القصص المصوّرة.. وعي الأطفال بأهميَّة البيئة

منصة 2024/03/17
...

 ترجمة: رضا الأبيض 

للسنوات الأولى من العمر أهمية بالغة في تمكين الطفل من اكتساب اتجاهات وسلوكيات إيجابيَّة ترافقه طيلة حياته تجاه البيئة. فالأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة فضوليّون وشغوفون بالبحث والتساؤل، ولذلك فهم دائما ما يطرحون الأسئلة عن التغييرات التي يلاحظونها حولهم.

إنَّ الاهتمامات والمواقفَ التي تظهر خلال فترةِ ما قبل المدرسة تشكّل أساس السلوك المرغوب فيه في المستقبل. ولذلك فإنّ الأحكامَ والمواقف القيميّة التي يتم تطويرُها خلال مرحلة الطفولة والشباب تعدّ ضروريةً لتنمية حبّ الطبيعة والتعاطف معها منذ سن مبكرة.

ومن المؤكّد أنّ المشكلات البيئيّة سوف تتقلّصُ في المستقبل إذا تمّ تثقيفُ الناس منذ الطفولة المبكرة وتنمية الوعي وتقديم اقتراحاتٍ مختلفة في هذا المجال. 

ويمكن لقضايا البيئية في هذه المرحلة المبكرة أن تأخذ، في البرامج، شكل مواضيع مثل "الهواء، الأرض، الحجارة، المعادن، المياه، المواد وموارد الطاقة، النباتات، والحيوانات والبشر والمجتمعات والهياكل والصناعة".

إنّ الأطفال في عمر ثلاث سنوات قادرون على أن يتعلموا السلوك الذي لا يضر بالبيئة، مثل عدم الدوس على الزهور. ويمكنهم اكتسابُ موقفٍ وقائيٍّ تجاه الحيوانات والنباتات في سن الرابعة، والوعي بأهمية النباتات والحيوانات في حياة البشر، ومن ثم التغلب على السلوك العدائي المحتمل. 

وفي سن الخامسة تقريبًا، يعرفون النباتاتِ والحيوانات الأكثر شيوعًا. ويمكنهم معرفة الأحداث التي تهدد حياتها، مثل حرائق الغابات وتلوث الهواء والماء الذي يسببه البشر. 

وفي سن السادسة، يكتسبون سلوكًا لحماية الطبيعة وموقفًا ودودًا تجاه النباتات والحيوانات المحيطة بهم. ويمكنهم إطعامُ الطيور في الشتاء ورعاية الحيوانات التي تحتاج إلى المساعدة، والالتزام ببعض القواعد، مثل عدم إحداث الضجيج في الغابة حتى لا يزعجوا الكائنات الحية، وعدم رمي القمامة وعدم إيذاء النباتات (Guler, 2010; Paprotna, 1998). والناظر في برامج التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة، يلاحظ أنها تغطّي هذه المفاهيم المتعلقةِ بعناصر البيئة وحمايتها بشكل مباشر أو غير مباشر.

إنَّ نشر كتب القصص المصورة picture story  للأطفال التي تغطّي موضوعاتٍ حول الطبيعة والبيئة والتي يمكن استخدامُها في برنامج التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة سيسهمُ في تحقيق مكاسبَ في هذا المجال. فهذه الكتبُ تقدّم من خلال محتوياتها تجاربَ جديدةً حول الأحداث المختلفة التي يمكن أنْ يواجهها الأطفالُ في الحياة الواقعيّة، وتوفر المعلومات الجديدة، وتبسّطُ القضايا التي تثير فضولَ الأطفال، وتركّز على ما يثير اهتماماتِهم ويشبعُ احتياجاتِهم.  

بهذه الطريقة، تُعرّف الكتبُ قرّاءها الأطفال بالعالم الذي يعيشون فيه. وتعمل كتبُ القصص المصورة، على وجه التخصيص، باعتبارها من أوّل الكتب التي يصادفها الأطفال في سن ما قبل المدرسة، كرُسل من العالم الخارجي. إنه من الممكن لهذه الكتبِ أنْ تغطيَ جميع قضايا العالم تقريبًا (Erdal, 2008; Gonen, 2005 Gonen, 1993; Gonen, 2009).

وإنّ أكبر ميزة لمثل هذه الكتبِ في هذه المرحلة من العمر هو محتواها المرئي. فالصّور تلعبُ دوراً كبيراً في حياة الأطفال وتعملُ على تعزيز معرفة الطفل بالبيئة، مما يخلق لديه شعوراً بالثقة.  والأطفالُ عمومًا يقومون بتقييم الكتب بناءً على ما فيها من صور. 

يمكن تصنيف الكتب المخصصة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنة وسبع سنوات تحت عنوان: "القصص المصوّرة". وهي كتبٌ تحتوي على الصور أكثر من النصوص (Gonen, 1989). 

في القصص المصوّرة، يتمّ سرْد قصة بسيطة أو حكاية خرافية بواسطةِ صور متتالية. ويتمُّ توظيفُ كلٍّ من النصوص والصور. وفي بعض الأحيان، قد لا يكون هناكَ نصٌّ. وفي الحالات التي يوجد فيها نصٌّ، فإنه يتكامل مع الصورة. 

إنّ الأعمال الموجهة إلى أطفال ما قبل المدرسة يجب أن تكون مصوَّرة بشكل جيد. ويجب أن تكون صورُها دالة بما يكفي لتحكي وحدها القصّةَ للطفل الذي لا يعرف بَعْدُ القراءةَ والكتابة. 

إنَّ مثل هذه الكتب تنهضُ بتطوير مهارات الطفل في التعلّم والإدراك والتفسير، وتساعده على معرفة بيئته وعلى تكوين علاقاتٍ معها وتطوير حساسيته أزائها.

ونحن إذا قمنا بدراسة تاريخ كتب الأطفال التي اهتمت بقضايا البيئة، وجدنا أنَّ أوّل كتاب قصصيٍّ مصوّر عن البيئة المتضررة قد صدر في الولايات المتحدة الأمريكية في أربعينات القرن الماضي، وهو كتاب عنوانه "البيت الصغير" من تأليف ورسم فيرجينيا لي بيرتون عام 1942. 

وليس من المستغربِ أنْ تكون أولى كتبِ الأطفال المصمَّمة التي تركز على المشكلات البيئيّة قد كتبتْ في "العالمين الجديدين": أستراليا  والولايات المتحدة الأمريكية. 

وبعد ذلك، لم يقع تناولُ قضية البيئة في قصص الأطفال المصوَّرة حتى الستّينيات. وفي عام 1977 تمّت الإشارةُ في اجتماع حكومي دولي عُقِدَ في تبليسي Tbilisi إلى أنَّ الطريقة الأكثر نجاعةً لمنع المشكلات البيئية هي "التثقيف البيئي"، وتمّ، وفقا لذلك، تطويرُ بعض الاستراتيجيات التي أسهمتْ، خاصة في النصف الثاني من السبعينيات، في ازدياد أعداد كتب الأطفال التي تتناول المشكلات البيئية. كما تمّ في تلك السنواتِ تخصيصُ أقسام خاصّة في كتالوجات كتب الأطفال ومعارض الكتب لهذه الأنواع من المؤلفات (Arslan, 1997; Guler, 2010; UNEP, 2010).

وحين نفحصُ كتب الأطفال التي تتناول البيئة من حيث القضايا، يتبيّن لنا أنها تنقسم إلى مجموعتين: مجموعة تقدّم البيئة، وثانية تبيّن الضرر الذي لحقها... والحقيقة أنَّ كتبَ الأطفال التي تتناول القضايا البيئية أكثر انتشارًا في البلدان المتقدمة. ومن أبرز هذه الدول الولاياتُ المتحدة الأمريكية وأستراليا والدول الإسكندنافية وكندا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا.. من حيث عدد هذه المطبوعات وخصائصها. فضلا عن ذلك توجد العديد من القصص والروايات المكتوبة من هذا المنظور للأطفال من سنّ 10 إلى 12 حول قضية البيئة. أما في بلادنا (تركيا) فمن النادر وجود دراساتٍ علمية مفصّلة تبحث في مدى اهتمام كتب الأطفال بالعناصر الطبيعيّة والبيئيّة...

إنّ الدراسة التي أنجزنا (على مدوّنة شملت ثمانين قصة مصوّرة منشورة بين عامي 1995 و2010) خلصتْ إلى أنّ الغالبية العظمى من الكتب التي تمَّ فحصُها عالية الجودة من حيث الخصائص الفيزيائية والمحتوى والقصة. ولاحظنا أيضا أنّ الكتبَ المتعلقة بالبيئة توجّه في الغالب إلى الأطفال في سن السادسة أو أكثر. ولكنْ، من أجل زيادة حساسية الأطفال تجاه البيئة، يجب، في تقديرنا، تأليف كتبٍ توجه إلى الأطفال دون سن السادسة. 

ولاحظنا أنّ معظمَ هذه الكتب هي عبارةٌ عن كتب مرجعيّة مصممة للتعريف بعناصر البيئة. إنّ تقديم الطبيعة والكائنات الحية من أكثر الموضوعات شيوعًا، ويتم تناولها باستخدام الشخصيات البشرية...

ويبدو أن الكتب التي تحتوي على عناصر بيئيّة يقع نشرها في الغالب عن طريق توبيتاك Tubitak (مجلس البحوث العلمية والتكنولوجية بتركيا). ولذا يجب أنْ يكون هناك التزامٌ بزيادة عدد كتب الأطفال عالية الجودة من خلال جهود واهتمام دور النشر الأخرى.

إنّ كتبَ الأطفال التي تتناول فترة الطفولة المبكرة يمكن أنْ تشكّلَ العواطف والأحكام القيميّة وأنماطَ الفهم، والتي تعدّ جزءا من الشخصية. وهكذا، يكتسب الطفلُ معرفة عن نفسه وبيئته، ويمكنه تنميةُ نوع من الأسلوب في التفكير، حسّاسٍ. 

إنّ أدب الأطفالِ يرتبط ارتباطا وثيقا بمستقبل الأمة. وعليه ، توجّب أنْ يتمّ ذلك بشكل يعبّر أكثرَ عن المشاعر الإيجابية وطرق التصرّف والقيم المجتمعيّة التي يجب تطويرُها لدى الأطفال من خلال الأعمال الأدبيّة (Erdal، 2008).

----