أهالي كربلاء يتساءلون: من ابتلع الحوت الأحمر
أحمد صلاح
تعاني مدينة كربلاء المقدسة من غياب وسائل النقل العام الفعالة والموثوقة، التي قد يعتمد عليها المواطنون في تنقلاتهم اليومية، وفي ظل هذا الوضع، يبحث السكان عن الحلول العملية، لتحسين الوضع وتوفير وسائل النقل العام التي تلبي احتياجاتهم.
منذ مدة، باتت مدينة كربلاء تشهد نقصاً حاداً في وسائل النقل الرصينة، خاصة حافلات النقل العام التي يصفها البعض بـ {الحوت الأحمر}.
تاريخٌ
اوردَّ كتاب (كربلائيون في ذاكرة التراث الشعبي) لمؤلفهِ الاستاذ صاحب الشريفي في طبعتهِ الثالثة في سطور الصفحة (170)، أن "الإدارة المحلية في كربلاء استحدثت مصلحة نقل الركاب عام 1952 وكانت تابعة بدورها إلى وزارة الداخلية".
وأضاف، "جهزت كربلاء بـ(6) سيارات من نوع شوفرليت حمراء اللون، تعمل محركاتها بالبنزين، وفي عام 1956 أضيفت لها 12 سيارة من نوع مرسيدس تعمل محركاتها بوقود الگاز، وكانت هذه السيارات تحتوي على أبوابٍ عادية تفتح يدويا، وفي عام 1958 أضيفت لها 24 سيارة من نوع مرسيدس ذات الابواب الأوتوماتيكية".
مبيناً أنه "وفي عام 1960 فُتح الطريق للمسافرين بين كربلاء والنجف وكربلاء والحلة وكربلاء وعين التمر، وكانت الأجور مدعومة من الدولة، اذ كان سعر التذكرة الواحدة من كربلاء إلى بغداد 130 فلسا، ومن كربلاء إلى منطقة الدعوم 20 فلسا، وإلى قضاء الهندية 40 فلساً، وإلى الحلة 60 فلساً ومن كربلاء الى النجف 50 فلسا".
وبقيت هذه الحافلات الحمراء تؤدّي خدماتها للمواطنين، ثم اختفت في ثمانينيات القرن المنصرم.
إعلان العودة
وفقًا لبيان رسمي أطلقته وزارة النقل العراقية بتاريخ 8/ 11/ 2020 والموافق يوم الاحد ذكرت الوزارة "شكلت وزارة النقل/ الشركة العامة لنقل المسافرين والوفود، لجانا مختصة بالتعاون مع محافظة كربلاء المقدسة، لدراسة الواقع الموجود في المحافظة والمباشرة في تشغيل باصات النقل العام داخل المدينة المقدسة".
وبين مدير عام الشركة المهندس كريم كاظم حسين، انه "استنادا لتوجيهات وزير النقل الكابتن ناصر الشبلي بتفعيل النقل العام في محافظة كربلاء، تم الايعاز الى اللجان المختصة للبدء في أعمالها، وتهيئة كل العوامل من أجل ادخال باصات الشركة في شوارع واحياء محافظة كربلاء خدمة للمواطنين الكرام في المدينة المقدسة".
واضاف، ان "باصات الشركة ستضفي صورة حضارية وايجابية على المدينة لما تتميز به من خدمات وتوفر سبل الراحة للركاب المتنقلين وتنسجم مع خصوصية المدينة القدسية والامنية، كونها واجهة للسياحة الدينية في البلاد".
100 باص
شهدت محافظة كربلاء المقدسة يوم الثلاثاء
23/ 11/ 2021 انطلاق المرحلة الاولى لتشغيل حافلات النقل العام بحضور المحافظ ومدير عام نقل المسافرين، والنائب الأول للمحافظ وقائد شرطة كربلاء.
واوضح محافظ كربلاء نصيف الخطابي خلال مشاركته حفل الانطلاق آنذاك أن "هذه المرحلة تمثل الخطوة الاولى في انطلاق النقل العام في المحافظة، وستكون هنالك وجبات اخرى من الباصات للوصول إلى الـ 100 باص".
وبيّن حينها وفقًا لوسائل الاعلام المحليّة أن "النقل العام لا يؤثر على النقل الخاص، خاصة أن النقل العام يعد خدمة اساسية في كل بلدان العالم وسينطلق ضمن خطوط وأماكن توقف مخصصة، لافتا إلى أن الحكومة المحلية وقسم الاتصال والتكنولوجيا ستطلق تطبيقاً الكتروني للهواتف، ليتم من خلاله معرفة مسارات الباصات ووقت وصوله".
واوضح الخطابي، أن "النقل العام سيخدم بشكل مباشر أغلب شرائح المجتمع، كالطلبة والمتقاعدين والمعاقين وأبناء الشهداء من خلال التخفيض والدعم باصدار بطاقة خاصة بهم، اضافة إلى باقي الشرائح الذين سيتم شمولهم، بعد وصول الباصات، التي تمَّ تنسيق مع وزارة النقل في وصولها".
رفضٌ
وفقًا لمصادر صحفية، أن "المشروع أصبح غير مجدٍ، وان واردات العمل عليه لا تغطي تكاليف الوقود والصيانة، وأن الباصات عرضت على سائقين أهليين للعمل عليها، مقابل تسديد اجور الوقود والصيانة، لكنهم رفضوا العرض، وهو ما دفع ادارة الشركة الى تسليم عدد منها الى مؤسسات حكومية مقابل اجور متفق عليها، أمّا ما تبقى منها فترك بالعراء".
استياءٌ وتساؤل
تجولت في شوارع المدينة للوقوف على آراء المواطنين حول هذه الظاهرة السلبية، وقد وجدت آراء متباينة بين القلق والاستياء من الوضع الحالي، وبين الأمل في تحسن الخدمات في المستقبل.
حيث أكد السيد محمد علي، أحد المواطنين، قائلاً: "نعاني يومياً من صعوبة التنقل في المدينة بسبب غياب حافلات النقل العام، ونأمل من السلطات المحلية البحث عن حلول جذرية لهذه المشكلة".
بينما أعربت السيدة زهراء الربيعي عن استيائها قائلة: "نحن بحاجة ماسة إلى وسائل نقل عامة تعمل بشكل فعال وموثوق به، فالنقص في الحافلات يؤثر سلباً في حياتنا اليومية ويزيد من تكاليفنا".
ويعتقد المواطن نور الدين حسين أن "عدم تفعيل وسائل النقل العام في كربلاء، يعود إلى غياب رؤية الحكومة الاستراتيجية لتطوير هذا القطاع.
ويقول نور "نحن بحاجة ماسة لخطة شاملة تهدف إلى تحسين وتطوير وسائل النقل العام في المحافظة، وتلبية احتياجات المواطنين في التنقل بين المناطق المختلفة بكربلاء، لا سيّما وان خطوط النقل الخاص التي تربط مركز المدينة لا تغطي جميع الاحياء، لذا أن الحكومة اذا كانت ترغب في تحقيق التنمية ورفاهية المواطنين، فيجب عليها وضع خطط واضحة لضمان عودة مصلحة نقل الركاب بشكل فعّال". ويشير الى أن "تفعيل وسائل النقل العام سيسهم في تحسين جودة الحياة والبيئة في كربلاء، ويعمل على تحقيق التنمية المستدامة في المحافظة".
قيادةٌ متهورةٌ وأجورٌ مرتفعة
تعتبر عجلات التكتك وسيلة شائعة للنقل في شوارع كربلاء، في ظل غياب وسائل النقل العام، اذ تشهد المحافظة انتشارًا واسعًا لهذه العجلات التي تعتمد عليها العديد من الأسر والمواطنين للتنقل بين المناطق المختلفة.
يعبر العديد من المواطنين عن استيائهم من تهور سائقي عجلات الـ"تك تك"، الذين يتسببون في حوادث مرورية، ويعرضون حياة الركاب والمارة للخطر. يقول محمد النصراوي إن "تهور سائقي عجلات الـ"تك تك" يجعل الشوارع غير آمنة، ونحن بحاجة إلى إجراءات صارمة لتطبيق قوانين المرور وضمان سلامة الجميع".
مع ذلك فإن البدائل لوسائل النقل العام في المحافظة محدودة بشكل كبير، فالمواطن الكربلائي امام خيارين لا ثالث لهما، فأما أن يعرّض حياته للخطر في التنقل بعجلات الـ"تك تك"، التي غزّت المدينة أو أن يتحمل ارتفاع أسعار سيارات الأجرة، الذي يجعل التنقل داخل المدينة مكلفاً وغير ميسور، وبهذا الصدد تشير السيّدة فاطمة الساعدي الى أن "أسعار سيارات الأجرة المرتفعة تجعل الحياة أكثر صعوبة، خاصة بالنسبة للأسر ذات الدخل المحدود، وعلى الحكومة أن تتدخل في تنظيم قطاع النقل سيّما العام منها، لضمان توفير خدمات آمنة ومناسبة للجميع".
مع النقل الجماعي
عملت (الصباح) على إجراء استطلاع لآراء مجموعة من المواطنين حول مدى حاجتهم لوسائل النقل العام في كربلاء، وتم استطلاع آراء قرابة الـ (350) شخصًا، وفق عملية ميدانية والكترونية وكانت النتائج كالتالي:
- ضد تفعيل خدمة النقل العام: 15%
- مع تفعيل خدمة النقل العام: 65 %
- غير مهتم: 20 %
وفي ظل هذا الوضع، يتعين على السلطات المحلية البحث عن حلول عاجلة وفعالة لتحسين وسائل النقل العام في كربلاء، وتلبية احتياجات المواطنين.
وتوفير وسائل نقل عامة موثوقة وفعالة يعتبر بالفعل أمراً حيوياً لتحسين جودة الحياة ورفاهية المجتمع المحلي. وهناك بعض الأسباب التي تبرز أهمية هذا الأمر منها تعزيز الوصولية، من خلال توفير وسائل نقل عامة يسهل على الناس الوصول إلى الأماكن المختلفة بسهولة وبتكلفة مناسبة، مما يساهم في تعزيز التنقلية والوصولية للمواطنين، وتقليل الزخم المروري بتشجيع استخدام وسائل النقل العامة، يمكن تقليل الازدحام المروري والاختناقات على الطرق، مما يؤدي إلى تحسين تدفق حركة المرور وتقليل وقت الانتظار، والحفاظ على البيئة من خلال تقليل عدد السيارات الخاصة واستخدام وسائل النقل العامة، وهذا مايقلل من انبعاثات الغازات الضارة والتلوث البيئي، فضلًا عن تقليل التكاليف اذ ان استخدام وسائل النقل العامة يمكن أن يوفر على المواطنين تكاليف التملك والصيانة الخاصة بالسيارات الخاصة، ويسهم في تقليل النفقات الشخصية للسفر، وهذا ما يعزز الاقتصاد المحلي.
وعودٌ مؤجلة
وبينما يتواصل الحديث عن تحسين وسائل النقل العام في كربلاء، فإن التساؤل حول من ابتلع الحوت الأحمر، الذي يمثل مصلحة نقل الركاب في المدينة، يظل قائمًا بكل تأكيد.
يشير هذا التساؤل إلى الحاجة الملحة لمعرفة المسؤولين عن تلك القرارات والإجراءات، وتحملهم المسؤولية في ما يتعلق بتحسين وتطوير وسائل النقل العام.
مع تزايد التوتر حول هذه القضية، يبقى السكان ينتظرون تحقيق الوعود الحكومية، التي قدمتها السلطات المحلية لتحسين خدمات النقل العام وتوفير وسائل نقل موثوقة وفعالة، ويتطلب ذلك التعاون الجاد والجهود المشتركة بين الحكومة والمجتمع المحلي، وقطاع النقل لتحقيق تحسين شامل في جودة الحياة ورفاهية المواطنين في كربلاء.
ومع ذلك، فإن تنفيذ الوعود الحكومية يتطلب وقتًا وجهدًا، وقد تواجه تحديات مختلفة على طول الطريق. ولذلك، يجب أن يظل الضغط والمطالبة بالتحسينات والتغييرات اللازمة مستمرين، لضمان تلبية احتياجات وتطلعات المواطنين وتحقيق التقدم والتنمية في مجال النقل العام في كربلاء.