تراجع المشاركة الشعبيَّة وصعود الأصوليَّة المتطرفة

قضايا عربية ودولية 2024/03/07
...

• جواد علي كسار

  بانتظار متغيّرين، تأخر هذا المقال كثيراً حتى خشيت أن يفوت وقته؛ يعود المتغيّر الأول إلى الحجم الحقيقي للأصوات اللاغية في الانتخابات التشريعية، أعمّ من أن تكون بطاقات بيضاء أو وضع أسماء لا صلة لها بالانتخابات مثل أسماء أهل البيت وسوى ذلك، ومن ثمّ عدم معرفة نسبة المشاركة الحقيقية باحتساب الأصوات الصحيحة دون غيرها ولاسيّما في العاصمة طهران، نتيجة إحجام الجهات المعنية عن إعلان ذلك حتى لحظة كتابة المقال، ما يغيّب أهم شاخص من شواخص تحليل انتخابات الجمعة الماضية. أما المتغيّر الثاني فيتمثل بغياب كلمة المرشد التي ألفنا سماعها مع نهاية أي انتخابات، كما حصل في نحو ثلاثين دورة انتخابية سابقة. فمع أن هذه الكلمة تقليدية وهي تأتي بمنزلة الستار الأخير للمشهد الانتخابي، إلا أنها يمكن أن تتضمن في هذه الدورة، ملاحظات أساسية بشأن ما جرى في البلد.

ما وراء الأرقام

إذا أردنا أن نتخطى المتغيّرين المشار لهما آنفاً (حجم البطاقات اللاغية وخطاب المرشد) فإنَّ ما بين أيدينا من أرقام تكفي دلالاته لبناء قصة تفسيرية، لا تقتصر على الحاضر وحده بل تفتح آفاق فهم المستقبل ومساراته. يمكن القول بدءاً إنَّ وزارة الداخلية أو العقل الذي خطط للانتخابات في شقها التشريعي (لنجمّد الكلام في هذا المقال عن انتخابات مجلس خبراء القيادة ومتغيّراته) أصاب في تدبيره، عندما نجح في بناء شبكة من المرشحين للبرلمان، من مختلف الأذواق والاختصاصات والتلوينات الجهوية الفرعية والهامشية، والواجهات الاجتماعية والمناطقية والقبلية، عبر الموافقة على أكثر من (15) ألف مرشّح؛ إذ استطاعت هذه الشبكة المركّبة التقاط الأصوات المتفرّقة وصبّها في كتلة من (25) مليون مصوّت، أو نحو 40 % من مجموع أصوات الناخبين البالغ عددهم بحسب الداخلية (61,172,298) مليوناً، موزّعين بين (30,945,133) من الرجال، و(30,227,165) من النساء.

لقد كان النجاح في هذا التدبير وإنزال هذا العدد من المصوّتين، هو جوهر "الفوز" الذي تحدّثت عنه أجهزة النظام وإعلامه برغم غياب المشاركة العضوية للإصلاحيين، لاسيّما إذا أخذنا بنظر الاعتبار منطلق المعركة وشعارها الماثل، في مقولة: المشاركة في الانتخابات أهمّ من النتائج.

لكن مع ذلك، فإنَّ لهذه النتيجة التي تُقرأ فوزاً للوهلة الأولى، ملازمات سلبية وأبعاداً ضارّة، هي من شأن العمل السياسي ولعبة الانتخابات في كلّ مكان وزمان، وبالأخصّ في إيران.

فقد كان غياب أسماء سياسية كبيرة وفشلها في تحقيق نصاب الفوز، إحدى مفارقات هذه الانتخابات ومغازيها السياسية والاجتماعية، كما حصل فعلاً مع أمثال القيادي الأصولي المعروف محمد رضا باهونر وزميله النائب البارز محمد رضا بور إبراهيمي في مدينة كرمان، أو مع محمد باقر نوبخت الرئيس السابق لمؤسّسة الميزانية وزعيم حزب التنمية والوسطية المحسوب على حسن روحاني بمدينة رشت، وفريدون عباسي رئيس منظمة الطاقة الذرية على عهد محمود أحمدي نجاد، وكذلك نائب رئيس البرلمان العاشر الأصولي المتميّز علي مطهري الذي جازف بدخول الانتخابات بعد رفضٍ، فخابت مساعيه ومن اشترك معه ولم نجد أثراً لأحدّ من قائمته "صوت الشعب" (ثلاثون مرشحاً) على سلّم الأسماء الستين الأولى، لنتائج انتخابات طهران.


لغز العاصمة المكشوف

لكنَّ قراءة ما وراء الأرقام أو حفريات الانتخابات، ستُكسِب اللعبة السياسية أبعاداً جاهرة بعضها خطير على مستقبل النظام، إذا ما انتقلنا إلى الكشف عن مفارقاتها في طهران، وهي كثيرة ومتشابكة. ربما كان أكثرها بداهة هو تدنّي حجم المشاركة في العاصمة التي تعدّ أكبر دائرة انتخابية في البلد، وقائمتها تتصدّر (39) نائباً، ثلاثون عن المركز، وخمسة عن الأقضية التابعة، وأربعة عن الأقليات.لكنَّ مشكلة طهران ليست في سعة قائمتها النيابية، بل بضخامة قاعدتها الانتخابية فهي تستحوذ وحدها على أكثر من (10) ملايين ناخب (تحديداً: 10,300,191) ومركزها وحده على نحو (8) ملايين ناخب، ومن ثمّ فإنَّ أنظار "البازار" السياسي تتجه إليها، وإلى منحنيات تجاوبها مع الصوت الانتخابي. المقارنات الإحصائية والرقمية متوفّرة بكلّ الاتجاهات، وهي تكتنز دلالات مكثّفة من واقع مشاركة العاصمة باثنتي عشرة دورة برلمانية، كانت حصتها الجمعة الماضي هي الأدنى، إذ لم تزد المشاركة على مليون وثمانمئة ناخب إلا قليلاً، منها مليون وخمسمئة مليون بطاقة صحيحة، بحسب أقلّ التقديرات التي ذهبت إلى حصر نسبة البطاقات الباطلة في العاصمة، بنحو 15 % فقط أو ما يعادل أكثر من ربع مليون صوت بقليل.


قائمة الأوائل

لكي نعطي تصوّرات عينية ورقمية مباشرة للغز العاصمة المكشوف، يكفي أن ننظر إلى قائمة الأوائل ولاسيّما الفائز الأوّل، وما حظي به من أصوات على مدار الحياة البرلمانية في عصر الجمهورية الإسلامية. ففي الدورة الأولى تقدّم فخر الدين حجازي على الآخرين بحيازته (1,5) مليون صوت، وفي الثانية تقدّم هاشمي رفسنجاني بحيازة (1,9) مليون صوت، وفي الثالثة تقدّم رفسنجاني أيضاً بـ(1,3) مليون صوت، وفي الرابعة حاز الواعظ الأسري علي أكبر حسيني (937) ألف صوت، وفي الخامسة تقدّم الأصولي ناطق نوري الآخرين بحصوله على (879) ألف صوت، وفي السادسة كانت الغلبة للإصلاحي محمد رضا خاتمي، بـ(1,2) مليون صوت، وفي السابعة لحداد عادل (888) ألف صوت، كما حاز السبق في الثامنة أيضاً (844) ألف صوت، على حين حقق حداد عادل نفسه قفزة في أصواته، فتصدّر واجهة الدورة التاسعة بـ(1,1) مليون صوت، ليتفوّق الإصلاحي محمد رضا عارف على الجميع في الدورة العاشرة، وهو يحصد (1,6) مليون صوت، قبل أن تؤول انتخابات 2020م إلى صعود رئيس البرلمان الحالي الجنرال محمد باقر قاليباف، بعدد من الأصوات بلغ (1,2) مليون في المجلس النيابي الحادي عشر، ثمّ تنحدر هذه المعدلات العالية في المشاركة مع انتخابات الجمعة الماضي، إلى (597) ألف صوت فقط حققها محمود نبويان القيادي من الجبهة الأصولية المتطرفة (پايدارى)، إذ يكفي أن نلاحظ مثلاً تراجع أصوات الرئيس الحالي للبرلمان الجنرال قاليباف من أكثر من (1,2) مليون إلى ما دون نصف مليون، تحديداً (447,905) ألف صوت فقط.


صعود المتطرفين

بموازاة ذلك؛ انحدرت نسبة المشاركة في العاصمة إلى أقلّ مستوى لها على مدار أربعة عقود ونصف العقد من عمر الجمهورية، وهي تكاد تقلّ عن (20 %) باحتساب أقلّ نسبة من الأصوات غير الصحيحة، (نسبة: 15 %) ولا تبلغ الـ(30 %) إلا بتكلّف شديد (23,67 % بحسب صحيفة جمهوري إسلامي، عدد الثلاثاء). وهذا ما يُفسّر بالضبط انتقال أكثر من نصف مقاعد المركز (16 مقعداً) إلى المرحلة الثانية، وأنَّ معدل أصوات الفائزين لم يتعدَّ: 5ـ 6 % فقط من مجموع المقترعين؛ بالرغم من تفعيل القانون الذي خفّض في هذه الدورة القاسم المشترك الذي يحتاج إليه المرشّح للفوز، من 

(25 %) إلى (20 %) فقط من الأصوات الصحيحة، ما يكشف عن مأزق آخر من مآزق المشاركة الانتخابية في العاصمة وتضاؤلها الشديد، لنتفق من ثمّ مع د. أبو الفضل فاتح على تسميتها بـ"غربة طهران مع الحكم"، أو بـ"عقدة طهران" بحسبنا.

بيدَ أنَّ المشكلة الأعمق التي يعكسها المأزق الانتخابي في العاصمة، هو الصعود شبه المتوقع للتيار الأصولي المتطرّف، الموسوم في أدبيات إيران السياسية، بصفة: السوبر- الثوري (سوپر انقلابى) أقصد به جبهة الثبات أو الاستقامة (جبهه پايدارى انقلاب اسلامى) التي تأسّست من أحشاء الأحمدي نجادية (نسبة إلى الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد) وأُعلن عن انطلاق عملها عام 2011م، كاتجاه تصحيحي لمنهاج أحمدي نجاد، بعد أن راح يوسم بـ"الانحراف" و"الانحرافية"، فجاء تأسيس هذه الجبهة تصحيحاً لمنهج نجاد، برئاسة الشيخ مرتضى آقا طهراني الذي عاش كنفاً من حياته في أميركا، وكان يوصف بأنه معلم الأخلاق في حكومة الرئيس نجاد؛ كلّ ذلك تحت إطار فكري مفترض (عام غير بيّن الملامح) للشيخ محمد تقي مصباح يزدي، الذي يحلو للكثيرين أن ينسبوا إليه هذا الخطّ وأشباهه والنجادية وأضرابهم، ويقدّم على أنه يعكس إطاراً اختراقياً وتحريفياً داخل منظومة الفكر المؤسّس للجمهورية الإسلامية؛ فكر السيد الخميني تحديداً.

بديهي كان الحلم كما خطط أنصار "پايداري" لذلك، الوصول بباصين محملين بالفائزين من أنصار الحركة، إلى بناية البرلمان في "بهارستان"، كناية عن ادّعاء فاشل بكسب أكثر من مئة مقعد في البرلمان الجديد، وهذا ما لم يحصل أساساً أمام هزال المشاركة وبؤس العملية الانتخابية برمتها.


ذكاء شبكة القوائم

بيدَ أنَّ هذا الهزال والضعف لا يمنع من الإقرار بجدوى الحبكة التي اشتغلت عليها جبهة "پايداري" وأنصارها والقوى القريبة من سنخيتها وهويتها، ما أدّى إلى أن تُصيب العمود الفقري للجبهة الأصولية الوسطية (وسطاً بين الأصولية التقليدية والأصولية المتطرّفة أو ما يُعرف بالأصوليين الجدد) وهي تحصد الأسماء الأولى على القائمة، وتدفع بعدد من مرشحيها إلى انتخابات الدورة الثانية، والأهمّ من ذلك تضع رئيس البرلمان الحالي الجنرال قاليباف تحت وطأة ضربة مزدوجة وموجعة؛ حين دفعته من جهة عن مركزه الأول إلى المركز الرابع في قائمة الفائزين عن العاصمة، وحاصرته ثانياً بالتصويت الذكي وهي تقلل حجم أصواته، إلى نحو ثلث ما كانت عليه في الانتخابات البرلمانية السابقة.

لقد أفسدت "حبكة" الشبكات المركّبة والقوائم المتعدّدة خطة الائتلاف الأصولي الوسطي (عنوانه الرسمي: شوراى ائتلاف نيروهاى انقلاب) وأسقطت بمكائد العمل السياسي والحزبي، التصوّرات التي بدت بسيطة رغم الادّعاءات الكبيرة لمهندسي هذا الخطّ، وفي الطليعة منهم رئيس البرلمان السابق حداد عادل والجنرال محسن رضائي وأضرابهم، ما أدّى إلى إرباك المشهد واضطرابه، ليس على مستوى رئاسة البرلمان وإعادة صفّ القوى، بل على مستوى المشهد العام لاسيّما ما يتصل بانتخابات رئاسة الجمهورية العام المقبل.

ببساطة شديدة لم يصوّت جمهور طهران إلى القوائم المغلقة، بل صوّت انتقائياً فكان الفشل الكبير من نصيب قائمة "شوراى ائتلاف"، إذ لم يفز أحد من أنصار الجنرال قاليباف رئيس البرلمان، في مقابل صعود ذكي لقوائم المتطرفين، وقد توزّعت بين قائمة "شوراى ائتلاف" نفسها، بالإضافة إلى قائمة "أمناء" التي ضمّت مجموعة "شريان" (شبكة راهبردى ياران انقلاب اسلامى= الشبكة الستراتيجية لأنصار الثورة الإسلامية) بزعامة الشيخ حميد رسائي، والأهمّ من ذلك- وقد فاجأني شخصياً- هو صعود أسماء كثيرة ربما تصل إلى (17) بين فائز من المرحلة الأولى ومتنافس على المرحلة الثانية، من قائمة الداعية المثير للجدل الملقب بـ"الأستاذ" علي أكبر رائفي بور، رئيس مؤسّسة "مصاف" وقد عنونها: "جبهه صبح ايران"، وأخيراً القائمة المحسوبة من طرف خفي على الحكومة وتيار إبراهيم رئيسي، الموسومة بـ"جبهه متحد انقلاب اسلامى" (الجبهة المتحدة للثورة الإسلامية) بمحورية علي رضا زاكاني الأمين الحالي للعاصمة طهران.

استطاعت هذه الشبكات أن تعطي للأصوليين المتطرفين وزنهم الذي كسبوه في انتخابات طهران، بعد الفشل الكبير لقائمة حداد عادل "شوراى ائتلاف"، والفشل الذريع لقائمة الأصوليين التقليديين "شوراى وحدت" المكوّنة من تحالف "جامعه روحانيت" مع حزب "البازار" والتدين التقليدي "مؤتلفه اسلامى" (تحالف جماعة العلماء المجاهدين مع حزب الائتلاف الإسلامي)، وكذلك السقوط المدوّي لقائمة علي مطهري الموسومة "صوت الشعب" (صداى ملت) وقوائم أصولية أو محسوبة عليهم، أقلّ أهمية، مثل قائمة "فهيم" التي تمثل قوى معرفية، جاء على رأسها محمد سعيد مهدوي كني نجل الزعيم التأريخي لجماعة العلماء المجاهدين، الراحل مهدوي كني، بعد أن رفضت القوائم الأصولية مجتمعة إشراكه ضمن مرشحيها.


معركة رئاسة البرلمان

واحدة من نقاط الاستقطاب الأساسية والصراع التدميري في صفوف الأصوليين، هي المعركة بعد أقلّ من ثلاثة أشهر على رئاسة البرلمان. باختصار شديد؛ قامت خطة الأصوليين المعتدلين على إبقاء الجنرال قاليباف رئيساً للبرلمان المقبل، أمام طموحات وخطط لتغييره فشل بعضها ولم يزل البعض الآخر بانتظار الفرصة المواتية.

لقد طافت هذه الخطط على تدابير وبدائل وأسماء، منها محمد رضا باهونر (سقط في الانتخابات) ومحمد باقر نوبخت (سقط في الانتخابات) وعلي مطهري (سقط في الانتخابات) ومسعود بزشكيان (حظوظه ضعيفة) ليتمركز الصراع فعلاً بين القيادي في "بايداري" الشيخ مرتضى آقا طهراني، والقيادي في "شريان" (شبه انشقاق، ربما مدبّر عن: بايداري) محمود نبويان.

أعتقد أنَّ جماعة "بايداري" و"شريان" وأضرابهم سقطوا في ذهان السهولة، وهم يتصورون أنَّ حصيلة رئاسة البرلمان؛ هي أصوات الناخبين وعدد النوّاب وحسب. وهذا خطأ جسيم يكشف عن عدم فهم لحركيات العمل السياسي في إيران، ولاسيّما اختيار رؤساء القوى الثلاث، ومنهم رئيس القوّة التشريعية. باختصار شديد، ليس اختيار رئيس البرلمان بالمهمّة البسيطة حتى تنحصر بخريطة القوى داخل البرلمان نفسه، بل هي عملية مركبة (وأحياناً معقدة) لشبكات السلطة والقوّة والنفوذ خارج البرلمان دورها الحاسم في الاختيار، سواء ارتبط الأمر بمكتب المرشد أو بالحرس الثوري أو بغيرهم من القوى الفاعلة، حتى الحكومة نفسها. لذلك أعتقد أنَّ قاليباف سيكسب على الأرجح جولة الرئاسة في البرلمان المقبل، لكنه سيخسر على الأرجح أيضاً، معركة الرئاسة العام المقبل.

توضيح ذلك؛ أنَّ الرئاسة في الجمهورية الثانية (جمهورية ما بعد الخميني والتعديلات الدستورية عام 1989م) هي رئاسة من دورين (8 سنوات) كما حصل ذلك فعلاً مع هاشمي رفسنجاني، ومن بعده محمد خاتمي، وبعده أحمدي نجاد، ثمّ حسن روحاني. هناك إرادة سياسية الآن لكسر القاعدة بإبقاء إبراهيم رئيسي عند دورة واحدة وحرمانه من الثانية، ورأس الحربة في هذا السيناريو هو الجنرال قاليباف، الذي يُراد له أن يبقى في قمة الهرم رئيساً للسلطة التشريعية، ليتحوّل في العام المقبل للمنافسة على رئاسة الجمهورية، وإزاحة رئيسي من المشهد. وهذا مفتاح نفيس في فهم خرائط الصراع الأصولي- الأصولي في الانتخابات الحالية، كما في تطوّرات السنة الآتية.


عساكر ومعممون

برغم الأسس المدرسية المزعومة للتيار المتطرّف، في فكر الشيخ محمد تقي مصباح يزدي، إلا أنه يبقى مقيّداً بخطوط أقوى أبرزها شبكات القوّة والسلطة والنفوذ المرئية واللامرئية، في بيت المرشد ومكتبه والحرس الثوري. كما من العسير تصفير التيارين الإصلاحي والأصولي بنسختيهما التقليدية، حتى برغم ضعفهما. أضف لهذا القيد، الحصار المفروض على هذه الكتل والبؤر والتوجّهات المتطرّفة، ومراقبتها واحتوائها بالمشاركة، لكن بشرط ألّا تتجاوز مدى معيناً، يعيد تكرار تجربة أحمدي نجاد ونتائجها الباهظة على الوضع الإيراني برمته، إذ لا يعدو الوضع القائم إلا أن يكون بعض تداعيات النجادية ومخاطرها، ولا أحد من القوى الفاعلة لديه الاستعداد للسماح بتكرار التجربة، تحت أي اسم وعنوانٍ كان، ولو بعمائم تصدرت قوائم طهران.

كإشارة أخيرة؛ على عكس الصراخ الذي تمارسه صحيفة "كيهان"، وغياب النضج الذي طفح ولم يزل على منابر صحف "ايران" و"همشهرى" و"جام جم" وأحياناً خط التلفزة الرسمية؛ يبقى متميّزاً قابلاً للقراءة المتأملة؛ ما تكتبه المنابر الناطقة باسم الحرس الثوري، كصحيفة "جوان" ووكالة "تسنيم" وأحياناً صحيفة "صبح صادق"، فهي هادئة بشكلٍ غريب، ليس في مقدّمات متابعاتها ونتائج ما حصل، ما يُشير إلى أنها مضطربة أو قد تفاجأت بما حدث.