علي حسن الفواز
ترسمُ تعقيدات الصراع السياسي في الشرق الأوسط حدوداً هشَّة، وتضعُ الجميعَ أمام رهاناتٍ لا حدود لـ"سيولتها"، وعلى نحوٍ يجعلها أكثر تهديداً بالذهاب الى خيارات حربٍ مفتوحة الجبهات، وباعثة على مزيدٍ من القلق الدولي، وبقدر ما يبدو هذا الصراع مثاراً للجدل الصاخب والساخط، فإنَّه يكشفُ عن سياساتٍ غربيَّة فاضحة، تقومُ على الانحياز الواضح الى العدوان الصهيوني، والى تبرئة ساحته من ارتكاب جرائم حربٍ وإبادة جماعيَّة، وهو ما دفع بكثيرٍ من القوى والجماعات الإقليميَّة الى التحالف لمساندة الموقف الفلسطيني، والدخول في مواجهات حدوديَّة أو إقليميَّة مع المصالح الصهيونيَّة والغربيَّة..
مواقف الولايات المتحدة بعدم رغبتها في حربٍ واسعة تتقاطع مع الواقع، فموقفها في اجتماعات مجلس الأمن، وتهديدها بـ"الفيتو" إزاء أي مشروع ٍقرار يطالبُ بوقف إطلاق النار في غزة، يكشفُ عن سياساتها المنحازة من جانب، فضلاً عن قيامها باستهداف ضرب أماكن، واغتيال أشخاصٍ في هذه المنطقة أو تلك من جانبٍ آخر، وكذلك التهديد بعقوباتٍ كبيرة على الجماعات التي تتقاطعُ مع الفهم الأمني للأميركان في المنطقة، وهذا ما يجعل الخارطة الجيوسياسيَّة مُعرَّضة لإزاحات خطيرة، ولتدخلات مفتوحة، وباتجاهات متعددة، لكنها تتجوهرُ حول موضوع دعم الكيان الصهيوني وحماية أمنه الستراتيجي بمواجهة أخطارٍ أمنية إقليميَّة كما يسوّغ ذلك قادة الأمن القومي الأميركي..
تضخّمُ الأحداث يمكن أنْ يُفلِتَ خيوط الصراع، ويجعل من العدوان الصهيوني ورقة تهديد إقليميَّة تلوّح بها أميركا وحلفاؤها، لأنَّ ما يحدث في غزة دخل في رهاب الواقعيَّة السحريَّة، وجعل من 30000 شهيدٍ، وأكثر من 6000 جريحٍ وكأنهم ضحايا عابرون في حربٍ عابرة، وأنَّ تدمير المساكن والبنى التحتية حدث بفعل زلزال، وليس بسبب عدوانٍ آثمٍ يراقبه العالم، لكنه ظل بدون محاسبة أو عقاب..
حديث الحرب واللاحرب يحملُ معه مفارقة وسخريَّة مرّة، إذ تُكذّب الوقائع هذه المفارقة، وتضع الجغرافيا أمام أطروحة مقاربة لما طرحه فرانسيس فوكوياما بعد "سقوط الاتحاد السوفيتي" والترويج لفكرة نهاية "العنف الإيديولوجي" عبر نهاية الجماعات التي تتبناه، وتحويل قضيَّة الشعب الفلسطيني من موضوعٍ تاريخي، الى موضوعٍ جغرافي، والى قضيَّة قابلة للحل الإيديولوجي المُطعّم بمعالجاتٍ أمنيَّة تقومُ على تكريس الاحتلال والاستيطان، مقابل الغذاء والتجريد من السلاح، والخضوع الى تأطيرات سياسيَّة تفرض خارطتها الرثة الولايات المتحدة والغرب..