{نوستالجيا} رمضان زمان

منصة 2024/03/20
...

 غفران حداد

مع اقترب شهر رمضان من كل عام، تختلط على جيلي السبعينيات والثمانينيات، الروحانيات مع الذكريات في {نوستالجيا}، نظل نفتقدها حتى موعد آخر لرمضان جديد، نفتقد القيمة الفنيّة لأعمال استعراضية ودراميّة شكلت محور ذكريات الطفولة والصبا، وكأننا فقدنا أحبة رحلوا، نحلم بلقائهم مجدداً.
لا تزال الفضائيات العربية تبث قبل ساعات من آذان المغرب، ومشهد مدفع الإفطار القرآن الكريم بصوت الراحل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، هذا الصوت الملائكي الذي يأخذنا لذكريات روحانية وحنين إلى زمن فات!
حيث كنا نستقبل رمضان، بشراء الفانوس، وتعليق الزينة ونراقب أمهاتنا وهن يجهزن أطباق المائدة الرمضانيّة من بعد أذان الظهر، ولم تكن لدينا فضائيات لنتابع برامج ومسلسلات كثيرة، قناتان أرضية فقط تقدم أعمالا قليلة، ولكنها قيّمة وهادفة تليق بالأسرة العربية الشرقيّة المحافظة.
وقبل أذان المغرب بدقائق قليلة تطرق أبواب المنازل في الحي، فكل أمّ تقدم لجارتها طبق مما قامت بطبخه إن كان صحن التمر ودورق لبن، أو صحن من البقلاوة والزلابية ولا يعود الصحن فارغاً، بل مليئاً من خيرات وبركات الشهر الفضيل.
رغم أن فن الفوازير بدأ في الإذاعة أولاً على يد الإعلامية سامية صادق في عام 1958، وقدمته الإعلامية آمال فهمي في العام التالي، لكن الفكرة انتقلت إلى التلفزيون، وقدمت بين الاستعراض والدراما والغناء، ابهارا كبيرا جذب المشاهد العربي بمختلف الأعمار، حيث لم يكن موجودا استعراض اغاني الفيديو كليب، التي اصبحت تقدم استعراضات مشابهة، لتبدأ فوازير رمضان تلفزيونياً عام 1961 على يد ثلاثي أضواء المسرح "سمير غانم- جورج سيدهم - الضيف أحمد"، وقدم فهمي عبدالحميد وسمير غانم فوازير "فطوطة" بشخصية محببة لجيل بأكمله.
وتوالت الأعوام حتى احتكرت الفنانتان «نيللي وشريهان» في عقدي الثمانينيات والتسعينيات ساحة الفوازير، بل سيطروا على قلوب الجمهور المصري والعربي، لدرجة رفضهم اي فوازير قدمها أشخاص آخرون غيرهم.
حتى اختفت الفوازير من خريطة رمضان، وعلى الرغم من كثرة الأسماء، التي قدمت الفوازير في الأعوام الماضية، إلاَّ أنَّ أحدًا لم ينجح في أن يرتبط اسمه بها.
ومع حلول شهر رمضان، يتبادر إلى أذهان الجمهور سؤال عن سبب اختفاء الفوازير من الساحة الفنية، هل تغير الأذواق العامة للمتلقين، أم نتيجة فشل تجارب أحبطت صنّاع هذا النوع من الأعمال؟ ليبقى الحنين لهذا الفن من دون حلول سوى متابعة الأعمال المستهلكة لتمضية ساعات السهر بعد الإفطار.
وعلى الرغم من تضاعف عدد الأعمال الدراميَّة، في كل موسم رمضاني في الأعوام الأخيرة، لكنها لم تروِ ظمأ وجدان  الباحث عن أعمال مميزة على غرار مسلسلات «رأفت الهجان» ،"المال والبنون"، وملحمة ليالي الحلمية، الشهد والدموع،  وغيرها، ولم يقتصر الأمر على مجرد حنين جيل الكبار لفن العصر الذهبي، فقد خطفت هذه الأعمال المعروضة عبر منصة "اليوتيوب" انتباه جيل الشباب، وبعضهم يشاهد هذه الأعمال للمرة الأولى، لأنها كانت تتناول علاقات الأسرة، والحب والزواج بشكل مبسط، وهي أمور يفتقدها الجمهور الآن في ما يراه من أعمال درامية يدور معظمها حول علاقات
معقدة.
لو نتبحر اكثر عن أسباب النوستالجيا أو الحنين إلى الماضي للأعمال القديمة، سنكتشف أن كتّاب السيناريو في الماضي محترفون على عكس الآن حيث أصبح كل من هبّ ودب يكتب اعمالا سريعة لأجل تصويرها قبل شهر من حلول شهر رمضان وتقدم للمشاهد، وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي سبباً في شهرة هذا وذاك، من دون وجود قيمة وجودة لما قدم ، حين نتذكر خلود مسلسل «لن أعيش في جلباب أبي» للنجم الراحل نور الشريف سنعرف ان من اسباب نجاحه أن قصة العمل للأديب الراحل إحسان عبد القدوس وسيناريو مصطفى محرم وأما مسلسل "الشهد والدموع" كتبه الراحل أسامة أنور عكاشة، وغيرهما من كلاسيكيات التلفزيون، التي تعتمد على بناء درامي قوي وحكايات شعبية اجتماعية ملحمية، وشخصياتها مرسومة بعناية، والأداء الدرامي لها شديد الجاذبية، ولهذا نجد مثلاً شخصيات هذه الأعمال حية حتى الآن.
يظن البعض أن النوستالجيا لبرامج رمضان زمان جاء من فراغ، بل لأن ما يقدم اليوم، معظمه أعمال ٌمستهلكة في الإعداد والتقديم، حين نتابع بعض برامج المسابقات الترفيهية اليوم، والاسئلة الساذجة والتقديم الثقيل لمقدم البرامج البعيد عن اسلوب الترفيه سندرك جيداً لماذا المشاهد العربي يحن لبرنامج "من غير كلام"، تقديم الفنان الراحل حسن مصطفى، وكذلك برامج الفكاهة والضحكات، وعلى رأسها "الكاميرا الخفية" للراحل إبراهيم نصر، و"اديني عقلك".