الدراما العراقيَّة من المعالجات الساذجة إلى العنف وعالم المخدرات

ريبورتاج 2024/03/26
...

 بغداد: نوارة محمد

تحتل الدراما العراقيَّة حيزا مهما في حياتنا المعاصرة اليوم لما لها من دور كبير في تجسيد الواقع وهي سرعان ما شهدت غزارة في الإنتاج، إذ وصل عدد الأعمال إلى 25 مسلسلا تلفزيونياً عراقياً لهذا العام، هذا التنوع يعده البعض نقلة نوعية ويراه البعض الآخر زيادة عدد لا أكثر.
المتهمون يرون أن سوق الأعمال التلفزيونية العراقية لا تزال في دائرة الإطار المحلي ولا تزال تشكو ضعف الاحترافية والإمكانات وأن التفوق الكمي لا يعني أن هناك تفوقا نوعيا,ويعتقدون أيضًا أن الدراما العراقية غادرت الأجواء والبيئة الاجتماعية القديمة التي باتت توصف اليوم، قياساً بالمواصفات الفنية السائدة حالياً، بأنها كانت بسيطة أو ساذجة أو حتى بريئة،

حيث الموضوعات بطابعها الاجتماعي المألوف الذي عُرِفَتْ به سابقاً بدأت تنحدر تدريجياً نحو عوالم العنف والجريمة وعمليات القتل والاختطاف والتصفيات الجسدية ذات الطابع السياسي والاجتماعي, وهذا يروّج لعراق مأزوم.
يقول الناقد والمخرج رضا المحمداوي: «رغم أنَّ نسبة إنجاز الأعمال الدرامية من قبل القنوات الفضائية قد شهدتْ ارتفاعاً وزيادة ملحوظة في أعدادها مع تنوع وتعدد في الأنواع الدرامية المُنجزة إلاّ أنَّ البحث عن الدراما المتميزة أو التي يمكن أن تؤسس لنمطٍ متطورٍ وناضجٍ يبقى هو الهاجس الأكبر لدى الجمهور العام ولدى المتخصصين وأصحاب الشأن وكذلك في الصحافة الفنية.
وفرضية (الكم) المتراكم الذي يقود إلى (النوع) المتميز والتي روَّجَ لها البعض من العاملين في الوسط الدرامي أو بعض المتابعين والمراقبين للمشهد الدرامي العراقي قد فشلتْ لدينا بمجملها بشكل عام ولمْ تحققْ هدفها الفني، ففي حين تتزايد أعداد الأعمال الدرامية المنجزة يبقى النوع الفني المتميز محدوداً جداً.
وحتى نسبة النجاح الفني أو الجماهيري وانتشاره شعبياً، أو توفر شروط ومستلزمات الجودة الدرامية، أو الحصول على درجات النضج الفني، أو أهمية وخطورة الموضوع المطروح في النص، أو القدرة الإخراجية والإمكانيات الفنية وغيرها من المعايير والأسس، لمْ تخضعْ لدينا لمعايير الجودة الدرامية أو منطق التقييس والسيطرة الدرامية النوعية! بل أصبحت خاضعة لمزاج (الفيسبوك) والتعليقات والإعجابات الهوائية العابرة والعلاقات والإعلانات والترويج المُمّول والمدفوع الثمن مسبقاً بطرق وأساليب مختلفة.»
ويتابع المحمداوي، «في كثير من الأحيان يعتمد كذلك على اسم القناة المنتجة ونسبة مشاهدتها وطريقة ترويجها وحضورها الجماهيري فضلاً عن النوع الدرامي الذي سبق لها أن رسخته وتركته في ذاكرة جمهورها العام.»
الاعتقاد بتحول المزاج الدرامي العراقي في الوقت الراهن وتحوله بشكل واضح نحو عوالم العنف والجريمة يزيده رسوخًا حتى بات العنف أهم موضوع يشغل فكر صناع المشهد الدرامي بحسب المحمداوي «غادرتْ الدراما العراقية الأجواء والبيئة الاجتماعية القديمة التي باتتْ توصف اليوم، قياساً بالمواصفات الفنية السائدة حالياً، بأنها كانت بسيطة أو ساذجة أو حتى بريئة، حيث الموضوعات بطابعها الاجتماعي المألوف الذي عُرِفَتْ به سابقاً، وبدأتْ تنحدر تدريجياً نحو عوالم العنف والجريمة وعمليات القتل والاختطاف والتصفيات الجسدية ذات الطابع السياسي والاجتماعي، وهو الملمح الرئيس الذي يمكن تشخيصه والإشارة إليه من خلال الأعمال الدرامية التي شاهدناها على شاشة التلفزيون منذ عام 2003.
ومع توالي المواسم الدرامية السنوية ازدادت ظاهرة العنف رسوخاً في عالم الدراما العراقية حتى أصبح العنف موضوعاً رئيساً من الموضوعات الدرامية شبه الجاهزة والتي غالباً ما يلجأ إليها المؤلف الدرامي سواء باختياره الشخصي أو بناءً على توصية أو استكتاب من قبل القناة الفضائية المنتجة.
وبذلك كاد (العنف) يصبح ظاهرة درامية- فنية يلجأ إليها صانعو الدراما لدينا من المؤلفين والقنوات الفضائية المنتجة لغرض التعبير عن رؤى وتوجهات ثقافية مهيمنة باتت تحكم قبضتها على المجتمع وتحرّك دفة مفاصله بصورة عامة في الوقت الراهن، فضلاً عما توفره أجواء العنف والقتل والمطاردات والعصابات من عناصر الإثارة والتشويق والشد الدرامي المطلوب في مثل هذا النوع الدرامي الجديد على عالم الدراما
العراقية.
وبالتأكيد أنَّ هذه الظاهرة الاجتماعية وانعكاساتها الدرامية لم تنشأ من الفراغ أو العدم، فقد شهد المجتمع العراقي وخلال حقب تاريخية متعددة تغيرات وتحولات وتبدلات كبيرة في بنيته الاجتماعية والثقافية ومنظومة قيمه وأخلاقه سلبتْ منه ومن أمنه المجتمعي، في المحصلة الأخيرة، تلك الدعة والطمأنينة والهدوء والسلام الداخلي ولذا أصبح العنف ظاهرة مجتمعية بامتياز عراقي، وشاعت أجواء الجريمة والقتل وعصابات المخدرات واستخدام السلاح المنفلت من قبضة القانون والدولة.»
ويؤكد أيضاً «لطالما بقي المجتمع العراقي مأزوماً فإنَّ الدراما العراقية سوف تعكس هذا التأزم الاجتماعي في أعمالها مثلما نشاهد اليوم على شاشة التلفزيون حيث أصبح (العنف) و(الجريمة) ثيمة درامية وبوجوه وأقنعة متعددة، وما زال المجتمع وبحركته وإفرازاته اليومية يشهد ويعيش أجواء عنف (الدراما الحياتية) التي يعيشها حيث تزهق الأرواح وتسيل الدماء وتطفو جثث القتلى على سطح تلك الدراما بطابعها العنيف وفي ظل هذه الأجواء الحياتية والدرامية الفنية معاً لا بُدَّ أن نفتقد الهدوء ليشيع التوتر و(العصابية) والشد وتتعالى الأصوات إلى حد الصراخ ليكون الأداء الفني عموماً مشدوداً ومتوتراً، أما الرومانسية والهدوء والأريحية فقد أصبحتْ (نوستالجيا) عراقية خالصة».
وفي السياق ذاته يبين الكاتب والناقد الدكتور محمد غازي الأخرس أنَّ «الدراما العراقية لا تزال بعيدة عن الواقع الحقيقي الساحر المليء بالأحداث والحكايا عدا الحروب والعنف الذي تروج له الساحة الفنية وهي تصدر للجمهور شخوصا وأبطالاً بوجوه متعصبة وأصوات غالباً ما تكون مرتفعة ومن الملاحظ أنَّ الأعمال التلفزيونية نصوصها مكتوبة بطريقة تبتعد عن الواقع، وأظن أنَّ هناك شحّاً واضحاً في إنتاج الأعمال التلفزيونية والشركات المنتجة التي لا تزال «بخيلة» في التنفيذ وتميل إلى اختصار مصاريفها، وهو ما يدمر واقعية أي دراما، الأمر الذي برع به السوريون والمصريون كنا نتمنى لو أنَّ الشركات المنتجة في العراق ترتسم خطاهم».
 ويضيف، «نعم، هناك انتقالة درامية كمية كبيرة هذا العام والعام السابق والذي سبقه، وفي الترتيب العربي، العراق هو البلد الثاني بعد مصر، متخطياً سوريا ودول الخليج.
لكن التفوق الكمي لا يعني أنَّ هناك تفوقاً نوعياً كبيراً. للأسف، مستوى الدراما ما زال يحتاج الكثير من التطوير من جميع النواحي الفنية بدءاً من الإنتاج نفسه مروراً بكتابة النصوص والإخراج والأداء والتصوير وغير ذلك. في مجال الإنتاج.»
ويعزو الأخرس أسباب انحسار المشهد الفني وجموده إلى «غياب التنوع في قصص الأعمال، فخلال سنوات طويلة اقتصرت الدراما العراقية على السياسة والفساد والعنف، ونادراً ما نرى قصصاً أخرى من صلب المجتمع، في هذا العام رأينا عدداً من الأعمال التي كسرت هذا السقف لكنها قليلة والعراق بجميع مجتمعاته تربة خصبة للإنتاج التلفزيوني الواقعي لكننا نجد أنَّ هذه الأعمال معظمها تدور في بغداد وهذا نسق موروث من عقود، فعدا ريف الجنوب، من النادر أن نرى عملاً يدور في الموصل أو النجف أو تكريت أو الديوانية، بمعنى أنه يجب أن ينتبه المنتجون إلى هذا النقص، ويرتبط به عيب خطير آخر تعانيه الأعمال وهو غياب التنوع اللهجي كما هو موجود عند المصريين مثلا.
في النهاية هذه القفزة الكمية يمكن أن تقود إلى قفزة نوعية الأمر بحاجة لجهد كبير ويحتاج إلى تغيير في عقلية المنتجين ودأب للعثور على سوق للأعمال العراقية.”
الناقد والإعلامي كريم السيد يقول: “المشهد التلفازي العراقي شهد زخماً درامياً هذا العام غير مسبوق، وتصدر نسب المشاهدة بسبب المسلسلات الرمضانية التي لاقت استحساناً كبيراً في صفوف العراقيين وأثرت في ترتيبه بين صفوف الدراما العربية، رغم الثغرات التي لا تزال تعاني منها.” وأضاف، “المشهد التلفزي الذي جاء زاخراً بالأعمال المتنوعة محكوم أيضاً بذائقة الجمهور لاسيما أنها تفضل هذا النوع من الأعمال المثيرة للعواطف وقضايا الوجع الإنساني التي عاشها العراق، عموماً لاحظنا أنَّ هنالك تعدداً للموضوعات التي تناولتها شركات الإنتاج مثل مسلسل كريستال الذي لامس قضية (المخدرات) ومسلسل (انفصال) ومسلسل (العائلة أكس) هذه أعمال طرحت قضايا متنوعة وكانت قريبة من الواقع الاجتماعي العراقي.»