وجهي بلا ماكياج في شهر الصيام

منصة 2024/03/26
...

 بغداد: نوارة محمد

لم تتوقع منه ذلك.
أوقفها زميلها أحمد في ممر المكاتب وهو يبتسم بأريحية قائلا: "نبأ.. اليوم طالعة تشبهين جبار السمكري."
في ذلك الصباح تبارى موظفو قسم الارشيف في إفراغ كل مخزون التنمر الذي يملكونه على نبأ، منتقدين ظهورها في أول أيام شهر الصيام من دون مساحيق تجميل وبتسريحة شعر مختلفة. مزاحهم وصل إلى حد التجريح، هذا ما تتعرض له كثيرات خلال شهر رمضان المبارك.
تقول آمنة حازم إن "الفتاة التي لا تحتفظ بتكوين وجهها بوجود الماكياج تتعرض لحالات التنمر بمثل هذه الطريقة، فالقصد وراء وضع مساحيق التجميل تعزيز الجمال الطبيعي، إن كانت الملامح لا تتغير. وبالرغم من ذلك لا أرى أي مبرر يسمح بالهجوم على النساء ما يترك ضررا نفسيا عليهن".
مُضيفة: اتمنى أن نكون أكثر وعياً بالتحلي بأخلاقيات التعامل مع الآخرين والذوق العام.
وعن تجربتها الشخصية، تقول ليا العاني التي تعمل موظفة في قسم الادارة بشركة محاماة إنها امرأة تحب وضع الماكياج وتراه نوعاً من أنواع الفنون، لكنها قررت أن تُخففه هذه الأيام، "أقضي هذا الشهر من دون مستحضرات تجميل رغم أنني لا أبالي للتعليقات الساخرة التي تطالني منذ بداية الشهر حتى الآن، لكن هذا الأمر أثر بي بشكل أو بآخر فأسئلة مثل وجهك شاحب، هل أنتِ بخير؟
رغم معرفتهم السبب أمر مزعج.. أو أنني أبدو قبيحة من دون مكياج.. آراء ذكورية بعيدة عن الذوق والاخلاق ليس هنالك أدنى سبب لاطلاقها". وتضيف ليا أن "انعدام الذوق العام حالة نعاني منها في الأعوام الأخيرة، فظهور النساء بوجوه طبيعية غير مفلترة حالة يجب أن تعيشها كل سيدة لتتقبل ذاتها قبل الآخرين، وهي تعمل على ذلك بين فترة وأخرى". وتؤكد ليا العاني أن هذه الخطوة نابعة أيضا من احترامها للشهر الفضيل، وهي تعدها فترة تستعيد بها نضارةُ بشرتها وصحّتُها النفسية.
في السياق ذاته، تقول أميمة رعد إنها  كأي فتاة تعيش طقوسا دينية خلال شهر الصيام وتتابع، "أشعر براحة كبيرة حين أضع الحجاب على رأسي، واكتفي بوضع القليل من الماكياج، ومع عدم وضع العدسات التجميلية اللاصقة صرت احتاج ربع ساعة لأخرج من البيت".
وتوضح: أصبحت أحب ملامحي الطبيعية أكثر ورغم نظرات الاستغراب التي يبديها الآخرون بمجرد النظر في وجهي، لكنني مسترخية إلى حّد ما وعلى يقين أكبر أن النساء جميلات ولكل منا جمالها الخاص.
تظهر الدراسات بأن المرأة لا تخرج من منزلها دون وضع مستحضرات التجميل. ونشر موقع skinstore عام 2016 أن واحدةً من بين كُل ثلاث فتيات لا تستطيع "أبداً" الخروج من منزلها دون وضع مستحضرات تجميلية لاعتقادها أن الماكياج يجعلها أكثر "جاذبية"، ويُعطيها ثقة عالية بنفسها، وهذا يبين اننا أمام  خطوة جريئة  قُمن بها كثيرات في هذه الأيام.
الحقيقة اننا نتعرض للتنمر يومياً وهؤلاء يظهرون متربصين ينتقدون أشكالنا وطريقة ركننا للسيارة. يظهرون فجأة حين يّصر معقب المعاملات على ابتزازنا. ويظهرون حين يجبرك الطبيب على شراء الأدوية من الصيدلية التي يختارها هو. عموما نحن في هذه البقعة من الكون صرنا نفتقد سماع عبارات مريحة، وبدا من الغريب أن يبتسم أحدهم في وجهك من دون سبب أو يرمي عليك عبارات "نهارك سعيد" و "طاب مساؤك"، ولم يعد من الغريب أن يمضي أحدهم نصف ساعة وهو يطلق عليك شتى عبارات التنمر. إنهم سعداء أمام الكم الهائل من الوحشية.