الثُلاَثَاءات والعناصر الأربعة

منصة 2024/03/12
...

  يارا محمود

بالاحتفال بأيام الثلاثاء قبل قدوم عيد نوروز أو النيروز (عيد الربيع) بهدف التوكيد على ضرورة العيش في انسجامٍ مع الطبيعة والتوعية بالصلة التي لا تتجزأ بين العمل بجد ودورات التجديد الطبيعيَّة للحياة.
يُحتفلُ في العديد من الدول بعيد نوروز بوصفه بداية سنة فلكيَّة جديدة، الاحتفال به قائمٌ منذ أكثر من 3000 سنة في آسيا الوسطى وحوض البحر الأسود والبلقان والشرق الأوسط والقوقاز وفي مناطق أخرى.
تداول الناس الاهتمام بالعناصر الأربعة - الماء والنار والرياح والتراب ونظموا احتفالات مختلفة بمناسبتها. لذلك ربط الآذريون كل ثلاثاء خلال هذه الفترة بعنصر طبيعي وبدأوا بتأدية هذه الطقوس قبل حلول عيد الربيع بأربعة أسابيع.
طبقاً لمعتقدات عيد نوروز، يسهم هذا العيد في تجديد العناصر الأربعة التي تنعش الطبيعة (الماء، والنار، والرياح والتربة). لذلك تقام الاحتفالات على مدار أربعة أسابيع قبل يوم 21 آذار/ مارس. أكدت سيڤدا من هيئة آثار المدينة القديمة أهمية التحضيرات التي تسبق استقبال عيد نوروز، إذ يتم الاحتفال في أبرز المناطق التاريخية، وتخصص تلك الأماكن بتنسيق حكومي كما يُطلق على هذا الشهر في أذربيجان "الشهر الرمادي".
وترتبط أيام الثلاثاء من هذا الشهر بعنصرٍ من عناصر الطبيعة، وبهذا ترسخت في عادات الناس "معتقدات الثلاثاء".
واضافت بحسب التصنيف المتداول في الاعتقاد الشعبي، أنَّ "أول أيام الثلاثاء للماء والماء العنصر الأول من هذه العناصر الأربعة التي تنتعش في الربيع، الماء رمز الصحة والبركة تذوب الثلوج لتغذي مياه الانهار والجداول وتجرى أعمال التعمير والترميم في أحواض المياه وتقام فعاليات مختلفة متعلقة بالماء. يذهب الناس في الصباح الباكر إلى الأحواض المائية او الى النهر ويغسلون وجوههم وأيديهم ويتحدثون عن أمنياتهم. والفتيات يضعن الماء المأخوذ من النهر أو الجدول في الصواني اللامعة ويقرأن الطالع فيه. ويتم إلقاء الخواتم في الماء وهكذا يمكن معرفة وقت زواجهنَّ على أساس كم مرة يسمع صوت جلجلة الخاتم في الصينية.
وتضيف "بعد ذلك تطبخ الأكلات الشعبية احتراماً لأرواح الأموات في كل بيت وتتم زيارة القبور ووضع الأزهار . مع غروب الشمس في ساحة واسعة توقد شعلات كبيرة يتبادل الناس الأمنيات ويقبلون الهدايا".
وتشير "في ثاني أيام الثلاثاء تقام احتفالات النار.. تعود روابط النار مع عيد نوروز إلى عهودٍ قديمة يرجع تاريخها إلى الزرادشتية القديمة، ومن طقوسها الشهيرة القفز فوق النار، لأنَّ هناك اعتقاداً في أنهم عندما يقفزون من فوق النار، فإنَّهم يتخلصون من الأمراض، العقبات والصعوبات التي تواجههم عن طريق إلقائها في النار أثناء القفز".
وتتضمن هذه الاحتفالات الرقص الشعبي الجماعي حول النار للاحتفال مع العائلة والأصدقاء، وهناك تقليدٌ مرتبطٌ باحتفالات النار يعرف بإلقاء القبعة (ويجب ألا ترجع القبعات بعدما تلقى على الأبواب فارغة) عند سماع الشخص الواقف خلف باب المنزل كلاماً طيباً من أصحاب البيت، فهذه إشارة إلى تحقيق أمنيته. أما الأطفال فيقومون برمي القبعات (باباغاتدي) ويقرعون أبواب الجيران أو الأقارب ويتركون قبعاتهم ويختبئون بانتظار الحلويات والمعجنات والمكسرات التي تُحضر خصيصاً لعيد نوروز.
وثالث أيام الثُلاثاء للرياح، الربيع موسم معروف بهبوب الرياح. يحرك الرياح الماء والنار بعد انتعاشهما.
عبرت إيلنارا كمال وهي ربة منزل من أهالي منطقة ياسمال عن خصوصية تحضيرات استقبال عيد نوروز: "اعتدنا وتربينا على هذه العادات، إذ  لا بُدَّ من القيام بأعمال التنظيف ظهراً في المنازل وأفنيتها، نقوم بتهوية البيوتات وتنظيف الأثاث والمفروشات وتحضير انواع من الحلويات والمعجنات، الترتيب والتنظيف ينتهي مع غروب الشمس أما في المساء فيتم إعداد الأكلات المحلية، وتوقد الشعلات في باحات المنازل. ويذكر الناس ما يتمنونه قبل القفز من فوقها".
تضيف "في أذربيجان نحتفلُ بشكل مهيب في يوم الثلاثاء الأخير، يمكنكم رؤية شُعل النار في جميع الأماكن، وتقدم على الموائد أنواعٌ مختلفة من الأطعمة والفاكهة، يتصارع البهلوانيون ويقيمون العروض الكوميدية المضحكة في الشوارع والأماكن العامة".
أما الثلاثاء الأخير للتراب أو الأرض يوم الاعتدال الربيعي، فتنتعش التربة وتكون حرارتها جاهزة لزراعة النباتات كما تزهر خلالها الأشجار ويبدأ فصل الربيع. تبدأ الطقوس بالذهاب في الصباح الباكر إلى الحوض المائي والاغتسال بالماء النقي الجاري مع القفز من فوق الماء، ثم يرشون الماء في فناء البيت. كذلك يطبخون في آخر أيام الثلاثاء سبعة أنواع من الأكلات الشعبية ويصبغون البيض و يجهزون "حلوى سماني".
تعدُّ أذربيجان من البلدان القليلة التي يمكن رؤية العناصر الأربعة للطبيعة فيها. ففيها بحر قزوين الذي يشير إلى عنصر الماء وجبل ينارداغ المعروف بشعلاته النارية في إشارة إلى عنصر النار، ومنطقة كوبوستان التي تعدُّ من أقدم المناطق التاريخية ويشار لها بعنصر التراب والعاصمة باكو التي يرمز لقبها فعلياً إلى أنها مدينة الرياح. في كل عام خلال الأسابيع الأربعة الأخيرة قبل عيد نوروز، يكرّس كل يوم ثلاثاء للاحتفال بهذه العناصر.
أوضحت خالدة ممادوفا من معهد الفولكلور الاذربيجاني مكانة عيد نوروز في الثقافة الأذربيجانية: نوروز عيد قديم يجسد في ذاته صحوة الطبيعة وتساوي الليل والنهار وبداية موسم الزراعة والربيع، ويعدُّ مثالاً لوحدة التراث الثقافي ولتقاليد تعود إلى قرون عديدة، له دور مهمٌ في تعزيز الروابط بين الشعوب على أساس الاحترام المتبادل ومُثل السلام وحسن الجوار فضلاً عن التأثير الإيجابي في الجوانب الثقافية والتاريخية لحضارات الشرق والغرب من خلال تبادل القيم الإنسانية".
وتربط الأبحاث العلمية نشأة عيد نوروز بالعصور القديمة أي العصر الذي عاش فيه زردشت، ويذكر العلماء أنَّ عمر هذا العيد يتراوح بين 3700 - 5000 عام. وقد ورد في الكتب القديمة "أن النيروز أو النوروز هو عيدٌ للخير والأمان والنار، بجانب وجود مقولة "النيروز بداية الصحة والرفاهية". ولم يتعرض هذا العيد على مر العصور لأي تأثير ديني.