تتزاحمُ الافكارُ في رأس الإنسان عند إصابته بمرض الاكتئاب النفسي، فهو يتساءل عن قيمة الحياة وأهميتها، ويفكر في المعاناة القاتلة التي يعيش فيها بسبب الاكتئاب، ويبدأ في الاستغراق بالتفكير والتأمل في الماضي والحاضر والمستقبل في جوٍ من الحزن واليأس والأسى تؤدي الى ظهور أفكارٍ سوداء سلبيَّة بخصوص نفسه والآخرين والحياة.
أفكارٌ وهمومٌ بالجملة
إنَّ كلَّ الأفكار والهموم التي تدورُ في عقل الإنسان عند إصابته بالاكتئاب هي من النوع السلبي الذي تضطره أو تدفعه الى انشغاله بأشياءٍ وهميَّة لم تكن مصدراً لانزعاجه في السابق.
وفي حالة الاكتئاب يجري تضخيم أبسط الأمور وأتفه المشكلات، ولا يكون لديه استعدادٌ للتسامح مع أحداث الحياة اليوميَّة الصغيرة والوقائع التافهة التي لا تستحق الاهتمام، بل إنَّه يظلُّ يفكرُ فيها ولا يرى منها سوى الجانب السلبي فقط. ولأنَّ التشاؤم يسيطرُ على تفكير المصاب بالاكتئاب، فإنَّه يتوقع أسوأ النتائج، والمفارقة أنَّ توقعه هذا يدفعه الى أنْ يزدادَ انشغاله بحالته الصحيَّة فيتصور بأنَّه مصابٌ بأمراضٍ جسديَّة، ويظلُّ يراقب دقات قلبه بحثاً عن خللٍ يؤكد إصابته بمرضٍ خطير، وطبيعيٌّ أنَّ حالة القلق لحظتها تؤدي الى زيادة دقات قلبه فيؤكد لنفسه (اويلي يابه راح أموت)!.
ومن أخطر هموم مريض الاكتئاب وأكثرها إزعاجاً، هي المشاعر القويَّة التي تسيطر عليه بأنَّه يتغير من داخله وأنَّ العالم يتغير من حوله، ويكون هذا الإحساس مزعجاً له حيث يتصور أنه شخصٌ آخر (آني مو آني!).
أرواحٌ أو سحر
ومن المفارقات الغريبة أو الطريفة، أنَّ مريض الاكتئاب إذا نظر الى السماء عند الغروب وأخذ يراقب تشكيلات السحب، فإنَّها تتراءى له كوجوهٍ بشريَّة كئيبة، أو ترسم أمامه صوراً مخيفة لأشكالٍ تسبب له القلق والضيق تزيدُ من كآبته. وإذا سمع أي ضوضاء يخيل إليه أنَّه يستمعُ الى صيحات استغاثة، بل إنه أحياناً قد يتوهم سماع أصواتٍ تتوجه إليه وتقول له (أنت تافه.. لا تستحق الحياة). وفي الحالات الحادة من الاكتئاب النفسي قد يتصور المصاب به أنَّ السبب في ذلك يعود الى الأرواح أو السحر أو الجن، مع أنَّ جميعها لا تسبب له الكآبة ولا تشفيه، والعتب ليس عليه (ولا على المريض حرج) بل على أهله الذين يأخذونه الى شيخٍ أو عرّافٍ، بدل أنْ يتوجهوا به الى طبيبٍ نفسي.