فصول من قصة بوتين في قيادة روسيا الاتحادية

قضايا عربية ودولية 2024/03/25
...

• جواد علي كسار

عندما دخل الكرملين رئيساً مؤقتاً للمرّة الأولى في اليوم الأول من عام 2000م، كان فلاديمير وفيتش بوتين في الثامنة والأربعين من عمره، وهو ما لم يألفه الكرملين بعد أن سجّلت تجربته التأريخية في العادة، صعود العجائز وندرة وصول الشباب إلى قمة السلطة.

ليس هذا وحده، بل يُضاف إليه الغموض الكبير الذي يكتنف خلفية هذه الشخصية وعدم معروفيتها، فقصارى تجربة الرجل الوظيفية أنه عمل ضابطاً في جهاز (كي. جي. بي) على عهد الاتحاد السوفيتي قبل انهياره، ثمّ وجوده مستشاراً ومساعداً لرجل سان بطرسبورغ القوي أناتولي سوبتشاك (ت: 1 شباط 2000م) المدينة التي تنافس موسكو برمزيتها وإرثها التأريخي، قبل أن يتحوّل إلى واحدٍ من مكتشفات بوريس يلتسين (1931 - 2007م) ومن مخترعاته وصنائعه، عندما اختاره في البداية رئيساً لجهاز الأمن الفدرالي (FSB) البديل عن (K. G. B) ثمّ رئيساً للوزراء في آب 1999م، قبل أن يتبوأ مكانه رئيساً ثانياً لروسيا الاتحادية، بعد أن أعلن يلتسين عن استقالته من الرئاسة في الليلة الأخيرة من سنة 1999م، لتبدأ قصة الرجل الذي مكث نحو ربع قرن في قيادة الجمهورية الثانية، من دون أن يلوح في الأفق ما يعكر صفو استمراره على رأس السلطة حتى عام 2030م على الأقلّ، كما كشفت عن ذلك نتائج الانتخابات الأخيرة بين 15 - 17 آذار الحالي.

نظرية سد الفراغ

لا أحد كان يشك بالقدرات الهجومية وروح المبادرة والاندفاع، التي تحلى بها مؤسّس جمهورية روسيا الاتحادية ورئيسها الأول بوريس نيكولايفيتش يلتسين، يشهد على ذلك تصديه الشجاع لانقلاب الشيوعيين المتمردين على ميخائيل غورباتشوف (1931 - 2022م) في 18 آب 1991م، إذ لم يدم الانقلاب سوى ثلاثة أيام حتى قضى عليه يلتسين بنجاحه تحشيد أهالي موسكو وإنزالهم إلى الشوارع، وتصدره شخصياً لمواجهة الانقلابيين، وهو الأمر الذي كان من نتائجه المباشرة استقالة غورباتشوف من الحزب وحل اللجنة المركزية بتأريخ 23 آب، بعد يومين فقط من فشل الانقلاب.

كما كان يلتسين وراء الانقلاب السياسي في 8 كانون الأول 1991م، بتوقيع وثيقة إنشاء الكومنولت على أنقاض الاتحاد السوفياتي، ما أدّى في النهاية إلى استسلام غورباتشوف وإذعانه للأمر الواقع، وهو يسلّم يلتسين الحقيبة النووية ويعلن عن استقالته، ليكون إنزال العلم الأحمر عن الكرملين ورفع العلم الروسي في الليلة الأخيرة من سنة 1991م، إيذاناً بموت الاتحاد السوفياتي رسمياً، وبدء عصر روسيا الاتحادية؛ ولتكون لغورباتشوف فضيلة تفكيك الأول، وليلتسين فضيلة إنشاء الثانية.

لكن مع ذلك كانت روسيا تعيش فراغ التحوّل؛ وملابسات المرحلة الانتقالية من تفكك الاتحاد السوفياتي وانهياره، إلى بناء الدولة الوريثة؛ روسيا الاتحادية. من علائم هذا الفراغ على مستوى قمة الهرم السياسي، هو قلق يلتسين وأنه ناجح في الهجوم والهدم، فاشل في البناء، إذ سجّلت السنوات الثماني من حكمه تغيير رئيس الوزراء (7) مرّات، والنائب العام (6) مرّات، ومدير جهاز الأمن الفدرالي (7) مرّات، ووزير الخارجية (3) مرّات، ما يكشف عن أزمة عميقة وعزوف عن بناء الدولة، وإن همّ صاحبها هو العيش في الحكم والاستمرار في السلطة، عبر لعبة التغيير الدائم، تماماً كمن يراوح في مكانه عبر الحركة في النقطة نفسها، بينما كان همّ الشعب الروسي وهاجسه في هذه المرحلة البحث عن الزعيم القوي والدولة القوية، وعن بطل ومنقذ يُنجيه من قلقه، ويأخذ بيده.

بوتين الليبرالي المنفتح

ربما كان عالم الاجتماع الروسي يوري ليفادا (1930 - 2006م) هو خير من عبّر عن هذا القلق الوجودي والخوف الذي عمّ الروس، وهم يخرجون من الاختناق والاستبداد والحياة في ظلّ الحزب الواحد وأجهزته الأمنية القامعة، إلى فضاء الحرية ويبحثون عن الملاذ الآمن، عندما كتب في كتاب صدرت طبعته عام 1999م، ما نصه: «لم يسبق أن رأى أيّ باحث، المجتمع الروسي في هذه الحالة... كلّ المخاوف والمشاعر التي كانوا يكبتونها ويصبرون عليها، ظهرت إلى السطح فجأة، وانكشفت الطبقة المخبّأة من وعينا»، (روسيا بوتين، ص 55).

هذا الخوف لاسيّما وقد اقترن بصعود المافيات وغياب الأمن الاجتماعي، وانهيار اقتصادي جرف روسيا مع عام 1998م؛ تحوّل إلى ما يشبه البيعة أو التأييد العريض لبوتين في الانتخابات الرئاسية الأولى في 26 آذار 2000م، عندما استطاع أن يزيح منافسيه الشيوعيين والقوميين والديموقراطيين الليبراليين معاً، ويتقدّم عليهم باكتساح 52% من الأصوات، في انتخابات تنافسية حقيقية وشرسة، إذ ما كان يهمّ الإنسان الروسي بحسب عالمي الاجتماع ليف جودكوف (معاصر، ولد: 1946م) وبوريس دوبين (1964 - 2014م) سوى الانحياز إلى مظاهر القوّة وقد تجلّت بوضوح في طلعة بوتين الشاب وشخصيته، بالمقارنة مع سلفه الهزيل يلتسين وقد أكلته الشيخوخة والعجز من كلّ جانب، وذلك ضمن رأي عام غالب كان يتطلع إلى قوّة النظام، وبهذا كان الانتخاب الرئاسي تصويتاً من أجل الاستقرار، بحسب تعبير الباحثة المتميّزة ليليا شيفتسوفا، مؤلفة كتاب «روسيا بوتين» (ص: 103).

باختزال ربما لا يُعدّ جامعاً مانعاً بالمعنى المنطقي، كان بوتين في تلك اللحظة خليطاً من مكوّناتٍ ثلاثة؛ هي العادات السوفياتية إذ أخذ من الماضي السوفياتي ثقافته السلطوية المركزية وتقاليده النسقية المغلقة، لكن من دون الشيوعية؛ ثمّ الخلفية الاستخباراتية الناشئة عن عمله ضابطاً في الـ(كي. جي. بي) ومن بعدها رئيساً لجهاز الأمن الفدرالي الروسي، ولم تزل هذه البرهة من حياته محاطة بشيء غير قليل من الغموض، لاسيّما طبيعة عمله في ألمانيا، لكن المهمّ أنه تعلم منها أن يكون رجل الظل الصبور، وأن يكون وراء رئيس يحتمي به، وأن يتقن أداء ما يُعهد إليه من مهمّات؛ وأخيراً النزعة الليبرالية المنفتحة التي جاءته متأخرة، من خلال العمل مع حاكم سان بطرسبورغ الليبرالي أناتولي سوبتشاك.

أسبغ هذا الخليط بأبعاده الثلاثة مرونة على بوتين، وقد ضاعف من نجاحه «شخصيته الصفرية» إذ لم يكن من أصحاب الخلفيات العريقة في الحزب الشيوعي السوفياتي المنحل، ولم يرتبط اسمه كثيراً بـ»لوثات» العقد التسعيني، عقد يلتسين الفاسد القلق، ما ساهم  في تحويله إلى شخصية المخلّص أو المنقذ، وإلى بطل ملأ الفراغ غالباً بصبر وذكاء وتربّص، وبأقلّ قدر من المنزلقات الكبرى، بعد أن استوعب جيداً درسه الأكبر، من أن أفضل طريقة للبقاء هي عدم المقاومة، بل الصبر والانتظار لاقتناص اللحظة المناسبة، وهذا ما كان.

التحدي الغربي

ظهر بوتين إبّان الرئاسة الأولى (2000 - 2004م) بمظهر البرغماتي النفعي، المتحمّس لمبدأ الكفاءة الإدارية أكثر من الباحث عن الزعامة الفردية، وقد بدا مناصراً للغرب بشدّة باحثاً عن الشراكة معه، بل الاندماج به حتى عُرف عنه أنه عرض عضوية روسيا الاتحادية على حلف الناتو، بيدَ أن الناتو هو من رفض.

أما في العمق فقد كانت أبرز التحدّيات النظرية أمامه، بالإضافة إلى تحدييي الأمن والاقتصاد عملياً، هي مسألة أسلوب الحكم الديكتاتوري الذي تربى عليه الروس، ولوازم الليبرالية الاقتصادية التي تعدّ مفتاح التقدّم، وأخيراً طبيعة الشراكة مع الغرب. لرؤية هذه التحدّيات في إطار الرؤية المحلية الروسية، يذهب بعض الدارسين إلى وجود خصائص ثلاث مشتركة للنظام السياسي الروسي، تبدو خارقة للعصور، لأنها تمتدّ لتشمل روسيا القيصرية والسوفياتية والاتحادية. أول هذه الخصائص هو مبدأ الرعاية الأبوية للحاكم الأعلى، وثانيها هيمنة الدولة على الفرد، والخصيصة الثالثة هي نزوع في الانعزال عن العالم الخارجي أو الانكماش على الذات، مع طموح شديد أن تكون روسيا دولة عظمى؛ وهنا يكمن التناقض.

في كلّ الأحوال؛ الغرب اليوم بتعبير الباحث اللبناني الفضل شلق، هو مادّة العالم وروحه، ومن ثمّ لابدّ لأي تجربة أن يكون لها موقفها النظري والعملي منه، وهكذا كان الأمر بالنسبة لبوتين، وقد قاد بحسب أستاذة العلوم السياسية الروسية من أصول أوكرانية ليليا شيفتسوفا؛ ثورة مناصرة الغرب في السياسة الخارجية، وعلى مستوى تحديث السلطة، كما في الإصلاحات الاقتصادية (روسيا بوتين، ص 12 - 13). لكن السؤال دائماً: هل كان بوتين صادقاً في سياسة الشراكة مع الغرب أم مخادعاً؟.

قسوة الغرب السياسي

إذا صرفنا النظر عن الأدب الفكري لتيار عريض من الإسلاميين، يذهب إلى وحدة المرتكز الحضاري التأسيسي للرأسمالية والاشتراكية، ومن ثمّ فروسيا والغرب هما وجهان لخلفية فكرية واحدة؛ أقول بغض النظر عن هذا الاتجاه في التنظير؛ أعتقد أن بوتين ربما كان صادقاً في الاتجاه صوب الغرب، وهو يبحث عن حلول لمشكلات بلده الناشئة عن عقود متراكمة من السياسات الشيوعية الفاشلة، لكن المشكلة في الغرب. والحديث هنا هو دائماً عن الغرب السياسي، فالغرب السياسي هو دائماً قاسٍ ولاغٍ لسواه، لا يتحمّل طواعية أي منافسة لمركزيته إلا أن تُفرض عليه فرضاً، وتُنتزع منه انتزاعاً.

هذا هو شأن الغرب السياسي على الأقلّ خلال القرن الأخير (ولا أتحدّث هنا عن الغرب الثقافي والاجتماعي والإنساني والتكنولوجي) يكفي أن نكشف بعض محطات مواجهته للاتحاد السوفياتي وللصين واليابان ونمور آسيا، ولتجارب أُخر في العالم الإسلامي والثالث مثل إيران وتركيا والهند وغيرها؛ بالعودة إلى قراءة مستأنفة لما كتبه مثلاً الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون (1913 - 1994م)، المعنون «1999: نصر بلا حرب»، وما تضمنه من قسوة بالغة في إلغاء الآخرين، ورغبة عارمة في تهميشهم للإبقاء على مركزية الغرب وحده.

بل لماذا نذهب بعيداً، وقد اتجهت بعض خيارات الغرب السياسي ومراكز تفكيره الستراتيجي لتعقيم الألمان وإخصائهم، بعد تقسيم بلدهم نهاية الحرب العالمية الثانية، كما ضرب اليابان بالنووي!.

لذلك لم يكن الغرب السياسي ليرضَ من روسيا بأقلّ من التبعية والاندماج في الخيار الأيديولوجي والثقافي والاقتصادي والمعيشي الغربي، وهذا ما كان يطمح إليه دعاة «نهاية التأريخ» وغلقه على الأيديولوجية الغربية، مع انهيار الاتحاد السوفياتي وصعود يلتسين، ومن بعده بوتين. أجل، كان هناك خيار آخر جدير بنا أن نستذكره ونستعيده، بادر فيه السياسي الأميركي وزير الدفاع في إدارة بوش الأب، ديك تشيني (معاصر، ولد: 1941م) للدعوة إلى استكمال تفكيك الاتحاد السوفياتي بحملة ثانية لتفكيك روسيا الاتحادية، المكوّنة كما نعلم من نحو (90) وحدة سياسية بين جمهورية وإقليم؛ وقد كان هذا هو منطق الغرب ولم يزل ليس إزاء روسيا وحدها، بل أي قوّة مزاحمة لمركزيته، حتى وإن لم تحمل طابع التحدّي له.

لذلك سرعان ما تحرّك بوتين وقد أدرك هذه الحقيقة، باستبدال مبدأ الشراكة مع الغرب، إلى مسار البحث عن الذات، وابتعاث قوّة روسيا، لكن ليس بالضرورة عبر علاقات تحدّ عنيفة للغرب، خاصة إبّان رئاساته الثلاث الأوّل، قبل أن ينتقل إلى ما يشبه المواجهة معه خلال السنوات الأخيرة، ولاسيّما بعد غزوه لأوكرانيا في آذار 2022م.

الأوراسية والأيديولوجيا

في معركة التفسير النظري لعقيدة بوتين تواجهنا مجموعة تأويلية مُركّبة من الفرضيات والأفكار، تمتدّ من نظريات الأوراسية والسوفياتية إلى القيصرية. لكن باختصار شديد ومن دون دخول بالتفاصيل، لا أعتقد أن بوتين يعبأ كثيراً بالأطر والنظريات والأيديولوجيات، ومن غير المجدي التفتيش عن أيديولوجيته في الأوراسية أو الماركسية السوفياتية أو نزعة التمركز الإمبراطوري، ومن ثمّ من العبث الجنوح إلى المقاربات الأحادية وقياسه على القياصرة أو على ستالين وما شابه، لأن بوتين هو بوتين وحسب.

باختصار شديد، ما يشغل بوتين هو روسيا والروسية، والتمركز الشديد حول نزعة الوطنية الروسية وقوّة روسيا. وهذا برأيي هو التكييف الوحيد الذي يفسّر قصة الرجل في سعيه لبعث روسيا وإعادتها إلى موقع القوّة العظمى المعترف بها غربياً، بالإضافة طبعاً إلى المجد الشخصي. لكن من دون أن يعني ذلك قطّ قطيعته لتلك الموروثات الأيديولوجية والرمزيات الشخصية التأريخية، فهو يغترف منها ويقاربها جميعاً بحسب حاجته إليها، وبما يقربه من لحظته الطموح؛ لحظة انبعاث روسيا الكبرى (وحتى العظمى) بتعزيز النزعة الوطنية الروسية، إذ هو يأخذ مثلاً أسلوب المكائد من الطريقة القيصرية، وثقافة الولاء من المنهجية السوفياتية، كما يأخذ بالبرغماتية النفعية بالأخص في السياسة الخارجية والعلاقة مع الغرب والعالم، على طريقة الحداثة وما بعدها.

هندسة الانتخابات

على هذا لم تكن الانتخابات التي خاضها أخيراً وفاز بها (الجمعة، السبت، الأحد: 15 - 17 آذار) آلية لتداول السلطة، بل كانت محض أداة لحشد الدعم إلى السلطان، كما دلّت على ذلك الهندسة الدقيقة لمقدّماتها والنتيجة التي أسفرت عنها، بحصول بوتين على نحو 88% من الأصوات. فلا وجود حقيقياً للحزبية، لأن بوتين مالئ الفراغ وهو الحزب، ولا برنامج سياسياً، لأن بوتين هو البرنامج السياسي.

صحيح أن روسيا لم تتحوّل بعد إلى قوّة عظمى بمفهوم مرحلة الحرب الباردة، لكنها كبرى ليس بلحاظ الترسانة النووية وحدها، بل بحكم المساحة والموقع الجيوبولوتيكي الممتاز، وهي لم تزل مهمّة في الطاقة، كما أصبحت في الواجهة بفعل هجومها ضدّ أوكرانيا، وتعزيزها في السياسة الخارجية لمحور مناهضة أميركا والغرب بالثلاثي الانتهازي المصلحي القلق، روسيا والصين وإيران؛ والأهمّ من ذلك ما يمارسه الكرملين وبوتين تحديداً من أدوار، في سوريا وغزة والبحر الأحمر، وقبل ذلك في أفريقيا وسلسلة الانقلابات التي ضربت القارة، دون أن ننسى فيتو الجمعة الماضية المشترك مع الصين، في نقض القرار الأميركي بشأن حرب غزة. بيدَ أن هذه المكاسب بأجمعها للحكم الفردي واختزال البلد بالبطل الأوحد، لا توفر ضماناً لاستقرار البلدان، ولا أقصد بذلك فقط العمل الدموي الكبير الذي ضرب موسكو مساء الجمعة في قاعةٍ للحفلات، بل مستقبل البلد برمّته. فكلنا يتذكر أن الكرملين ارتبط في المخيال السياسي للروس بحكم العجائز، وقد اشتهر في العقود الأخيرة من أبرز هذه الرموز ليونيد بريجنيف (ت: 1982م) ويوري اندربوف (ت: 1984م) وكونستانتين تشيرينيكو (ت: 1984م) وحتى بوريس يلتسين نفسه.

من مخاطر حكم العجائز بغياب القوى الحزبية والسياسية الحيّة في الدولة والمجتمع، هيمنة الغامضين الصغار، كما يُحكى عن ممرضة بريجنيف التي كانت كلمتها في الاتحاد السوفياتي أقوى من المكتب السياسي للحزب، وكذلك الحال بابنة يلتسين الصغرى تاتينا وقد تحوّلت إلى الحاكم بأمره في ظلّ عجز والدها، وهو ما قد ينتظر روسيا بوتين ببزوغ نجم ابنتيه كاترينا وماريا، المتواري الآن وراء ظلّ السلطان القوي، في حال طرأ ما يهدّد صحة بوتين.

تبقى ملاحظة في الختام، فالكتابة عن الغرب السياسي في هذا التحليل هي توصيف للعلاقة بينه وبين روسيا، وليست حكماً معيارياً؛ وإلا من الواضح أن العلاقة المدروسة مع الغرب مع كلّ هذه السلبيات، أنفع وأكثر جدوى من العلاقة مع روسيا وتمظهراتها الثلاثة؛ القيصرية والسوفياتية والاتحادية!.