعل العراق في المرتبة الخامسة والخمسين في قائمة البلدان الاكثر بدانة، إذ يشير تقرير الاتحاد العالمي للسمنة العام الماضي الى وجود 2.6 مليار شخص بدين في العالم ويتوقع التقرير الى وصول العدد الى 4 مليارات شخص بحلول عام 2035.
وتقاس السمنة علميا بواسطة ما يعرف مؤشر كتلة الجسم (BMI) من خلال تقسيم وزن الشخص بالكيلوغرام على مربع طوله بالمتر، ويستعمل كمقياس لتحديد ارتفاع دهون الجسم، وأداة لتقسيم الأوزان إلى فئات ترتبط مع زيادتها بتطور مشكلات صحية معينة مرتبطة بالسمنة، وفيما لو تبين أن ناتج هذا المؤشر يزيد عن 30 درجة يصنف الشخص ضمن فئة السمنة المعتدلة، فيما يصنف ضمن فئة السمنة المفرطة في حالة تجاوز المؤشر 40 درجة.

سببان أساسيان
يعيد الدكتور ضياء المشهداني المختص بأمراض الجهاز الهضمي أسباب السمنة الى سببين أساسيين، الأول يتعلق بالنظام الغذائي في العراق، وخاصة الاغذية الصناعية والحلويات والمعجنات والاكلات السريعة ذات السعرات الحرارية العالية، اما السبب الثاني هو عدم ممارسة الرياضة او النشاطات البدنية اليومية، لحرق تلك السعرات الحرارية الفائضة عن حاجة الجسم، ويشير إلى ان "عدم تحقيق التكافؤ بين كمية السعرات الحرارية وآلية حرقها، يؤدي الى زيادة في نسبتها وتتحول تدريجيا إلى وزن اضافي"، وبالاضافة لذلك فهنالك سببان إضافيان قد يؤديان للسمنة، هما بعض الامراض العضوية المرتبط بخمول الغدة الدرقية أو زيادة بعض الهرمونات أو تعاطي بعض الادوية.
يقول المشهداني لـ(الصباح)، إن "الانفتاح الثقافي الذي حصل بعد 2003 تسبب بتغير العادات الغذائية، ودخلت الكثير من الاطعمة المستوردة، وانتشرت المطاعم بشكل واسع جدا، وخاصة الوجبات السريعة، اضافة الى الإعلام الغذائي والتسويق الناجح
الذي قاد الشباب الى التوجه لهذا النوع من الاطعمة".

تأثيرٌ نفسي
الخبير في مجال العلاج النفسي علي كاظم كشف عن معاناة كبيرة يعاني منها بعض البدناء تتعلق بالصحة النفسية، فضلا عن الصحة الجسدية، اذ يشير الى دور التنمر على ثقة الشخص البدين بنفسه وخاصة لدى الاطفال والمراهقين، ويضيف "هنالك جانب مسكوت عنه ايضا، وهو ما تسببه البدانة من اعاقة للعملية الجنسية وضعف الخصوبة الجنسية الناتجة عن البدانة، والتي تشمل الذكور والإناث على حد سواء".
يشير كاظم أيضا الى وجود نوع من التشجيع الاجتماعي غير المباشر على السمنة، وعدم الالتزام بالانظمة الغذائية سببها المجاملات الاجتماعية، والاصرار على المشاركة في الولائم والاكثار من الاكل فيها، مذكرا بعدد من الامثال والاقوال المأثورة، التي تتسامح مع زيادة الوزن وتحث عليه مثل "الزلم تأكل على كد أفعالها"، و"جسمك اله حق عليك" و"نفسك تحاسبك بعدين".
ساعد علي كاظم في انهاء معاناة عدد من البدناء من خلال تنظيم برامج غذائية تناسب وضعهم الصحي ونمط حياتهم، غير أنه أكد وجود عوائق اجتماعية تحبط عزيمة البدناء في رحلة التخلص من الوزن الزائد وخاصة النساء "لارتباط بعض مظاهر السمنة بالقيم والمعايير الجمالية، مثل نضارة الوجه ولونه المائل للاحمرار".

غياب الاستراتيجيَّة
مع تصاعد نسب البدانة تتزايد معها أيضا أدوية التنحيف غير المرخصة، والتي يذهب ضحية تأثيراتها الجانبية الكثير ممن تقودهم رغبة التخلص من تكتلات الدهون الى طرق ابواب الصفحات الالكترونية، التي غالبا ما تستخدم بعض المشاهير في ترويج منتجاتها، كما أن اللجوء الى التخلص من الوزن الزائد عن طريق التدخلات الجراحية وعمليات قص المعدة، لا تزال تترتب عليه مجازفات تصل الى الموت احيانا.
لا يعتقد الدكتور المشهداني بوجود أي استراتيجية للتعامل مع البدانة في العراق أو معالجة مسبباتها، إذ يقول "ما نراه اليوم هو العكس، فالمطاعم وخاصة الوجبات السريعة في تزايد يومي والرقابة الصحية على صناعة الأطعمة ضعيفة، اضافة لذلك، فالإعلام الصحي ضعيف جدا في هذا الجانب".