{شخبطة} الأطفال.. دلالاتٌ نفسيَّة وسلوكيَّة عميقة

منصة 2024/04/01
...

 رندة حلوم

يعد الرّسم العشوائي الحرّ، هوية الطّفل النّفسيّة والمعرفيّة، فمن خلاله تتم ملاحظة وقياس المشكلات السّلوكية والنفسية التي يعاني منها الأطفال من عمر السنتين وحتّى الـ ٩ سنوات، لذلك أولى علماء النّفس والأخصائيين الاجتماعيين هذا الجانب العناية والاهتمام وتناولته العديد من الكتب والدراسات في العالم.. فقد أشارت الكاتبة والمعالجة بالفن "ميشيل ويمر" إلى أنّ الرّسم لغة ثانية للطفل، وأنّ رسوم الأطفال تسلط الضّوء على عالمهم العقلي.

الرّسم بالخطوط
 يميل الأطفال بعد عمر السّنتين  إلى الرّغبة في "الخربشة" وتكون هذه الخربشة عشوائيّة متعددة الوسائل وغير منتظمة، ومن الممكن أن يستخدم  الطّفل فيها القلم أو الطباشير أو أحمر الشفاه أو أي وسيلة أخرى للخربشة  تكون في متناول يده، تلك الخطوط العشوائية  يعبر الطفل من خلالها  عن مشاعره، ويكون هذا التعبير  بطريقة غير واعية منه، فهو لا يستطيع تفسيرها، بينما يستطيع الكبار من ذوي الخبرة والاختصاص قراءة المشاعر الدّاخلية له من خلال طريقة اعوجاج الخطوط المرسومة أو من خلال كثافتها أو شدتها وموقع الخطوط  من الصفحة وحجم هذه الخطوط، وينتقل الطّفل الأكبر سناً إلى استخدام الألوان، وتكون هذه المرحلة قبل الرابعة من العمر، فهنا ينتقل إلى محاولة استخدام الألوان،
وبطريقة "الخربشة" السابقة نفسها، لكن استخدام الطفل لألوان بعينها من دون غيرها له دلالات نفسية وسلوكية عميقة كميله إلى ألوان البهجة، أو ألوان الحزن والضجر وغيرها من المشاعر، هي ذات دلالة على حالته النفسية والعقلية.

الرّسم بالرّموز  
وهذه المرحلة تكاد تتماهى مع المرحلة السابقة لكن مع تطور مهارات الطفل الجسدية والعقلية يبدأ باستخدام الخيال الذي يعتمد على التفكير، ويظهر هذا في شكل رموز متنوعة يقوم الطفل بتشكيلها، ثمّ يطلق عليها أسماء كأن يرسم خطاً ويقول: هذا أنا وخطاً آخر ويقول هذا أخي، أو يذكر التّسمية قبل أن يرسم، فيقول مثال: إنني سأرسم أخي، ثم يبدأ بالرسم عن طريق رموز وخطوط.

الرّسم الاجتماعي
 تبدأ هذه المرحلة بعد عمر الأربع سنوات، حين يبدأ الطّفل برسم أقرب النّاس إلى قلبه ومن يشعر معهم بالراحة والاطمئنان والسعادة، وهم في الغالب أسرته "الأم، الأب، الأخوة، الجدة، الجدة" بعد ذلك تطور رؤية الطّفل لما يمكن التّعبير عنه بالرّسم فيبدأ في رسم "البيت، المدرسة، الشوارع، الأبواب، الأزهار، الحلوى..الخ" وهي كلها أشياء يراها حوله بشكل يومي، لكن الطفل لا يرسم هذه الأشياء وهو ينظر إليها، بل يعتمد على تخيلها معرفياً، وهنا أساس علم النفس في تحليل رسومات الأطفال في تلك المرحلة، لأنّنا عندما ندرك أن الصّغار يرسمون الأشياء كما يعرفونها لا كما يرونها، نستطيع فهم الحالة العقلية والشعورية لهذا الطفل، فمثلا التلميذ يرسم معلمته إما بشكل شرير أو طيب، فهو يرسمها كما ترسخت في عقله من خلال معاملتها له، وهو أيضاً يرسم المدرسة كما يعرفها، ويرسم نفسه في المدرسة كما عرف نفسه فيها من خلال معاملة الآخرين له داخل هذا المكان.
لذا فمن المجدي أن يكون في أي مدرسة ساعة للرسم الحر، تعرض بعدها تلك اللوحات على المرشد النفسي الاجتماعي وتتم وقتها عملية الملاحظة والقياس للمشكلات النفسية والسلوكية ومعالجتها لاحقاً بالتنسيق مع الأسرة، لذلك علينا أن نترك الطفل يرسم، ويرسم من دون أي تدخل منا وعلينا، أن ندعم فكرة الرسم الحرّ لدى الصغار حتى نعرف داخلهم من خلاله.