دراما شهر الصيام.. تكرار المواضيع والأفكار

منصة 2024/03/20
...

 حيدر علي الأسدي

يبدو أن الموسم الرمضاني "الدرامي" منذ بدايته يوحي الى إفراز العديد من الأعمال، التي تعد حلقة متواصلة من المواسم السابقة، من حيث طريقة الاعداد وكمية الإنتاج وطريقة انخراط الممثلين بهذه الأعمال وحتى اختيار مواقع التصوير. فالدراما الرمضانية مثل كل عام تجتر موضوعاتها "الواقع الاجتماعي بكل تناقضاته" و"الكوميديا اليومية العابرة"، فضلاً عن النزر اليسير من "التقاليد والتراث التاريخ" فالموضوعات هي ذاتها تكرر نفسها بخاصة في ما يتعلق بنسخ الأجزاء المتسلسلة من هذه الأعمال "الجزء الثاني أو الثالث.. الخ)، وكذلك نسق البرامج التي أصبحت ضمن شكل قالبي معين من حيث الإنتاج والتقديم وطرح الموضوعات، والتي بعضها لا يتسق مع تطلعات مشاهد.
هذا الموسم كسابقاته، فالبلدان المسيطرة على الدراما هي المصرية والسورية، وفي الخليج السعودية والكويت، وكذلك العراق بغزارة الإنتاج وكمية الأعمال المقدمة على قنوات فضائية مختلفة -مع تحفظي على طريقة التسويق البدائية لتلك الأعمال- إذ فهي في مجملها تأخذ طابع الصبغة الاجتماعية في طروحاتها الموضوعية. وفي العراق مثلاً، لدينا العديد من الأعمال وكمية هائلة من الإنتاج هذا العام، حتى أن القناة الرسمية انتجت العديد من الأعمال، التي تعد سابقة كمية فريدة كما فعلت قنوات القطاع الخاص، وهذه الوفرة علامة إيجابية رغم أن هناك هنات وسلبيات في اختيار الممثلين والأخطاء الاخراجية وتكرار الموضوعات البكائية، موضوع ألم الإنسان وأزماته في ظل كل هذه التناقضات. وربما غياب الجانب التاريخي في تلك الأعمال -على الأقل حسب مشاهداتنا لهذا العام- ماعدا عملا أو اثنين في مصر، وأيضا شكل هذا العمل جدلاً واسعاً حتى الآن وأقصد "الحشاشين" بسبب لغة تحدث شخصيات هذا المسلسل التي اثارت لغطاً بين الأوساط الفنية المتخصصة،  وكذلك مسلسل "عالم الست وهيبة"، والذي عرض جزءه الأول قبل عشرين عاماً، والذي كانت موضوعاته -آنذاك- اجتماعية، والعمل في ذلك الوقع من أروع الاعمال الدرامية التوعوية ضد المخاطر الصحية لتعاطي المخدرات، وضد كل السلبيات التي تتنافى مع صحة الإنسان. ولكن ظهر الجزء الثاني لينحرف مسار جوهر الموضوع إلى ايحاءات سياسية، تبتعد بالموضوع من اطره الاجتماعية الى مسارات سياسية وربما ايدولوجية. أما مسلسل "خان الذهب" الذي حقق نجاحاً في جزئه الأول، فقد عمد مخرجه إلى أن يعيد الأموات في الجزء الثاني بذرائع عدة، وهكذا في عمل "وطن" وغيره من مسلسلات ذات مشاهد بانورامية كوميدية، بقيت تكرر ذات الموضوعات الكوميدية، ومنها النقد الاجتماعي، والتهكم السياسي الساخر من الأوضاع العامة في البلد، ماعدا الاستثناء في المسلسل الدرامي "العائلة X "، والذي امتاز بالواقعية أو تقديم العمل بطريقة السهل الممتنع، التي عودنا عليها المخرج علي فاضل.
في الأعمال الخليجية يبقى الطابع الاجتماعي لبنية عائلية هي المهيمنات الرئيسة لنسق العمل الدرامي منذ السابق وحتى هذا الموسم، ربما لأن أغلب مشكلات المجتمع الخليجية هي اجتماعية في بنية منظومة العائلة، لذا تنعكس القراءة الدرامية كمحاكاة لهذه الأزمات. أما ما يلفت الانتباه ورغم كل الظروف والأحداث، إلا أن الدراما السورية حاضرة بقوة هذا العام في "مسلسل تاج، ولاد بديعة، مال القبان، اغمض عينيك، العربجي"  وتحضر قيمة المرأة بقوة في تلك الاعمال مثلما تفعل الدراما اللبنانية الذي يشكل حضورها بدرجة أقل من السورية. الملفت هذا العام حضور كتاب جدد على الساحة الفنية، وكذلك كاتبات ومخرجون شباب وأصحاب تجارب جديدة، وهذا الأمر يستحق التشجيع والثناء في ظل تسيد العديد من الكتاب والمخرجين، وحتى الفنانين على الساحة العربية لسنوات، ولكني استغرب كيف تغيب على مخرجينا وقنوات الإنتاج العديد من الملامح الجميلة التي كتبت كروايات وحصلت كوقائع في منطقتنا العربية، فلا اعرف لماذا لا يفتش المخرجون عن الروايات المكتوبة التي قد تتحول لعمل درامي يستحق المشاهدة إلا ما حصل مع مسلسل "إمبراطورية ميم" المأخوذ من رواية "إمبراطورية م" للروائي المصري إحسان عبدالقدوس، وكذلك في تراثنا وتاريخنا العديد من المضامين، التي تستحق أن تجسد سواء على مستوى المتعة الجمالية أو التنمية والتربية.