عمان: يعرب السالم
مثل كل العواصم العربيَّة وإن اختلفت الأمكنة, فإن لشهر رمضان طقوساً وألواناً خاصة في كل ربوع الأردن.
فالصوم والتعبد وكرم الناس في الشهر الفضيل وتزيين المساجد والجوامع في عموم الأردن والمحافظات، من الأمور التي تجعل الناس في ارتباط روحي مع هذا الشهر. كما يسعى الأردنيون لتحويله لكرنفال جميل جداً من خلال تزيين الشوارع والبيوت بالأهلة والنجوم والإنارة الملونة والأعلام الخضر التي يتوسطها هلال رمضان.
فهم يستعدون له مبكرين من كل عام.ولرمضان في الأردن صفات جميلة ومتنوعة، فهو شهر يُكثر فيه الناس من الصدقة والإحسان، والقيام بعمل موائد الإفطار الجماعي سواء في المساجد أو في الخيم الرمضانية الخاصة التي تُنصب في مناطق محددة ويطلقون عليها اسم موائد الرحمن، وهي من تبرعات الميسورين الذين قدموا تبرعاتهم قبل قدوم الشهر، بمعنى أنَّ كل شيء معد مسبقاً استعداداً للشهر الفضيل.
كما يمنع في شهر رمضان الإفطار العلني في الأماكن العامة وتقفل محال المشروبات الكحولية.
ومن أكثر الأماكن المزدحمة في ساعات الإفطار وبعده هي وسط عمان أو وسط البلد, كما يسمونها هنا بعمان القديمة.
إذ تزدحم بأهل البلد والسياح عرباً كانوا أم أجانب والشباب والأسر، إذ تفتح المحال والمقاهي والمطاعم والأسواق أبوابها بعد الإفطار طوال الليل ضمن أجواء احتفالية تسر الصائمين والناس.
كما بإمكان السياح أن يلاحظوا جمالية مداخل البيوت وشُرفاتها، والطرقات وهي تلتف وتزخر بالزينة، بأشكالٍ تجعل من رمضان شهراً له قيمته الإيمانية المتفردة وجماله الخاص.
كما يقوم الناس بزيارة الأقارب وتبادل الزيارات في ما بينهم، أو انهم يذهبون لتناول الحلوى والعصائر والمأكولات والجلوس في المقاهي المحيطة بالساحة الهاشمية وكذلك المدرج الروماني في وسط عمان الذي يحتضن العديد من الفعاليات الاجتماعية والنشاطات الشعبية.
وتنتشر بين الأردنيين العزائم والدعوات الموجهة للأقارب والأصدقاء ومساعدة المحتاجين والفقراء، فتلتقي القلوب على فعل الخير وتتسابق في تخفيف الأعباء المالية على المعوزين والذين انقطع بهم السبيل.
كما أنَّ المطبخ الأردني يزهر بأطباق خاصة به، تجيدها ربة البيت مثل المنسف الذي يعتبر الأكلة الشعبية الخاصة بالأردنيين وشعارهم وسيد المائدة وهو عبارة عن لحم يُغلى بنوع خاص من اللبن يسمونه “الجميد” ويسكب فوق الرز ثم يوضع اللحم ويغطى بخبز الصاج الذي يصنعونه في المنازل.
وكذلك المكمورة وصواني الكفتة بالطحينة أو رأس العصفور مع البندورة والمسخن والملفوف المحشي وخبز العرايس ومحشي ورق العنب وأنواع المعجنات المحشية باللحم.
وتقوم ربة البيت بصناعة حلويات من العجين محشية بالجوز أو القشطة وتُغمس في (الشيرة) تسمى “القطايف” الشهيرة، التي تُعد الحلوى الرئيسة التي لا يأكلها الأردنيون إلا في رمضان فقط، إضافة إلى حلوى “الكنافة” والحلويات الشعبية مثل العوامة وكرابيج حلب والهريسة والوربات والتمرية وغيرها.
ولا تخلو المائدة الأردنية من العصائر كالتمر الهندي والعرق سوس والخروب والليمون وقمر الدين. وهناك عادة اجتماعية جميلة تدل على التآلف والتآخي، حافظ عليها المجتمع الأردني تسمى “المساكبة” وهي تبادل أطباق الطعام قبل أذان المغرب، وبالذات في القرى والأحياء الشعبية. وهو إرث اجتماعي قديم جدا، ربما قلّ في الوقت الحالي لكنه موجود ولم يختفِ، هو جو رمضاني تسوده أجواء التراحم والمحبة والألفة.
كما أنَّ الكرم الأردني وفعل الخير يستمر طيلة شهر رمضان، من خلال مبادرات وحملات توزيع المواد الغذائية والطرود بكل أنواعها من قبل الجمعيات والجوامع على المتعففين والفقراء، ولابد من ذكر أنَّ عدد المساجد والجوامع يتجاوز السبعة آلاف، يُقبل الناس عليها في جميع أوقات الصلاة، وكذلك في صلاة التراويح وتشهد المساجد بعض الحلقات الوعظية في أمور الدنيا والإرشاد الديني. وللثقافة والفن حضورٌ في رمضان بالأردن، إذ تنظم وزارة الثقافة ووزارة السياحة والمراكز الشبابية، الأمسيات الرمضانية التي تتضمن الأنشطة الثقافية والمسابقات والمدائح التي تُقام في الساحات العامة في مختلف محافظات المملكة الأردنية.
ولم يغب المسحراتي بطبله عن الحضور، رغم تنوع وتعدد وسائل التكنولوجيا الحديثة التي يستخدمها الإنسان للاستيقاظ لتناول وجبة السحور، سواء في المنزل أم خارجه، فهو يضيف لرمضان بهجة خاصة تُذكر الأسر الأردنية بأصوات طبول المسحراتية الذين كانوا ينتشرون في الأحياء القديمة، ويركض خلفهم الصغار.
وهو في الغالب عمل تطوعي يقوم به شخص من الحي إيماناً منه بضرورة الحفاظ على هذا الموروث الثقافي، الذي ارتبط بشهر رمضان ولفترة طويلة من الزمن.
ورغم أنَّ الحياة العصرية غيرت الكثير من العادات الرمضانية، إلا أنَّ روحانية رمضان وأجواءه، تعيدان الأردنيين إلى حالة الانسجام والتكافل الاجتماعي بالإضافة للترابط العشائري الواضح في المجتمع الأردني وهذا الترابط يحث الناس في رمضان على المشاركة والتكاتف في ما بينهم.
ومن المناظر المألوفة في رمضان وبالأخص في الطرقات أنك تجد الشبّان يوزعون الماء والتمر عند التقاطعات وقت أذان المغرب، حتى أنَّ المسيحيين ينظمون مبادرة “إفطار صائم”، كما تقيم بعض الكنائس موائد الإفطار الرمضانية التي تجسّد حالة الوئام والعيش ضاربة أروع الأمثلة في المودة والتآخي بين الديانات.
وترتفع الصلوات في العشر الأواخر من رمضان، ويُصلي الأردنيون حتى الفجر علّهم يدركون ليلة القدر، ثم يتهيؤون لدفع زكاة الفطر التي يسمونها أيام الجبر، أي جبر خواطر الفقراء والمحتاجين والمتعففين.
وفي الليالي الأخيرة من رمضان تزدحم الأسواق والساحات الأردنية باستعدادات العيد وشراء الملابس والمأكولات والحلويات، وترتفع الأكف في المساجد المزينة بأنوار مبهجة، بدعوات أن يعاد عليهم شهر رمضان وهم في نعمة وأمان.