رحيل فنانة الطفولة لجينة الأصيل

منصة 2024/03/04
...

 علي العقباني

رحلت عن عالمنا فنانة الطفولة لجينة الأصيل، بعد أن أسرت قلوب الصغار والكبار برسوماتها وكتاباتها وانعشت ذاكرتنا بكل شيء جميل.
لجينة الأصيل مساحة بألوان قوس قزح وفرح طفولي لا ينطفئ ووجوه دائرية مفعمة بالبهجة، فهي مدرسة بحد ذاتها، امرأة من غيم رسمت حقائب طفولتنا فحملتنا معها نحو أحلام كبيرة بوسع حياة وأحلام معلقة على الأكتاف.. كانت تقول على الدوام وتدعونا "لا تملوا على أطفالكم ما يرسمون..  دعوا أناملهم ترسم أكواناً جديدة، وأنه ما من معيار نؤطر به لوحة طفل، فقد يرسم لنا رجل ثلج أسود، وقد يلون السماء بأزرق غامق للغاية".  
تعتبر الأصيل أن "مجلة أسامة" هي أمها التي علمتها وشجعتها، فقد كانت من ضمن رسامين رفدوا المجلة برسومات مليئة بالمشاعر والحب والحياة، كما كانت تقول "عندما بدأت مع المجلة كنت طفلا يحبو، كانوا كلهم كبارا و كنت مدهوشة برسوماتهم، كان نذير نبعة ، ممتاز البحرة، غسان السباعي، كنت أشعر برهبة أمامهم... مجلة أسامة تحملتني كثيرا وتحملت عثراتي".
لم تكن طفولة لجينة الأصيل مفعمة بالنعيم والهدوء والسكينة، بل صعبة إلى حد كبير، فقد كانت وحيدة والديها اللذان انفصلا وهي في السابعة من عمرها، الأمر الذي ترك ندبة وحزناً كبيراً في قلبها، وما خفف وطأة الفراق والوحدة عليها أنَّ أمها كانت تحب الفنون والرسم وقد حظيت كذلك بدعم والدها الذي كان يرافقها لمركز أدهم إسماعيل الذي انتسبت إليه وتعلمت فيه أصول الرسم، وعندما كانت في عمر تسع سنوات اطلعت على مجلة سندباد المصرية الشهرية وتعرفت وأحبت رسومات الفنان المصري بيكار، وخصوصاً سندباد.
تخرجت الأصيل من كلية الفنون الجميلة قسم العمارة الداخلية عام 1969، وتعتبر من طلاب الدفعات الأولى في الكلية، التي ضمت آنذاك فنانين سوريين كبارا، مثل لؤي كيالي وفاتح المدرس، وأساتذة من بولندا وفرنسا وايطاليا، غير أنها قبل دخولها إلى الكلية تتلمذت على يد الفنانناظم جعفري في مجال الفحم ولمدة أربع أعوام، الأمر الذي دعمها أكاديميا، ولكنها بقيت تخاف من اللون، وبدأت بالحبر الصيني الذي هو أصعب الألوان، ثم انتقلت للمائي، ورافقها خوفها من الألوان حتى دخولها "مجلة أسامة"، وفي منتصف السبيعنيات عادت الأصيل للتدريس في الكلية كمحاضرة في مجال الديكور، ثم رسومات كتب الأطفال.
طالما ارتبط اسم لجينة الأصيل بشخصيتي عفيف وظريف اللتين ابتكرتهما لإحدى القصص في "مجلة أسامة"، لكن ثمة قاسماً مشتركاً يراه البعض في لوحات الأصيل، وهو الشجرة التي تقول عنها في أحد حواراتها "هي ليست مجرد شجرة، ففيها بيت العصافير والأعشاش، وفي المساء  تحكي العصافير قصص رحلاتها التي أمضتها بعيدا عن وطنها.. الشجرة الأم
والوطن".
كانت الفنانة لجينة الأصيل تشير على الدوام إلى أن أهم مفاتيح نجاح اللوحة الموجهة للطفل  هو "الصدق و احترام عقل الطفل وتقديم عمل يوازي ذكاءه و قدراته العقلية، ويجب أن يحب الرسام العمل، فهذه المحبة تظهر والطفل ذكي ويكشف الأمور جيدا.
قدمت الأصيل رسومات لأكثر من سبعين كتابا للأطفال، وتأليف ثلاثة كتب أخرى، و أعمالا تلفزيونية، وأفلام رسوم متحركة إعلانية إلى جانب أكثر من مئتي لوحة اقتنتها لها المتاحف، فضلا عن الإشراف فنيا على عدد من مجلات الأطفال العربية والورشات المتخصصة في مجال رسوم كتب الأطفال، أنها تعتبر تكريمها الأكبر يوم يقول لها الآباء "تربينا وربينا أولادنا على رسوماتك".
بغياب الفنانة التشكيلة السورية لجينة الأصيل الأم والمعلمة والأسم المؤسس والمؤثر في تاريخ رسوم الأطفال في 28/ شباط تغيب البهجة والحضور الأنيق والبراءة ومرح الطفولة.. تغيب كثافة الألوان التي تزعزع ظلمة العالم وقسوته.