جسر داقوق العثماني.. قبلة للسياح

ريبورتاج 2024/03/06
...

 نهضة علي

في أقصى جنوب مدينة كركوك وعلى بعد 40 كم عن قضاء داقوق وسط منطقة تحيطها التلال، يقع جسر داقوق العثماني، والذي يعد من الجسور الاثرية نظرا لبنائه القوسي والقببي، الذي يتميز برصانة البناء ومتانة المساند السفلى لتحملها مرور المياه لسنوات طويلة، وحتى السياج الأعلى ويبدو أن جزءًا منه تعرض للانهيار، فتم إكماله بالأجزاء الحديدية، ولكونه جسرا حجريا بني من حجز الجبال المخصص لبناء الجسور لتحمل العوامل الجوية، فقد ظل معبرًا للعجلات والناس المارين من مناطق شمال العراق باتجاه الوسط.


سفراتٌ عائليَّة
يقع الجسر على  نهر الشاي، وهو من روافد نهر العظيم او منبعه منه، اضمحلت مياهه مؤخرا ليتقلص مرورها متذبذب العرض والعمق حتى ظهر الحصى في الجانبين، تحول مؤخرا الى مكان سياحي يقصده الناس من كركوك وداقوق والطوز للسفرات الأسرية والتجمع خاصة في موسم اعتدال
الاجواء ما بعد أشهر الشتاء، وعلى طول الطريق المؤدية الى موقع الجسر، تتجمع
الأسر مفترشة الارض والمساحات الخضراء للتنزه بعيدا على اجواء المنازل، ويتركز وجودها بالقرب من الجسر على جانبي النهر، بالرغم من افتقاره للاهتمام أو وجود مساحة خضراء سوى الأشجار الطبيعية وتموج المكان.
الناشط في شؤون الاثار رائد عكلة العبيدي اكد لـ(الصباح)، ان "الجسر بني من قبل الوالي مدحت باشا سنة 1883، واكتمل بناؤه بعد عشر سنوات، يبلغ طول الجسر 365 متراً، وعرضه سبعة أمتار، واستعمل قديما كممر لنقل القوافل من الشمال الى الوسط والجنوب، وفي الفترة الوسط كان ممرا رئيسا لانتقال المدنيين من كركوك باتجاه العاصمة، قبل أن يتم اعتماد طريق ثان للمسار الجديد الذي يربط كركوك بقضاء داقوق والطوز، وصولاً إلى ديالى وبغداد.  

شاهد الاحتلال
وبحسب المختص في شؤون الاثار ياسين الحديدي في مدونته يعد جسر داقوق من الجسور الاثرية التي بنيت في كركوك، وتعرض للانهيار في مقدمته عند عبور القوات الغازية الانكليزية، التي دخلت في العام 1914 لمحاربة العثمانيين، مستخدمة الجسر للانتقال الى بغداد ثم جرى تعميره بواسطة هيكل حديدي، تم استيراده من بريطانيا ليكمل البناء الحجري، وبحسب المؤرخين فإنه شاهد على حقبتين مؤسفتين، انتهت في تاريخ العراق الاحتلال العثماني والاحتلال البريطاني قبل أن يصبح دولة مستقلة ذات سيادة.
ويتكون الجسر حاليا من عشرة أقواس من أصل 12 قوساً، تربطها مساند قببية مبنية بالحجر المقاوم والطابوق، وغيرت العوامل الجوية لونه بمرور الوقت، فقد كان يبدو  للناظر من بعيد احمر ترابياً، فيما يكون اعلى الجسر مستويا بسياج مؤطر لا يتجاوز ارتفاعه نصف متر، ويتميز بالقوة والرصانة، وفي اسفل الجسر صبت الارضية لتكون مستوية تسهل مرور المياه.
خططٌ لجذب السائحين
معاون مدير مفتشية الآثار في كركوك هادي محمد اكد لـ(الصباح)، أن "الدائرة لديها خطة تأهيل للمرافق الاثرية والتي هي اماكن جذب سياحي ودرجت جسر داقوق العثماني ضمن خطط التأهيل للمواقع الأثرية في المحافظة، ورفعت الى الوزارة لاستحصال الموافقات والتخصيصات، أي أنها ضمن مشاريع الوزارة المستقبلية".  منوها بأن "خطة التأهيل تتضمن أعمال
تأهيل وصيانة تشمل تقوية المساند السفلى والقواعد لأسفل الجسر، للحفاظ عليها من الجرف جراء مياه الأمطار، والاهتمام بالمحيط في المنطقة المذكورة، وإضافة
رتوش تحسّن المكان، كونه أصبح قبلة سياحية للكثير من الناس، فضلا عن اضافة انارة للشوارع المؤدية اليه، وبالقرب من المكان، واجراء اعمال تعديل وفتح مسار الطريق بالقرب من الجسر والأماكن المحيطة، والحفاظ على
الأشجار".

تقليدٌ سنوي
مواطنون كركوكليون، أكدوا أن المكان وبالرغم من انه بعيدا عن مركز مدينة داقوق، إلا أنه يتمتع باجواء سياحية بهواء نقي، يضاف لها نهر الشاي بعيدا عن صخب المدينة، فقد اكد المواطن ابو محمد انه "وعائلته يزورون المكان عندما يكون الجو لطيفا، خاصة انه من اهالي قضاء داقوق، ولأن المكان يحوي الماء والجرف القريب منه والطرق المؤدية اليه بعضها خضراء، فانهم يفضلون التنزه قربه للابتعاد عن اجواء المنزل ولو لبعض الوقت، حاملين معهم طعامهم وشرابهم ومعهم الكثير من الأسر اثناء العطل، ويقيمون الدبكات ولعب كرة القدم واحياء مناسبات والولائم الأسرية"، وبين أن "المكان يخلو من الظل والاشجار فيه مهملة، إلا أن ذلك لا يثنيهم من الذهاب إليه، عند بدء فصل الربيع وكأنه تقليد سنوي موروث}.