انعدام فرص العمل.. مقبرة الحرية والأحلام

منصة 2024/03/25
...

 بغداد: نوارة محمد 


تصدير نماذج فاشـلة من العلاقات الزوجيَّة وتبني فكرة الاستقلالية، فضلا عن الصورة المشوّشة التي يحملها كثيرون في أذهانهم عن مفهوم  الارتباط، أسباب جعلت فكرة الزواج مرفوضة بين شُبان الجيل الجديد، وهذه المفاهيم التي سادت في الآونة الأخيرة تلاقي الرواج الكامل بين شريحة كبيرة من الشباب والشابات.

تقول مرام العلي إنها: ليست مُستعدة لهذا المشروع ولديها الكثير مما تطمح الوصول اليه قبل أداء وظيفة التكاثر والإنجاب. وتعتقد أن هذه القضية معقدة بالنسبة لها والأمر شائك حتى "أنني أتساءل كيف لي أن أجد شريكا مناسبا لهذه الرحلة الطويلة بعقد دائم وأبدي، لا سيما أننا نعاني من جوع عاطفي يتحكم بمصائر الشباب وهم يعتقدون أنهم وجدوا حُب حياتهم!" 

وتبين لـ "الصباح": ربما لأن النساء الكبيرات يجدنني جميلة فيحاولن ايقافي في الأماكن العامة وسؤالي عن "أصلي وفصلي" وهن يعتقدن أيضا أن الأفكار البدائية القديمة في استدراج الفتيات بهذه الطرق لطلب الزواج لا تزال قائمة في المجتمع، وأنني يمكن أن أقبل الزواج من ابن لا اعرفه ولا صلة لي به لمجرد أنه يكسب بشكل جيد، وربما تخلصني من لقب العنوسة الذي يلاحق كثيرات.  

وتعود مرام التي بلغت الـ 28 عاما وتتابع: ما أزال صغيرة أمام هذا القرار الكبير، ولا يزال هناك مُتسع في العمر لأجد الشريك المناسب لهذه الرحلة، "عمر السالم يعد العامل الاقتصادي سببا في ارتفاع نسبة العنوسة وهو أحد أهم أسباب التي تقف عائقاً في استعداده " من يعمل بأجر يومي أو أعمال مؤقتة غير مستعد لهذه الخطوة تماما لاسيما أن كلفة الزواج في العراق تصل الى خمسة عشر مليون تقريباً، فضلا عن ازدياد متطلبات الزواج عن السابق، مما شكل عبئا كبيرا على كاهل الشباب وأسرهم.

وتضيف: أن "معظم الشباب الذين يحملون شهادات جامعيَّة اليوم عاطلون عن العمل، وحتى إن وُجد عمل أو وظيفة حكومية فالرواتب لا تكفي لسد احتياجاته اليوميّة الخاصة فماذا عن الإنجاب والشراكة!" .

وفي هذا السياق ذاته، تعرب سارة موسى التي تعمل في شركة أثاث عن أسفها وهي تقول: إنَّ "خوف الأمهات من العنوسة مدمّر وأنا أشفق عليهن، لأنَّ الزمن معهن لم يتغير، وأنّهن يعشن في عالم لا تزال أكبر هموم النساء فيه كيفية العثور على شريك للتزاوج والإنجاب، وهُن دائما قلقات بشأن بويضات فتياتهن التي تقل بعد كل فترة حيض".

وتضيف: سمعت من زميلاتي المتزوجات إنّه فخ كبير، ومقبرة الحرية والأحلام، وهذا ما أخشاه في حياتي.

يبرر أحمد عبد الكريم سبب عزوفه عن الزواج بالحالة الاقتصادية والمادية التي يعاني منها مثل الكثيرين، من شُبان جيله. 

ويقول: إنّ "الحصول على الوظيفة أصبح مثل معجزة في هذه البلاد، وتكاليف الزواج والحصول على منزل خاص أمر في غاية الصعوبة في هذه الأيام، فضلا عن رعاية الأبناء وتعليمهم والإنفاق عليهم، أسباب كهذه تؤدي إلى انهيار العلاقة فكيف أُسس لبناء أسرة صحيحة وانا لست قادرا على تحمل هذه المسؤوليات".

ويرجع خُبراء النفس أسباب العزوف عن الزواج الى المشكلات النفسية التي مّر بها جيل التسعينيات على وجه التحديد وتعد الحروب التي عاشها هذا الجيل وما بعده سبباً في خلق توتر نفسي وصراعات كثيرة لا يزال أثرها واضحاً على طريقة عيش هذه الشريحة الكبيرة.  

من جهته، يقول اخصائي الطب النفسي الدكتور عباس عزيز الخياط: يخزن جيل كامل في أذهانهم صورة الحرب وهي تظهر بشكل غير مباشر كردة فعل تؤثر في حيواتهم، هذا الخوف المستمر لا يزال يمنع كثيرين من اتخاذ قرارات كبيرة وتردد تجاه الإقدام على خطوة الزواج خوفاً من المصير نفسه.

ويضيف الخياط: إلا أن الامر بالنسبة للنساء يبدو مختلفاً، فغالباً ما يكون الزواج مرتبطاً بالمخاوف من الفشل أو التعرض للخيانة، إذ لا تؤمن مثل هؤلاء النساء بإمكانية وجود حب طويل وسعيد ويتوقعن من دون وعي أن النهاية حزينة أو أنها ستنتهي بخيبة الأمل من شريكهن، كما أنهن يخشين فقدان شخصيتهن وفرصة إثبات ذاتهن كزوجات ناجحات إذا تزوجن وهذه المخاوف هي أيضاً عقد نفسيّة من نوع آخر.