غزة والقتل العمد

قضايا عربية ودولية 2024/03/17
...

علي حسن الفواز



ما ترسله الفضائيات وأقمارها الصناعية من صور بشعة للعدوان على غزة، يكشف عن حجم الرثاثة السياسية التي تحكم العالم، وعن فشل قادة ما يسمى بـ"المجتمع الدولي" من ايقاف المجرم الذي يمارس جريمة بإشهارٍ فاضح، وكأنه يحظى بدعم هذا "المجتمع" الذي فقد توصيفه الاخلاقي، وحتى " القانوني" الذي يصطنع له قوة متعالية، لكنها غاشمة.

الصور فاجعة وصادمة، وثمة من يبحث عن حلٍ سياسي لتغطيتها، لكي يُخرج الكيان الصهيوني من مأزقه، ويظل هذا الحل وكأنه "سياحي" يقوم على صناعة ممرات جوية وبحرية، لكنها تحت رقابة "جند الاحتلال" وانتقائهم لما يعبر عنها، وبهذا فإن اللعبة تقوم على اعطاء اللص كلّ مفاتيح البيت..

الجهود الثقيلة التي تمارسها الولايات المتحدة تفصح عن منظورها الجيوسياسي للصراع في المنطقة، ولتحديد القوى الداخلة والمتورطة فيه، وعلى نحو يجعل من تلك "الجهود" وكأنها محاولات في الإنقاذ، رغم أن صيغتها تقوم على جرّ المنطقة الى المحرقة، والى خيارات صعبة ومعقدة، تنطلق من فكرة تكريس "المركزية الأميركية" للقوة، ولترسيم حدود النظام الدولي الجديد.

الصياغة السياسية لـ"العدوان" تذهب الى تحديد أمني وايديولوجي لهوية هذا العدوان، بعيداً عما  يجري من رعب، ومن كثافة في القتل العمومي، ومن تلويح بطرد شعبٍ كامل من ارضه، وتحت يافطة البحث عن "السلام الدائم" وعن الواقعية السياسية، دون النظر الى مصادر ترهيب هذا الواقع، وحجم التدمير الممنهج للحياة في مدينة غزة التي تحولت الى "جورنيكا" ثانية، ولا تحتاج الّا لمُغامرٍ مثل بيكاسو لكي يفضح الجريمة الدولية والصمت الدولي، ويكشف عن هول المذابح التي تصنعها الصهيونية تحت غطاء "دولي" لا يختلف عن ذات الغطاء الفاشي والنازي الذي اعطى لـ"فرانكو" مبرراً للقتل المفتوح لتلك المدينة الحالمة في الشمال الاسباني.

تبرير هذا القتل، والدعوة الى حلول ترقيعية تضع العالم أمام أفق غائم، وأمام قراءات صادمة، فما يحدث في غزة، سيحدث في "اوكرانيا" حيث يُستفَزُ الغرب كثيراً، لأنه يهددُ مركزيته، في الوقت الذي لا يكون ما يحدث في غزة مُهدداً لأي مركزية حاكمة سوى للشعب الفلسطيني، وللشرق الأوسط الذي تحول الى شرقٍ ساخن ومحارب ومهدد بالتشظي، وأحسب أن التصريحات التي اطلقها الرئيس الفرنسي ماكرون عقب مباحثاته مع الرئيس البولندي والمستشار الالماني قبل ايام تكشف عن هذا الهوس بصيانة المركزية، بالقول: "لكي نحقق السلام في أوكرانيا، لا يمكن أن نكون ضعفاء. وعلينا أن نقول بحزم وإرادة وشجاعة إننا مستعدون لاستخدام السبل الضرورية لتحقيق هدفنا، وهو منع روسيا من الفوز بالحرب".