أطرافٌ اصطناعيَّة

ثقافة 2024/03/05
...

 محمد رشيد الشمسي


في سنوات عجاف، حين احتدم الصراع مـن أجـل لقمة العيش، كنت لا أملك يدي اليمين ولا حتى الشمال، إذ كنت أصارع؛ كي أرفع كراتين السكائر، من ناقلة راسية على رصيف الميناء، إلى سيارات حمل صغيرة؛ واتقاضى عن كل سيارة أجرًا مقداره عشرة دولارات فقط. في أحد الصباحات المشمسة، أخبرتني يدي اليمين؛ عما أصابها من تعب وإعياء، بعد إتمام حمل السيارة الثانية؛ لذلك ينبغي أن تساعدها اليد الأخرى في مشوار اليـوم... غـضـبـت الـيـد الأخـرى، وزمجرت، واسترخت عضلاتها؛ ممتنعة عن حمل أي كارتون... أصبت بالاحباط؛ عنـدمـا سـمع رب العمـل حـديثي معهما؛ فقرر طردي من العمل.

في صباح اليوم التالي، وعند حضوري أمام الرصيف، وجدت لافتة كتب فيها:

«لا مكان لأي عامل معنا، يتحدث مع يديه بصـوت مسموع”.

دخلت إلى مكتب رب العمل؛ كي أخبـره: بأن ما سمعه من حديث، كان لزاما عليّ التحدث بـه، بصـوت مسموع؛ لأنهما لم يكونا يدي، بل هما طرفان استلمتهما من مستشفى الأطراف الاصطناعيّة، الذي فتح حديثاً في المدينة، إذ لا أستطيع الهمس إلى أشخاص أجانب، ليس لي معهم  صلة، عندما كنت طبيعياً: كنت أهمس لهما.

تفحص رب العمل يدي الاصطناعيّة، ثم اتجه صوب اللافتة ومزقها، وعلق لافتة أخرى كتب فيها:

«لا مكان لأي عامل معنا، يملك أطرافًا اصطناعيّة”.