علي لفتة سعيد
في المجتمعات التي تبحث عن استقرارها هي التي لديها قوانين قادرة على مسك الإجراءات التي تؤدّي الى تطبيق القوانين، لأن لا معنى للقانون بلا تطبيق ولا معنى للتطبيق إن تعدّدت مصادر الإجراءات وتغيّرت بين فترة وأخرى، تبعًا للوضع السياسي الذي يمرّ به البلد. وواحدة من أهم من مرتكزات الاستقرار المجتمعي هو الاستقرار السياسي، وواحدة من أهم مرتكزات الاستقرار السياسي هي العملية الحزبية أو التعددية الحزبية، التي تقوم على أساس استقطاب الجماهير لها على وفق منهجٍ ومنهاجٍ ورؤيةٍ وشعارٍ وأهدافٍ وسبيلٍ وتثوير عقلٍ وهي كلها تحتاج الى تأليف كتبٍ ودخول شخصيات تنظّر لهذا الحزب أو ذاك، ووضع خريطة طريقٍ من أجل الوصول الى السلطة، لطرح المنهج الذي تسعى لتطبيقه هذه الأحزاب التي لابد من امتلاكها للنظرية الواضحة والمفهومة والتي لها جذورٌ علميةٌ وتوعويةٌ لتطبيقها إذا ما وصلت الى السلطة.
لكن في المقابل نرى أن المجتمعات غير المستقرّة، هي المجتمعات التي تكثر فيها الأحزاب والحركات السياسية، سواء كانت هذه الأحزاب لها منهجٌ سياسيٌّ مدنيٌّ أو تتخذ من الأديان منهجًا لها وشعار لطرح أفكارها. بمعنى أن الرؤية الفاحصة لأيّ مجتمعٍ غير مستقرٍ هي حساب عدد الأحزاب التي تعمل على الساحة، ومن خلالها يمكن معرفة المنهج الذي تسير عليه، والغاية التي تسعى للوصول لها. لذلك نرى إن المجمعات التي عرفت هذه الحقيقة، وضعت قوانين للأحزاب والحركات السياسية، حتى لا تكون مجرّد واجهاتٍ للعمل السياسي الفئوي، ولا تؤدّي الى حصول صراعات بين الأحزاب، من خلال التنافس الذي يظهر على أشدّه في الانتخابات التي تطرح من خلالها الشعارات والبرامج الانتخابية التي لا يمكن التفريق بين برامج هذا الحزب أو ذاك من الناحية الشكلية، لكنها من العمق تريد الوصول الى السلطة لتطبيق أجندات الصراع السياسي. بل أن هذه الدول التي فهمت العملية السياسية وضعت في دساتيرها وقوانينها عدم التعددية الحزبية الفائقة عن الحاجة، ولا تسمح حتى لتناسل الأحزاب من رحم أحزابٍ أخرى، لأن هذا سيؤدّي إلى حصول صراعٍ مستقبليّ يؤدّي ليس فقط الى صراع الأحزاب بينها، بل إلى حصول مصادمات بين مؤيّدي هذا الحزب أو تلك الحركة، وهو ما يعني التأثير على الأمن الوطني أو القومي أو الاستقرار المجتمعي وأضعفها الاستقرار الاقتصادي وبالتالي حصول جرائم وضعف القانون والاحتيال على كلّ شيءٍ موجود في المجتمع. إن المجمعات المستقرّة فهمت هذه اللعبة السياسية، فلا تكاد توافق على حصول أكثر من حزبين متنافسين أو ثلاثة أو حتى أربعة في الكثير من الأحوال، وليس إلى وصول عدد الأحزاب والحركات إلى أكثر من 350 حزبًا وحركةً وتيارًا وتجمّعًا وفريقًا واتحادًا وغيرها من الأسماء التي تختلف في اللفظ وتتشابه في السعي الى الصراع وإبقائه، لأنه يعني بقاءها. ولذا فإن المعادلة تقول أن كثرة الأحزاب تبيّن أن المجتمع غير مستقرّ، وإن تصارعها للوصول الى السلطة يعني أن لا استقرار سياسي، وأن غياب المنهجية والمنهج والتخطيط والرؤية يعني أن كلّ تغيّرٍ زمني من خلال الانتخابات، لن تكون له فائدة، لأن النظرية الحزبية غائبة عن التفصيل السياسي وان وجدت فهي لا تخرج عن كونها منهج قومي أو ديني أو طائفي. ولهذا فان غياب قوانين الأحزاب مثلا يؤدّي الى تناسل الأحزاب واحدة من رحم الأخرى، من خلال الانشقاق الذي يؤدّي الى حصول صراعٍ بين طرفي أو أطراف الرحم الواحد. بمعنى أن الدول التي لها قانون الأحزاب يعني أنها دولٌ تسعى للاستقرار والعمل للخدمة العامة، وليس إلى المصلحة الشخصية، لهذا التجمّع أو ذاك، كما يحصل الآن بين الكتل السياسية التي تظهر بين فترةٍ وأخرى لتعلن عن تشكيل تجمّعٍ أو حزبٍ باسمٍ جديد، بل أن التجمعات التي أطلقت على نفسها اسمًا سرعان ما يتغيّر، وكلّ هذا لغياب العمل السياسي الرصين، فضلا عن غياب القانون الحزبي الذي يكون ضابطًا ويمنع عمليات التناسل غير الشرعي، وهو ما يعطي أن المجتمع سيبقى غير مستقر.