{تمبكتو} الأسطورية.. كنوز وحضارات

منصة 2024/03/24
...

جبريل فابوري كروما *

يرى بعض المؤرخين بأن حضارة {تمبكتو}  بدأت في أوائل القرن الحادي عشر، معبرا للقوافل التجارية.  ثم ازدهرت لاحقا في التجارة كأحد المراكز الأفريقية القديمة للثقافة الإسلامية. ويرى البعض الأخر معالم حضارتها أقدم من ذلك بكثير، حيث بدأت من فترة ما قبل التاريخ. وتقع تمبكتو، المدينة الفاتنة، في قلب دولة مالي الحديثة، غرب أفريقيا، على الحافة الجنوبية للصحراء، عن بعد ثمانية أميال شمال نهر النيجر.

حيث تم تأسيسها في القرن الثاني عشر من قبل البدو الطوارق، وتعتبر واحدة من الأقاليم الإدارية الثمانية في دولة مالي المعاصرة.
لقد  تأسست مدينة "تمبكتو" الأسطورية كمركز تجاري في غرب أفريقيا قبل ثمانية قرون "800 عام". لقد كانت منذ أكثر من 600 عام، مركزًا دينيًا وثقافيًا وتجاريًا كبيرًا، سافر مقيموها إلى البلدان الأفريقية المجاورة لاكتساب المعرفة والمشاركة في الأنشطة التجارية. إذ كانت "تمبكتو" في تلك الفترة في أوج تطوره التجاري والفكري، حيث اجتمع هناك تجار من ليبيا والجزائر والمدن الأخرى في شمال أفريقيا لشراء الذهب والعبيد في مقابل الملح الصحراوي في تغازا ولأقمشة شمال أفريقيا والخيول.

حضارة المدينة
تكمن مساهمة "تمبكتو" الشهيرة في الحضارة الإسلامية والعالمية أحيانًا في منحتها الدراسية والكتب التي دونت ونُسخت هناك، إذ بلغ عدد علماء المدينة الذين درسوا في مكة ومصر حوالي 25000، ولم يكن لتألق جامعة "تمبكتو" مثيل في جميع دول إفريقيا جنوب الصحراء وكانت معروفة في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
يعتقد أن "تمبكتو" تأسست في القرن الثاني عشر الميلادي من قبل الرحال  الطوارق. ورغم ذلك، فإن التاريخ البشري في منطقة "تمبكتو" أعمق من تاريخ تأسيسها استناداً على العمل الأثري الذي قام به معظم الخبراء في المنطقة، تم اكتشاف أن المجتمع الحضري الكبير كام في منطقة "تمبكتو" ما قبل التاريخ استمر منذ حوالي 1500 عاما (500 قبل الميلادي، وألف عام بعد الميلادي) لفترة أطول من العديد من حضارة العالم الأقدم المعروفة.
أجريت أول دراسة أثرية من قبل المستعمر الفرنسي في عام 1950 في إقليم أزواد. وقد أدى البحث إلى اكتشاف آخر مواقع العصر الحجري على طول ضفاف النهر من الأدوات الحجرية وبقايا الإنسان والحيوان والحراب والأواني الخزفية.
وفي عام 2009، تم إجراء بحث جديد في قسم الأنثروبولوجيا بجامعة ييل الأمريكية، الذي يهدف إلى تطوير كرونولوجيا السيراميك والأواني الخزفية، ووضعها في سياقها المكاني والزماني الصحيحين ما قبل التاريخ في منطقة "تمبكتو". كشفت نتيجة البحث عن وجود بيئة استيطانية منظمة فيها. ويعتقد أن أنماط هذا الاستيطان تمثل توسعًا مدنيًا ربما يتميز بعلاقة التسلسل الهرمي، بحيث أخذت هذه المستوطنات شكل رواسب "التلة القديمة" كل منها محاطة بعشرات من المواقع الفضائية الصغيرة.
استناداً إلى نتائج علماء الآثار في "تمبكتو"، أصبح جليا بأن ظهور الكثافة السكانية وحضارة المدن الحضرية بدأ في الألفية الأولى، أو حتى الثانية  قبل ميلاد المسيح في تلك المنطقة القاحلة التي تبلغ مساحتها 170 ألف كيلومتر مربع، من دون تأثير خارجي أو تحفيز من البحر الأبيض المتوسط أو مصر. إذ كان تطور "تمبكتو" واحدا من أكثر الملحوظات الاجتماعية استدامة في العالم القديم.

قيمة الذهب والكتب
 تمَّ تداول العديد من السلع في "تمبكتو" بدءا من القماش والملح والذهب والعبيد والكتب العلمية المكتوبة والمنسوخة.  إن الحقيقة الأكثر إثارة للدهشة هي أن الكتب كانت أغلى سلعة قيمة في "تمبكتو" وقد لاحظ الرحالة والجغرافي والمؤرخ والطبيب، أبو علي، الحسن بن محمد الوزَّان الفاسي الزيّاتي، المعروف بـ "ليون الإفريقي- "Leo Africanus  ذلك رحال القرن السادس عشر الذي كتب في كتابه "يتم شراء وبيع مخطوطات الغواصين أو الكتب المكتوبة باللغة البربرية مقابل أموال طائلة  أكثر من بضائع أخرى".
عرفت هذه الكتب باسم "مخطوطات تمبكتو" كانت كنوزا خاصة لأحقاب مديدة تغطي هذه المخطوطات مجموعة واسعة من الموضوعات مثل الطب وعلم الفلك والرياضيات ، على سبيل المثال لا الحصر. كتبت بعضها باللغات المحلية بما فيها  لغة سونغاي وتماشيك، لكن معظمها كانت مكتوبة باللغة العربية. جذبت انتباه العلماء والباحثين والمتهمين بالحفاظ على التراث العالمي والسلطات المحلية والإقلمية  إلى العناية بها  وإدراجها في قائمة التراث العالمي كما فعلته منظمة اليونيسكو.
ويمكن اعتبار ذلك دليلاً على وجود عميق للحضارة الإسلامية والسعي إلى البحث عن المعرفة الإسلامية في التاريخ الأفريقي، تم اشتقاق نمط النصوص العربية المستخدمة في "تمبكتو" في النهاية من الأشكال الكوفية والحجازية للكتابة العربية المطورة في العراق والحجاز خلال القرنين الثامن والتاسع.
تم كتابة العديد من النصوص ونسخها في "تمبكتو" في تلك الأثناء، استورد علماؤها الكتب من جميع أنحاء العالم الإسلامي. ساهم الباحثون العائدون من الحج الدراسون العلوم الاسلامية في مراكز  الاسلامية الأخرى، ونسخوا المخطوطات بأيديهم  ساهموا في زيادة مجموعات مخطوطات "تمبكتو" على مر القرون.
نظام الحكم
خضعت "تمبكتو" لسلسلة من الأنظمة الإفريقية والكولونيالية الأوروبية. ففي عام 1468، تم احتلال المدينة من قبل حاكم سونغاي سوني علي لثلاثين عاما. وقد وصف بأنه كان طاغيا، حيث كان يكره علماء المدينة، وأراد التخلص منهم نهائيا . وبعد سقوط حكمه، خلفه أسكيا محمد (1493- 1528) ليكون أول حاكم امبراطورية سونغاي  يتخذ مستشاريه من الفقهاء والنخبة العلمية. وفي عام 1591، غزا المغرب المدينة مما أدى إلى انهيار "تمبكتو" وقد تم القبض على علمائها في عام 1593 بتهمة تحريك الناس للثورة ضد المغاربة. قُتل بعضهم أثناء النضال، بينما نُفي البعض الآخر إلى البلدان المجاورة.  بالتالي، تقاطر المستكشفون الأوروبيون إلى "تمبكتو" في أوائل القرن التاسع عشر، وفي عام 1826 وصل غوردون لينغ  [ Gordon Laing] الاسكتلندي إلى تربة "تمبكتو"  ليكون أول مستكشف أوروبي يصل إليها، ثم  تلاه المستكشف الفرنسي رينيه أوغسطو كايلي [ Rene Auguste Caillie ] عام 1828. كان هذا الفرنسي على علم بالإسلام ويستطيع  التواصل مع الناس باللغة العربية، وأول غربي يعود إلى أوروبا بمعلومات واسعة عن "تمبكتو"، ومكانها ومكانتها إمكانياتها العلمية والمالية.
في عام 1853، وصل اليها الجغرافي الألماني هاينريش بارث خلال رحلته الإفريقية،  التي دامت خمس سنوات. الف كتابا في وقائع سفره لاحقا . استنادًا إلى المعلومات التي قدمها المستكشف الفرنسي حول ثروات "تمبكتو"، احتلت الكولونيالية الفرنسية المدينة عام 1894.  وانتهكت حرمتها ونهبت ثرواتها كنوزها، ولم يتم وضع بنية تحتية.
في عام 1960 استقلت جمهورية مالي عن فرنسا، فأصبحت "تبمكتو" جزءا من مالي الحديثة. وهي الآن مركز إداري لإقليم الشمال. وفي أواخر التسعينات، تضافرت الجهود لأجل الحفاظ على المساجد الثلاثة الكبرى في المدينة التي كانت مهددة بالتصحر وتمديد الرمال، وبسبب الاضمحلال العام. وأكبر وأدهى من ذلك كله، عندما سيطر متمردو الطوارق المدعومون من المقاتلين الإسلاميين على الجزء الشمالي من البلاد في عام 2012.
وأخيرًا، تشير المخطوطات في "تمبكتو" التي تغطي كل مجالات ترقى بالبشرية إلى مستوى عالٍ من الحضارة، التي حققها  الإنسان الغرب الإفريقي خلال العصور الوسطى والفترة الحديثة المبكرة.

كاتب سوداني