ساعة الحرب بين {إسرائيل} وحزب الله قد أزفت

قضايا عربية ودولية 2024/03/10
...

 ستيفن أي كوك
 ترجمة: أنيس الصفار

بات من المرجح الآن أن حرباً سوف تنشب بين حزب الله وإسرائيل في غضون الأشهر الستة أو الثمانية المقبلة.
من المهم أن تكون لدى المعنيين رؤية واضحة بهذا الشأن ما أمكن، لأن جميع المقالات التي تناولت هذا الموضوع حتى الآن تقريباً تعلن أن حزب الله وإسرائيل لا يريدان الحرب. هذا النوع من التحليل يستقرئ المستقبل مستنداً إلى الظروف الراهنة، ولكن التطورات في الشرق الأوسط تتسم بديناميكية عالية. لذلك من الحكمة أن يعيد المحللون والمسؤولون الحكوميون النظر في افتراضاتهم ويحدّثوا توقعاتهم.

ضبط النفس
لا ريب أن إسرائيل وجماعة حزب الله المتمركزة في لبنان قد أبقتا حدود المواجهة بينهما حتى الآن دون عتبة الحرب الشاملة، وفضلتا أسلوب الفعل ورد الفعل ضربة بضربة لدى تعاملهما مع الاستفزازات المختلفة. بيد أن ضبط النفس هذا لا يعني أن حزب الله أو إسرائيل محجمان عن الحرب، بل الأصح هو أن قيادة حزب الله ومثلها القيادة العليا للجيش الإسرائيلي تواجهان حالياً جملة من المقيّدات التي فرضت حتى الآن كوابح حالت دون انفلات الصراع وخروجه عن السيطرة. لكن لا ينبغي أن يركن أحد إلى أن هذه العوامل – كالحسابات الستراتيجية لدى الزعماء الإيرانيين، وعزم إدارة بايدن على تفادي حدوث صراع إقليمي، والنتائج التي ستفرزها الحرب في غزة، لاسيما موقف حماس، وكذلك السياسة الأميركية – سوف تبقى تحدُّ من احتمالات الصراع لأمد أطول. بل أن هذه الكوابح قد بدأت ترخي قبضتها منذ الآن.
يستند الادعاء القائل بأن حزب الله لا يريد الحرب إلى ادعاء آخر أبعد مرمى مفاده أن إيران نفسها تخشى وقوع صراع بين حليفها وإسرائيل. المنطق الجدلي الذي تقوم عليه هاتان الحجتان قاهر وقوي، ومفاده أن حزب الله قد غدا في السنوات الأخيرة قوّة طليعة متقدمة للحرس الثوري الإيراني، ناهيك عن أدوار مهمة أخرى في دعم حكومة بشار الأسد في سوريا والإشراف على تدريب الحوثيين في اليمن.

قوة قاهرة
بيد أن حزب الله كان أولاً وقبل أي شيء عنصراً أساسياً من عناصر الردع الإيراني، حتى من قبل أن يصبح ذراعاً للحرس الثوري الإسلامي .. وهو لا يزال كذلك. فهذه الجماعة، بما تملك من قوة صاروخية تربو على 100 ألف صاروخ، تعدُّ سلاح الضربة الثانية الإيرانية. فإذا ما هاجمت إسرائيل والولايات المتحدة برنامج إيران النووي سوف تنزل ترسانة حزب الله بالمراكز السكانية في إسرائيل ضربات ماحقة. آية الله علي خامنئي والقادة الإيرانيون الآخرون أشدُّ تفانياً في الحفاظ على نظامهم الإسلامي، رغم كل تصميمهم على تدمير إسرائيل، وهم غير مستعدين لأن يفقدوا قدرة الردع التي أودعوها في يد حزب الله.
مع ذلك ليس من الصعب أن نتصور حلول لحظة يقرر الإيرانيون فيها إرخاء القيود التي تمسك حليفهم الرئيسي. وكما أوضح زعيم حزب الله حسن نصر الله في خطبته التي ألقاها في مطلع شهر كانون الثاني بمناسبة إحياء ذكرى وإنجازات قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الذي اغتالته الولايات المتحدة بضربة نفذتها طائرة مسيرة في أوائل العام 2020، فإن الإيرانيين قد انفقوا قدراً عظيماً من الوقت والطاقات والموارد في تطوير ما يسمى “محور المقاومة”.

محور المقاومة
حزب الله جزء مهم من هذا المحور، ولكنه ليس وحده في ذلك بل حماس أيضاً. رغم وجود احتمال بالتوصُّل إلى وقف للقتال في الأسابيع المقبلة يبقى الإسرائيليون مصممون على اعتقال قادة حماس أو تصفيتهم لجعل الجماعة عاجزة عن أن تشكل تهديداً منتظماً لإسرائيل. فإذا ما بقي الجيش الإسرائيلي على تصميمه بتحويل أهدافه هذه إلى حقيقة واقعة سوف يختار الإيرانيون على الأرجح رفع الكوابح التي تمسك قوات نصر الله على تقبُّل هزيمة حماس. ويبدو أن هذا اليوم قد أزف.
إن تكن إيران قد قيّدت اندفاع حزب الله فإن الولايات المتحدة قد فعلت الشيء نفسه مع إسرائيل. فإدارة بايدن كانت ثابتة على موقفها بخصوص مسألتين تتعلقان بحرب غزة: الأولى هي وجوب إلحاق الهزيمة بحركة حماس، والثانية هي ضرورة تجنّب نشوب حرب بين إسرائيل وحزب الله. حيث أوردت التقارير أن وزير الدفاع الأميركي “لويد أوستن” قد نقل في شهر تشرين الثاني الماضي مخاوف فريق بايدن إلى وزير الدفاع الإسرائيلي “يواف غالانت” في محادثات صريحة أجراها معه. كما دعا الرئيس الأميركي “جو بايدن” رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتانياهو” إلى عدم توسيع الحرب لتشمل لبنان. الواضح من ذلك هو أن المسؤولين الأميركيين يعتقدون أن الحرب بين حزب الله وإسرائيل لن تلبث أن تتحول بسرعة إلى صراع إقليمي أعم، وأن الولايات المتحدة قد تجد نفسها فيه طرفاً بمواجهة إيران.
مخاوف الإدارة الأميركية تكمن وراءها دوافع منطقية، بيد أن قدرة الرئيس الأميركي على التحكُّم بكيفية تعامل الإسرائيليين مع مشكلة حدودهم الشمالية تتضاءل، والسبب في ذلك هو أن الحكومة الإسرائيلية قد عملت على إجلاء ما يقدر بـ 80 ألف إسرائيلي من البلدات الواقعة في الشمال كإجراء احترازي تحسباً لاحتمالات تطور الموقف إلى حرب واسعة. هذا الجزء من البلد لم يعد يصلح للسكن وفقاً للمنظور الإسرائيلي، وسيادة إسرائيل عليه في الوقت الراهن ليست مؤكدة، وهذا ببساطة ما لا يمكن أن تتقبله الحكومة الحالية – أو أي حكومة إسرائيلية غيرها – ولذلك يتطلب الموقف رداً قوياً.

مساعٍ دبلوماسية
لكن نظراً لكون الإسرائيليين منشغلين الآن بغزة لم يروا بُدّاً من الاستجابة على مضض للمساعي الدبلوماسية التي قادتها الولايات المتحدة وفرنسا. رغم ذلك لم تطرح واشنطن أو باريس خطة من شأنها إرضاء الإسرائيليين أو حزب الله، فالإسرائيليون يطالبون حزب الله بالانسحاب إلى نهر الليطاني، الذي يبعد نحو 30 كيلومتراً عن الحدود اللبنانية الإسرائيلية، انسجاماً مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701 للعام 2006، وهو مطلب يرفضه حزب الله.
حزب الله من جانبه يطالب إسرائيل بخفض حجم قواتها عند الحدود، وهو ما لن يفعله الإسرائيليون، لاسيما بعد أحداث 7 تشرين الأول 2023. مع مرور الوقت تثبت الدبلوماسية أنها جهد ضائع، وإذا ما تمكن الاإسرائيليون من تحقيق النصر في غزة فسوف يحولون اهتمامهم لمعالجة المشكلة الأمنية في الشمال. إنها قضية وجود بالنسبة للإسرائيليين، لأن الحرب مع لبنان مرجّحة الوقوع خلال الربيع أو الصيف المقبلين رغم كل تمنيّات البيت الأبيض. القيد الأخير الذي يُعيق إسرائيل هو الخلل الوظيفي في الكونغرس الأميركي. فنوع الحرب التي تخوضها إسرائيل الآن، رغم كونها لا تمثل الحالة العامة، قد جعلها معتمدة اعتماداً حاسماً على الولايات المتحدة. لا شك أن إسرائيل تمتلك قاعدة للصناعات الدفاعية المتطورة وبنى عسكرية متقدمة، لكن حربها الحالية التي جاءت رداً على هجوم حماس في 7 تشرين الأول تمثل خروجاً جوهرياً على العقيدة الثابتة التي دأب عليها الجيش الإسرائيلي والتي تدعو إلى شنِّ حروب قصيرة مدمِّرة تُخاض على أراضي العدو.

تعويض أسلحة
الإسرائيليون الآن بحاجة إلى تعويض مخزوناتهم من أسلحة معينة نظراً لتطاول أمد الصراع في غزة ودخوله شهره الخامس. وعندما يحين أوان المواجهة مع حزب الله سيحتاج الجيش الإسرائيلي إلى مزيد من الأسلحة دقيقة التوجيه التي سيكون لها الدور الحاسم في تحييد مواقع الإطلاق التي يشنُّ منها حزب الله هجماته وغيرها من المواقع الحساسة. لن يتمكن الإسرائيليون من الحصول على هذه الأسلحة دون حزمة المساعدات التكميلية التي لا تزال قابعة في كابيتول هل، وهذا يعني  أن العمليات العسكرية الكبرى التي تدور في رأس غالانت لإقصاء حزب الله عن الحدود الإسرائيلية لن يمكن تحقيقها .. في الوقت الحاضر على الأقل.
أقرَّ “رون ديرمير” وزير الشؤون الستراتيجية الإسرائيلي بشيء من هذا مؤخراً. ففي إطار إيضاح الحاجة إلى مساعدات أمنية أميركية قال الوزير: “نظراً لأهمية الأمر نضع نحن أيضاً خططنا، ولنتذكر جميعاً أننا لا نتعامل مع جبهة واحدة، فنحن لسنا نتعامل مع حماس في الجنوب فقط، بل نتعامل مع حزب الله في الشمال أيضاً”.  
بيد أن الكونغرس، في مرحلة ما، سوف يلملم شتات نفسه ثم يمرّر مشروع قانون التمويل، لأن إسرائيل لا تزال تحظى بالشعبية في كابيتول هل، وتشير عدّادات الأصوات إلى أن المساعدة الأمنية لإسرائيل، في حال تساوي الأمور جميعاً، يجب أن تكون بمثابة تفويض تشريعي. ولكن، حتى المبادرات والتشريعات التي تحظى بشعبية واسعة لا مفرَّ لها من أن تعلق بين سكاكين الاستقطاب وسياسات القوة والخلل الوظيفي التشريعي العام، شأنها شأن أي شيء آخر في كابيتول هل. المساعدات الإسرائيلية، وهي ليست مثار جدل نسبياً، مشتبكة ومتداخلة حالياً مع المساعدات الأوكرانية، التي تعدُّ أكثر إثارة للجدل إلى جانب ارتباطها بأكبر مباراة كرة قدم سياسية في الولايات المتحدة، وهي أمن الحدود. معنى هذا أن الإسرائيليين سوف يضطرون للانتظار ريثما يتمكن القادة المنتخبون في واشنطن من فصل القضيتين الأخريين اللتين تزدادان تعقيداً عن بعضهما في عام الانتخابات الرئاسية. بيد أن الكونغرس لابد أن يتحرك في نهاية المطاف، ومتى ما حدث ذلك فسوف يسقط آخر قيد عن الإسرائيليين. من المتوقع أن تكون العمليات العسكرية الرئيسة التي ينفِّذها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة قد انتهت في ذلك الوقت، وهذا سيسمح للقوات بتحويل كامل تركيزها واهتمامها إلى حزب الله.

دلائل على الأرض
تشير الدلائل على الأرض كلها إلى أن الحرب واقعة حتماً مع تراخي القيود عن حزب الله وإسرائيل. فالهجمات المتبادلة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي أخذت تزداد جرأة وتصيب أهدافاً أبعد عمقاً داخل أراضي الطرف الآخر. وفي الفترة الأخيرة ضرب الإسرائيليون منطقة وادي البقاع بعد أن أسقط حزب الله طائرة مسيَّرة إسرائيلية. قبل ذلك أرسل حزب الله طائراته المسيرة إلى منطقة الجليل الأسفل في حين قصفت القوة الجوية الإسرائيلية مستودعات للسلاح في منطقة صيدا التي تبعد بنحو 50 كيلومتراً عن بيروت.
لقد بذل المسؤولون الأميركيون والفرنسيون جهدهم محاولين تجنُّب الحرب، ولكنهم أخذوا يكتشفون بأن ما من حلٍّ دبلوماسي للعلاقة بين حزب الله وإسرائيل، خصوصاً بعد أن تعهَّد القادة الإسرائيليون بتغيير قواعد اللعبة بين إسرائيل ومحور المقاومة. لذا، أما أن يوجِّه نصر الله الأمر إلى قواته بالتحرك إلى شمال نهر الليطاني، أو أن يرغمهم الجيش الإسرائيلي على التراجع. حزب الله سوف يقاوم، ومن المستبعد عندئذ أن يكون هناك سبيل لدرء الحرب.  

• عن مجلة “فورن بولسي”