تقاليد الأسرة العربيّة في رمضان

منصة 2024/03/26
...

 غفران حداد

يستقبل شهر رمضان  على مدار التاريخ باهتمام وبهجة كبيرين من قبل العالم الإسلامي.
فهذا الشهر عادات وطقوس ثابتة لخصوصيته ومكانته الرفيعة من تعليق الزينة والفوانيس في الشوارع وعلى واجهات المنازل والمساجد، وتكثيف الزينة من المصابيح المضاءة والرايات للاحتفال برؤية الهلال والتجهيزات من قبل الأمهات بتوفير أصناف وأطباق المائدة الرمضانية.
إذ  يحرص المسلمون على التقرب من الله املاً في الفوز برضاه ورحمته فهو شهر العبادة، ويروى أن "أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار".
هذا التقسيم الثلاثي لأيامه جعل الناس لها تقسيما مماثلاً، فمثلاً أهل السعودية قسموا أيامه إلى ثلاثة، عشرة للجزّارين وعشرة للقماشين وعشرة للخياطين، أي الثلث الأول الاهتمام بالطعام والولائم، والثلث الأوسط يبدأ الأم والاب بشراء الأقمشة لملابس العيد، أما الثلث الأخير لزيارة الخياطين لخياطة ملابس العيد.

استقبال الشهر في دمشق
من التقاليد الدمشقية الراسخة، حيث يودع الدمشقيون شهر شعبان بتقليد ثابت كل عام، وهو ما يسمونه "بتكريزة رمضان" حيث يقوموا بنزهات إلى الأماكن العامة، أو الحدائق، أو المناطق المطلة على مناظر الخضرة والمياه.
وتعد الأمهات ألذ الأكلات المنزلية ويمارسون الألعاب الشعبية، وهذا الاحتفال لتوديع شعبان واستقبال رمضان، كتقليد يحرص عليه الغني والفقير كنوع من المحافظة على تقاليد الآباء والاجداد والتأكيد على صلة الرحم والقربى.
وفي آخر أيام شعبان يقوم الكويتيون بنزهات يطلقون عليها "يوم القريش" وهو سلوك مشابه لأهالي دمشق، حيث يشهد هذا اليوم خروج أهالي الكويت للمتنزهات والشواطئ، وتبادل الزيارات العائلية وتقديم أشهى أنواع الحلويات.
و"يوم القريش" معروف بالاسم ذاته عند أهل السعودية في توديع شهر شعبان واستقبال الشهر الكريم.

هلال شهر رمضان
إن إعلان رؤية هلال شهر رمضان يشكِّل فرحة كبيرة لدى جميع الشعوب الاسلاميّة وجملة "رمضان كريم" والرد "الله اكرم "تتردد على السنه الجميع حيث في العراق، وما أن يثبت رؤية هلال شهر رمضان يحرص أهالي البادية في المحافظات مثل الانبار على ذبح الاغنام في أول يوم رمضان وتوزيعها بين الجيران والفقراء، أما في بعض أحياء بغداد يوزعون اطباق الحلوى مثل الهريسة المزيّنة بالمكسرات والسكر والقرفة.
أما في اليمن فرغم ظروف الحرب لا تزال بعض المناطق اليمنية تستقبل الشهر الفضيل بما يسمى "الشعبانية" أو "الشعبنة" وهو تقليد سنوي لمناسبة رؤية هلال رمضان ويتم توزيع الحلوى بين الأطفال والناس في الشوارع ويذهب الرجال إلى المساجد للتكبير واداء الاناشيد الدينية ولدى أطفال اليمن طقوسهم وبهجتهم عند أواخر شهر شعبان، حيث يغنون ويمرون بأهالي الحي للحصول على العطايا التقليدية وهم يهزجون "يا رمضان يا بو الحمائم/ ادي لأبي قرعة دراهم/ يا رمضان / يابو المدافع / ادي لنا مخزن بضائع".
وفي بغداد العادة ذاتها التي يمارسها الأطفال خصوصا في المناطق الشعبيّة مثل منطقة الفضل، الشوّاكة والشيخ عمر وهم يرتدون "الدشاديش" الجديدة، ويرددون: "ماجينا يا ماجينا حلّ الكيس ونطينا، تنطونا لو ننطيكم لبيت مكة نوديكم، ربي العالي يخليكم تنطونا، الله يخلي راعي البيت آمين بجاه الله واسماعيل".
ويبقى الأطفال بانتظار صاحب الدار ليفتح لهم ويعطيهم المال أو الحلوى، وإذا تأخر صاحب الدار، عن الرد فانّ الصبية يرددون "يا أهل السطوح تنطونه لو نروح".
ومن دون شك بأن شهر رمضان هو شهر العبادة من احياء نهاره بالصيام وليله بالقيام ولكن الاحتفال بقدومه من العادات التراثية التي يتمسك بها الجميع والتي تترك فرحة في القلوب، فمثلا في موريتانيا في أول أيام الصيام وعند الافطار يكون من خلال التمر والشاي الموريتاني وكأس من "الزريك" وهو مزيج من الحليب والماء ويأتي تناول الأكل بعد اداء صلاة التراويح، ولو أن هذه العادات تغيرت عند البعض.
أما في المغرب فيكون الاحتفال بأول أيام رمضان بارتداء الملابس المغربيّة التقليديّة، ويكون تجهيز هذه الأزياء قبل قدوم شهر رمضان بأسابيع ويعتبر لديهم من المعيب تلبيه الدعوة على الفطور أو السحور وهم يرتدون ملابس عادية.
ومن يتجول في شوارع بيروت سيجد زينة خجولة في تزيين الشوارع وشرفات المنازل، فالأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها اللبنانيون ألقت بظلالها على الموروثات والاحتفالات الشعبية لاستقبال الشهر الفضيل ونسبة بيع الزينة الرمضانية كما يؤكدها التجّار لم تصل إلى 20 بالمئة، مما كان يباع في السنوات السابقة وأصبحت الكثير من الأسر اللبنانية والمغتربة تكتفي بشراء قطعة واحدة بدلاً من عشرات القطع من أدوات الزينة لكن في بعض المناطق والأسواق الشعبية، مثل سوق صبرا يشهد اقبالا من العائلات بشراء زينة رمضان، وأصناف مختلفة من الحلويات بأسعار تعتبر مناسبة مقارنة بالغلاء الكبير في بعض مناطق العاصمة، ومن العادات الجميلة يحرص عليها أهالي مدينة طرابلس في لبنان استقبال شهر رمضان اطلاق المناطيد الملونة التي تحمل عبارة "رمضان كريم"، وينتشر منظر بائعي عرق السوس والتمر الهندي في الأسواق قبل أيام قليلة من شهر رمضان ويستمر بيعه لهذه العصائر على مدار الثلاثين يوماً.

المسحراتي
تكاد مهنة "المسحراتي" تنقرض في بعض الدول الإسلامية، وإن كان موجودا في بعض المناطق كنوع من الحفاظ على مهنة توارثها الاحفاد عن الأجداد، حيث في ظل وجود منبهات الهواتف الخلوية أو السهر طوال الليل في الأماكن العامة لتناول الطعام والترفيه لم يعد كثيرا بحاجة لسماع طبلة المسحراتي" وهو يردد "إصحى يانايم ..وحّد الدايم"، لكن شخصيته محببة لدى لأطفال الذين يحرصون على الانضمام اليه، وهو يسير بين الأزقة وطرقات الحي وبعض الرجال يقدمون "للمسحراتي" صينية السحور تقديرا لمهنته الثوابية التي يقدمها من دون مقابل سوى ما يحصل عليه بعض المكافآت الطوعية على شكل (عيدية) من الناس في صباح أول ايام عيد الفطر .
وفي الليالي الأخيرة من شهر رمضان وفي معظم الدول العربية يحرصون على جبر خواطر الأيتام والأرامل والفقراء باِخراج زكاة الفطر ويستعدون للاحتفال بأيام العيد جعلها الله علينا وعليكم مليئة بالخير والسعادة وتقبل الطاعات.