طفلي غير ذكي

منصة 2024/03/13
...

 سريعة سليم حديد    


ليس من الغرابة أن يولد طفل ذكي، ولكن من المؤسف ألا يلاقي الاهتمام الكافي لرعايته وإنماء بذرة الذكاء لديه؛ فقد تظهر على الطفل بعد عمر الثالثة قدرات كثيرة منها: القدرة على الحفظ والتمييز والتقليد وسرعة التشكيل وممارسة المهارات اليدويَّة المتنوعة التي تميزه عن أقرانه، وهذا ما يسمّى بقابلية الاكتساب.

من منطلق الاهتمام بتوجيه الرعاية والحب والانتباه لطفل يحتاج إلى من يأخذ بيده نحو تحقيق رغباته وميوله وقدراته، آثرنا الخوض في هذا الموضوع وخاصة أن الله سبحانه وتعالى خصَّ الأولاد في العديد من آيات القرآن الكريم؛ ومنها: «ربنا هَبْ لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعينٍ واجعلنا للمتقين إماما»، إذاً فالأولاد هم قرة الأعين؛ من هنا نلمس حسن التوجيه الأخلاقي والتحبّب العميق للأولاد، مما يدعو إلى أن يكون الوالدان قدوة حسنة لأبنائهم، عبر تقديم كل ما يحتاجون إليه، وخاصة من حب وحنان واهتمام.

يلاحظ الوالدان نشوء طابع الفضول عند الطفل، فهو كثير الأسئلة، ويحاول أن يعرف كل ما يثير في ذهنه الغرابة والتساؤلات. كذلك هو دائم الاستفسار عن أشياء جرت في الماضي، وربما تتعلق بموضوع محدد، لأنه ما زال يعيش في مخيلته. حتى الطفل الرضيع يمكن له تمييز نبرة الغضب من الفرح حيال محدثه؛ لذلك نراه يبكي ويضحك. كذلك يلاحظ على الطفل الذكي إثبات حضوره القوي عند وجوده بين عدد من الأطفال، فيبرز شخصيته وكأنّه سيد الجلسة. كما يظهر جانباً من المعاندة وفرض رأيه، ولا يفضل أن يلعب بممتلكاته أي طفل، ويتسم بكثرة الحركة والكلام وسرعة الحفظ وقلة ساعات النوم. وميوله للعب مع من يكبره.

أيضا يلاحظ على الطفل أنه يبدع بشكل لافت في مجال معين، أو أكثر من مجالات المعرفة المختلفة، كأن يبدع في تعلم الموسيقى بسرعة أو فك وتركيب بعض الألعاب التي تحتاج إلى مهارة، بل وإلى مختصين، كذلك يمكن أن يبدع في مجال الرسم أو النحت وما شابه ذلك.

ووفقاً لبعض آراء علماء النفس، فإنه كلما كانت الأم كبيرة في السن ازداد ذكاء طفلها، وهذا يعود إلى تغيرات تحدث في المادة الوراثية التي يكتسبها جنينها، وخلاف ذلك، كلما كان الرجل المنجب للطفل كبيراً في السن، قل احتمال تطور طريقة تفكير الطفل بشكل طبيعي، مما يزيد من انخفاض نسبة ذكائه. وفي هذا الأمر وجهات نظر مختلفة.

هناك من يولي طبيعة الأم النفسية وما تعانيه من توتر وقلق في انخفاض ذكاء الطفل، فالمرأة التي تتوفر لها حالة نفسية مريحة أثناء الحمل تنعكس بشكل إيجابي على طريقة تفكير الطفل ومن ثم ذكائه، كما أن حصول الطفل على الاهتمام والحنان والحب من قبل الأم يلعب دوراً كبيراً في تطور ذكائه، مقارنة بالأطفال الذين لم يتلقوا الحب الكافي لسيرورة حياتهم. فضلا عن الأدوية المختلفة التي تتناولها الأم أثناء الحمل، كأدوية الصرع، ويمكن لتلوث الهواء المشبّع بالرصاص أن يكون له الدور المهم في تراجع مقدرات الطفل الفكريَّة.

لقد وجد الباحثون أن الأطفال الذين يتعرّضون إلى السمنة خلال عامين من ولادتهم يكون أداؤهم المعرفي في اختبارات الإدراك والذاكرة ومعدلات الذكاء أقل ممن هم يمتازون بالوزن الطبيعي، فالسمنة المفرطة، تعد خطراً قد تشكله على صحة جسم الطفل مستقبلاً.

كما وتعد التغذية الجيدة التي يحصل عليها الحنين أولاً، ومن ثم بعد ولادته ثانياً، عاملاً مهماً في نشوء طفل ذكي، يمتلك قدرات معرفية متطورة.

أكدت العديد من البحوث أن تعرض الطفل للجروح الناتجة عن إصابات الدماغ، تؤثر في الوظائف المعرفيّة، وينعكس ذلك على سلوكه حسب شدة الإصابة. علماً أنّه من المعروف أن جمجمة الطفل إذا ما تعرّضت لأي رضٍّ نتيجة السقوط أو الاصطدام، فلديها ميزة بأنّها تتعافى في وقت قصير، ويرجع هذا لطراوتها ومرونتها، ولكن قد تظهر التأثيرات مستقبلاً. من هنا يعد الطفل الذي تعرض لصدمة الجمجمة أقل ذكاء وتفاعلاً مقارنة بالطفل السليم.

 هناك من يعد أنّ الذكاء صفة وراثيّة فضلا عن أنه مكتسب أيضاً. فالعوامل البيئية والثقافية والاجتماعية التي يعيش وسطها الطفل، لها الدور الواضح في تطور ذكائه بشكل عام. فالبيئة هي المحرض الأكبر على تقدم ذكاء الطفل وتوسعه، وكلما كانت البيئة المحيطة بالطفل فاعلة ومتطورة وناشطة ازداد ذكاؤه، لأنه بدوره سوف يقوم بطرح الأسئلة والاستكشاف واكتساب المعرفة، مما ينمي النشاط الذهني لديه، على عكس الطفل الذي يملك قدرات عالية، لكنه في بيئة فقيرة معرفياً، فتبقى تلك المقدرات كامنة، وربما تصاب بالتلف لعدم تنشيطها. 

هناك العديد من الأمور من شأنها أن تنشط قدرات الذكاء لدى الطفل، وتجعله أكثر ناشطاً وتفاعلاً في مجالات التعليم خاصة، منها: أن تتاح للطفل ممارسة الألعاب التي تنشط تفكيره، كاللعب بالمكعبات أو الشطرنج أو الألعاب التي تحفزه على المعرفة الحسابية أو حفظ جدول الضرب وغير ذلك. بالمقابل تقليل ساعات استخدام الجوال بالنسبة للطفل علماً أن بعض الألعاب لها دور كبير في تنمية ذكاء الطفل، وبالمقابل هناك الكثير منها لها مخاطرها الجسيمة على صحة الطفل النفسية والجسدية، وهنا تأتي مهمة الأهل في خلق التوازن المفيد بالنسبة لأنواع اللعب الإلكتروني، وانتقاء المناسب للطفل.

من المهم البحث عن هوايات الطفل وتحفيزها؛ وخاصة الهوايات اليدوية كالرسم والنحت وتطبيق بعض الألعاب، وإتاحة الفرصة له لفك بعض الأجهزة البسيطة التي يبدي رغبة في إصلاحها، وتأمين بعض الأدوات اللازمة من أجل اختراع قد يطرح فكرته.

 كما يمكن تدريب الطفل على القراءة، فهي تفتح له المجال واسعاً للاطلاع بنفسه على اكتساب المعلومات وبسرعة.

من شأن تعلم الطفل العزف على أي آلة موسيقية أن يحفز ذكاؤه، وينشط ذاكرته، ويعلمه الدقة في التلقي وتطبيق ما يحفظه بشكل راسخ، فضلا عن العناية به من حيث الغذاء المتكامل وبكميات مناسبة، واختيار الطعام الصحي البعيد عن المنكهات والملونات الصناعية، وعدم تناوله المعلبات والمواد التي تحتوي على زيوت مهدرجة، وما إلى ذلك؛ هذا ما يجعل الطفل في خانة السلامة، ويوفر له نشوء ذهن صافٍ وفكر جيد وذكاء واسع؛ وكذلك العناية به من الناحية النفسية بإحاطته بالحب والحنان والاهتمام والثناء والمرح والتفاؤل والضحك والبهجة..

إنَّ ذكاء الطفل محكوم ضمن بيئة معينة تتطلب العناية والحب والاهتمام والثقافة؛ فلا قيمة لمقدرات عقليَّة خاملة؛ لكن القيمة لمن يحفز تلك القدرات؛ ويفتح لها طريقاً واسعاً نحو النور.