هونغ سونغ سو {أسطة} التفاصيل الصغيرة

ثقافة 2024/03/04
...

علي حمود الحسن

أسدل الستار، قبل أيام، على فعاليات مهرجان برلين السينمائي 74، وصاحب إعلان جوائزه لغطًا واعتراضا، فهي غير متوقعة، واستبعد منها معظم الأفلام المرشحة، فكان إعلانها مفاجأة لصنّاع السينما والنقاد وعموم المتابعين لهذا الحدث السينمائي العريق، لكن الجميع اتفقوا على أن فوز المخرج الكوري الجنوبي هونغ سونغ سو (1960) بالجائزة الكبرى للجنة التحكيم، عن فيلمه الجديد " احتياجات المسافر" (2024)،   كان استحقاقا لهذا المخرج المخضرم والمثابر، الذي يبدع أفلاما، غالبا ما يكتبها بميزانيات متواضعة، وتحكي قصصا حياتية تكاد تشبه اليوميات، أبطالها فنانون وكتّاب لم تكتمل حياتهم مثلما يريدون، وهو أمر يبدو طبيعيا وعاديا، لكن عبقرية هونغ سونغ سو، تكمن في فتنة سرده ومرحه، وربما ارتجاله، ما يجعل أفلامه أقرب الى السهل الممتنع.
 أخرج صاحب" امرأة على الشاطئ" 31 فيلما، جميعها ناجحة ولها جمهورها، ليس في كوريا الجنوبية حسب، إنما في كل المحافل السينمائية، ربما لأنها تتعامل بالتفاصيل الصغيرة، فتمس الجوهر الإنساني، من هذه الأفلام : و" في يومنا"(2023)، " هايوون ليست ابنة أحد" (2013)، و" تل الحرية"(2014)، و" اليوم التالي"(2017)، و" في بلد اخر"(2012)، وهذا الأخير واحد من أمتع الأفلام وأكثرها جمالا، وقد أعدت مشاهدته تحية لهذا المخرج الفريد، الذي وجد في الممثلة الفرنسية اليزابيث هوبير(معلمة البيانو ) ملهمة، فمنحها دور البطولة في ثلاثة من أفلامه، بضمنها الفائز بلجنة تحكيم برلين الكبرى، اذ قدمت شخصية سيدة فرنسية غريبة الأطوار، تصل الى العاصمة الكورية الجنوبية سيئول، وتجد نفسها عاطلة عن العمل،  فتقرر تُدَريس اللغة الفرنسية لسيدتين كوريتين، كذلك مثلت في فيلمين آخرين هما" كاميرا كلير"، وفي" بلد اخر"، الذي سحرني بفكرته وأسلوب سرده المبتكر، فهو عبارة عن ثلاث قصص تدور في ذات المكان، ويؤدي أدوارها الممثلون، ويكاد أن يكون جوهر موضوعاتها واحدا، وكم كان اختيار ايزابيل هوبير موفقا لأداء الشخصيات الثلاث لسيدة فرنسية ذات جمال ساحر وروح مرحة تدعى آن في القصص الثلاث. يلجا سو إلى حيلة سردية لقص حكاياته  الثلاث، من خلال سيناريوهات تكتبها بنت شابة، هاربة مع أمها من مشكلات مالية، وتسكنان في فندق وسط مدينة سياحية صغيرة تحتضن البحر، فتكتب البنت الحكايات الثلاث لمدارات قلقها ومللها، حيث لا أحد يروح ولا أحد يجيء في هذه البلدة الجميلة والموحشة في آن؛ في القصة الأولى تزور مخرجة فرنسية جذابة (ايزابيل هوبيرت) صديقها المقيم في الجزيرة مع زوجته الحامل، وفي الثانية تزور آن أخرى الجزيرة وتلتقي نفس الشخصيات، لكنها هذه المرة سيدة متزوجة  تزورعشيقها الكوري، اما في القصة الثالثة فآن سيدة اوربية مطلقة تزور أصدقاء لها، وتلتجئ إلى راهب حكيم ليبدد وحشة روحها.. في القصص الثلاث يكون الحدث واحدا والاكسسوارات واحدة والشخصيات واحدة، لكنها في كل مرة تعيش بطريقة مختلفة. ليقدم لنا سو ملخصا لرؤيته للحياة، التي تقترب من مفهومية شكسبير "وما الدنيا إلا مسرح، وكل منا
يؤدي دوره".