بين انتعاش الحركة الشرائيَّة وارتفاع معدلات هدر الطعام

منصة 2024/03/14
...

 بغداد: نوارة محمد

يأتي شهر رمضان ومعه تأتي مظاهر الإسراف الاستهلاكي غير المعهودة لدى العائلات، والتي تصل إلى مستويات قياسية، اهتمام الأسر بالمائدة الرمضانية المبالغ فيه حالة بلغت أقصاها، حتى أن بعض الأغذية  تتحول إلى {كنز} يجب الحصول عليه قبل حلول شهر الصيام، الأمر الذي فسره البعض تغيير في العادات الاجتماعية، وعده آخرون تجسيدا لحالة التعويض عن الجوع النفسي والحرمان، وانعكاس التفاخر والزيف المظهري الذي يشهده العالم.
تقول أميمة رحيمة إن "مظاهر هدر الطعام والإسراف والاستهلاك تعبَّر عن التغيير الطارئ في العادات الاجتماعية والتقاليد، ويكشف هذا أيضا عن الزيف المظهري الذي يجرد الشهر الفضيل من عمقه الروحي ويحوله إلى مناسبة لإقامة الولائم والموائد التي تضم أصنافاً مختلفة من الطعام"، موضحة "حتى بات من الطبيعي أن ترى خروفا مشوياً يُقدم لأربعة أشخاص، ومائدة تكفي لخمسة آخرين يبلغ طولها عشرة أمتار ما لذ وطاب!".
وتظن رحيمة أن هذه الرفاهية قد أتاحت لكثيرين فرصة التعويض عن الجوع النفسي، الذي عاشوه خلال فترات سابقة من حياتهم".
وتتابع أن "مظاهر الإسراف لم تقتصر على الولائم العملاقة في البيوت، بل تعداه لتناول وجبات السحور والفطور في المطاعم والفنادق، مما شكل عبئاً إضافيا على المواطن، حتى أن بعض السيدات تخصص هنداما وأزياء خاصة تدفعها لشراء العباءات الخليجية و(البشتات) لممارسة طقوس الشهر الفضيل خارج المنزل، وإقامة جلسات تصوير خاصة بتوثق ذلك".
ويعزو الباحث الاجتماعي خالد أكرم سبب تتغير عادات الطعام لدى المجتمع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية، وهي سرعان ما واجهت هزات قيمية نتيجة العولمة، التي أسست لقيم سلوكية جديدة وعادات تستجيب لتلك التغيرات، كما وتؤثر البنية المتوارثة على مختلف الأصعدة، وتقع عادات تناول الطعام المنزلي في مقدمتها، هذه الكثرة في تقدميه والتلذذ بالهدر أمر عكس هذه التغييرات.
ويقول أكرم إن "من هنا صارت الكثير من العائلات تستسهل  جلب الطعام بـ (الدلفري) من المطاعم، أو تذهب إليها لتناول الوجبات البسيطة بأسعار خيالية، وبات من الطبيعي أيضا أن يلجأ احدهم للقرض لتغطية فاتورة المواد الغذائية والاستهلاكية".  
وفي السياق ذاته أشار الباحث والخبير الاقتصادي الدكتور ميثم لعيبي إلى أنه "ووفقا لقانون العرض والطلب، فشراء هذه الكميات الكبيرة من الأطعمة، خلال فترة زمنية قصيرة، يؤدي إلى ارتفاع أثمانها".
وهذا السلوك الشرائي المتزايد، بحسب لعيبي، يؤدي إلى خلق حالة غير متوازنة في حالة البلاد الاقتصادية نتيجة تدهور القدرة الشرائية مع ارتفاع الأسعار ونُدرة المواد الاستهلاكية، حين يرتفع الطلب على هذه المواد.  
ويلقي أحمد كريم باللوم على وسائل الإعلام التي رسخت ثقافة الاستهلاك، ويقول: يحدث ذلك نتيجة إعلانات المواد الغذائية وبرامج الطبخ الذي يعده كثيرون محتوى يقدمه في منصات التواصل الاجتماعي.
وتشكو أم أحمد، وهي أم لأربعة أبناء، ارتفاع أسعار السلع في الأسواق خصوصا مع استغلال بعض التجار موجة الغلاء في تحقيق مكاسب كبيرة، لاسيما أن العائلة لا تكتفي  بطهي طبق رئيسي واحد في الوجبة الواحدة، "وهم يطالبوننا بأصناف متعددة.  تتعدد الأصناف وتزداد الولائم". لكن التساؤل الأهم من هذا كُله، هل تنتهي أزمة الاستهلاك الغذائي وينتهي الجوع النفسي لدى هؤلاء الشرهين، أم إننا سنرى خروفا مشويا على الرز يتقابل عليه شخصان؟